اجتماعي

ما ضاقت البلاد لكن ضاقت صدور الرجال

بقلم / مش ساكت

لعمري،‭ ‬ما‭ ‬ضاقت‭ ‬ليبيا‭ ‬بأهلها‭ ‬يومًا،‭ ‬فهي‭ ‬أرضٌ‭ ‬واسعة‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف،‭ ‬بحرها‭ ‬يسع‭ ‬آلاف‭ ‬الصيادين،‭ ‬وصحراؤها‭ ‬قادرة‭ ‬أنّ‭ ‬تطعم‭ ‬أجيالاً‭ ‬كاملة‭ ‬لو‭ ‬استثمرتْ‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭. ‬جبالها،‭ ‬ووديانها،‭ ‬ونخيلها‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬غدامس‭ ‬حتى‭ ‬درنة،‭ ‬كلها‭ ‬تشهد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يومًا‭ ‬ضيقة‭ ‬على‭ ‬شبابها،‭ ‬لكن‭ ‬الضيق‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬الرجال،‭ ‬في‭ ‬ضيق‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وتلاشي‭ ‬روح‭ ‬المسؤولية‭.‬

يتساءل‭ ‬الشاب‭ ‬الليبي‭ ‬اليوم،‭ ‬وهو‭ ‬يسير‭ ‬بين‭ ‬ركام‭ ‬الأزمات‭:‬‭ ‬لماذا‭ ‬بتنا‭ ‬نحمل‭ ‬همّ‭ ‬الهجرة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نحمل‭ ‬همّ‭ ‬البناء؟‭ ‬لماذا‭ ‬صار‭ ‬البحر‭ ‬أقرب‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬أرضنا؟‭ ‬الإجابة‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬فقر‭ ‬البلاد‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬ندرة‭ ‬الخيرات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬من‭ ‬يزرع‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬أملاً،‭ ‬ويقود‭ ‬الناس‭ ‬بضمير‭ ‬حيّ،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأنانية‭ ‬والمصالح‭ ‬الضيقة‭.‬

إن‭ ‬حال‭ ‬مرعى‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬يسرّ‭ ‬أحدًا؛‭ ‬شبابٌ‭ ‬عاطل‭ ‬رغم‭ ‬المؤهلات،‭ ‬طاقاتٌ‭ ‬معطلة‭ ‬تنتظر‭ ‬فرصة،‭ ‬وأحلام‭ ‬مؤجلة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭. ‬نرى‭ ‬مدناً‭ ‬تكاد‭ ‬تختنق‭ ‬من‭ ‬القمامة‭ ‬والازدحام،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬الضواحي‭ ‬أراضٍ‭ ‬شاسعة‭ ‬لم‭ ‬تُزرع،‭ ‬وموانئ‭ ‬مهجورة‭ ‬لم‭ ‬تُستغل،‭ ‬ومشروعات‭ ‬متوقفة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬ضاق‭ ‬بنا،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬دفته‭ ‬لم‭ ‬تتسع‭ ‬لأحلامنا‭.‬

الشاب‭ ‬الليبي‭ ‬اليوم‭ ‬يقول‭ ‬بلسان‭ ‬حاله‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬جيلاً‭ ‬عاقاً‭ ‬ولا‭ ‬عاجزاً،‭ ‬بل‭ ‬جيل‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬وجوده‭. ‬أعطونا‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الثقة،‭ ‬فرصة‭ ‬للانطلاق،‭ ‬وسنثبت‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬تضيق‭ ‬بأحد‮»‬‭. ‬فمتى‭ ‬نجد‭ ‬رجالاً‭ ‬صدورهم‭ ‬رحبة،‭ ‬يوسّعون‭ ‬المدارك،‭ ‬ويستوعبون‭ ‬الطاقات،‭ ‬ويزرعون‭ ‬الأمل‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يزرعوا‭ ‬الخوف‭ ‬والانقسام؟

إن‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬أنجبت‭ ‬عمر‭ ‬المختار،‭ ‬والتي‭ ‬قاومت‭ ‬المحتل‭ ‬وصدّت‭ ‬الغزاة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضيق‭ ‬بأبنائها‭. ‬ما‭ ‬ضاق‭ ‬الوطن،‭ ‬بل‭ ‬ضاقت‭ ‬أخلاق‭ ‬بعض‭ ‬أبنائه‭ ‬حين‭ ‬اختاروا‭ ‬المصالح‭ ‬على‭ ‬المبادئ،‭ ‬والخصومات‭ ‬على‭ ‬الوحدة،‭ ‬والأنانية‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬التضامن‭.‬

لذلك،‭ ‬رسالتنا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬أولوياتنا‭: ‬أن‭ ‬نرفع‭ ‬قيمة‭ ‬الأخلاق‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أن‭ ‬نؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الوطن‭ ‬يسع‭ ‬الجميع،‭ ‬وأن‭ ‬مستقبل‭ ‬الشباب‭ ‬لا‭ ‬يُصنع‭ ‬بالشعارات‭ ‬بل‭ ‬بالفعل‭ ‬والعمل‭. ‬فإذا‭ ‬اتسعت‭ ‬صدور‭ ‬الرجال،‭ ‬اتسع‭ ‬الوطن‭ ‬بأسره،‭ ‬وامتلأت‭ ‬ليبيا‭ ‬بالعطاء‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭

.‬عبير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى