لعمري، ما ضاقت ليبيا بأهلها يومًا، فهي أرضٌ واسعة مترامية الأطراف، بحرها يسع آلاف الصيادين، وصحراؤها قادرة أنّ تطعم أجيالاً كاملة لو استثمرتْ كما ينبغي. جبالها، ووديانها، ونخيلها الممتدة من غدامس حتى درنة، كلها تشهد أن هذه البلاد لم تكن يومًا ضيقة على شبابها، لكن الضيق الحقيقي يكمن في صدور الرجال، في ضيق الأخلاق، وتلاشي روح المسؤولية.
يتساءل الشاب الليبي اليوم، وهو يسير بين ركام الأزمات: لماذا بتنا نحمل همّ الهجرة أكثر مما نحمل همّ البناء؟ لماذا صار البحر أقرب إلينا من أرضنا؟ الإجابة لا تكمن في فقر البلاد ولا في ندرة الخيرات، بل في غياب من يزرع في النفوس أملاً، ويقود الناس بضمير حيّ، بعيداً عن الأنانية والمصالح الضيقة.
إن حال مرعى هذه البلاد لا يسرّ أحدًا؛ شبابٌ عاطل رغم المؤهلات، طاقاتٌ معطلة تنتظر فرصة، وأحلام مؤجلة إلى أجل غير مسمى. نرى مدناً تكاد تختنق من القمامة والازدحام، بينما في الضواحي أراضٍ شاسعة لم تُزرع، وموانئ مهجورة لم تُستغل، ومشروعات متوقفة في منتصف الطريق. كل هذا لا يعني أن الوطن ضاق بنا، بل أن العقول التي تدير دفته لم تتسع لأحلامنا.
الشاب الليبي اليوم يقول بلسان حاله: «نحن لسنا جيلاً عاقاً ولا عاجزاً، بل جيل يريد أن يثبت وجوده. أعطونا مساحة من الثقة، فرصة للانطلاق، وسنثبت أن ليبيا لا تضيق بأحد». فمتى نجد رجالاً صدورهم رحبة، يوسّعون المدارك، ويستوعبون الطاقات، ويزرعون الأمل بدل أن يزرعوا الخوف والانقسام؟
إن البلاد التي أنجبت عمر المختار، والتي قاومت المحتل وصدّت الغزاة، لا يمكن أن تضيق بأبنائها. ما ضاق الوطن، بل ضاقت أخلاق بعض أبنائه حين اختاروا المصالح على المبادئ، والخصومات على الوحدة، والأنانية على روح التضامن.
لذلك، رسالتنا اليوم أن نعيد ترتيب أولوياتنا: أن نرفع قيمة الأخلاق فوق كل شيء، أن نؤمن بأن الوطن يسع الجميع، وأن مستقبل الشباب لا يُصنع بالشعارات بل بالفعل والعمل. فإذا اتسعت صدور الرجال، اتسع الوطن بأسره، وامتلأت ليبيا بالعطاء كما كانت دائماً
.عبير