مبادرة الأمن العالمي.. الحل الصيني للقضاء على عجز الأمن العالمي
بقلم القائم بأعمال السفارة الصينية لدى ليبيا السيد “وانغ تشيمين”
في الوقت الراهن، تطرأ تغيرات على العالم والعصر والتاريخ بشكل غير مسبوق، إذ لم تتمكن البشرية من الخروج من ظلال جائحة القرن بعد، وتجد نفسها أمام مخاطر أزمة أوكرانيا؛ ظهرت العديد من التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية واحدة تلو الأخرى، ولم تتوقف عقلية الحرب الباردة و نزعة الهيمنة وسياسة القوة أبدًا، فيما يواجه السلام والتنمية اللذان يعتبران موضوع عصرنا الحالي تحديات خطيرة. فيواجه العدد من البلدان النامية مخاطر أمنية أساسية مثل ارتفاع أسعار النفط ومخاطر التضخم وأزمات الغذاء، وتواجه حماية الحقوق الأساسية للشعب والتنمية الاقتصادية صعوبات منهجية.
في يوم 21 أبريل عام 2022، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة الأمن العالمي لأول مرة في كلمته الرئيسية بعنوان” العمل يدا بيد على مواجهة التحديات وفتح آفاق للمستقبل عبر التعاون “التي ألقاها أمام الجلسة الافتتاحية للاجتماع السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي لعام 2022. وتجيب هذه المبادرة بوضوح على قضية العصر المتمثلة في “ما هو المفهوم الأمني الذي يحتاجه العالم وكيف يمكن للدول تحقيق الأمن المشترك”، وتجسّد بجلاء المشاعر الدولية وأسلوب القيادة للرئيس شي جينبينغ بصفته زعيما لدولة كبيرة يهتم بقضية السلام والتنمية العالمية، بما يساهم بالحكمة الصينية في سدّ عجز السلام البشري ويقدم الحلول الصينية لمواجهة تحديات الأمن الدولي.
تأخذ هذه المبادرة “الالتزامات الستة” باعتبارها الجوهر الأساسي:
أولا الاتزام بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والعمل سويا على صيانة السلام والأمن العالميين.
وثانيا الالتزام باحترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام الطرق التنموية والنظم الاجتماعية التي اختارتها شعوب العالم بإرادتها المستقلة.
وثالثا الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ونبذ عقلية الحرب الباردة ومعارضة الأحادية وعدم ممارسة سياسة التكتلات أو المواجهة بين المعسكرات.
رابعا الالتزام بالاهتمام بالهموم الأمنية المعقولة لكافة الدول وإقامة إطار أمني متوازن وفعال ومستدام على أساس مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة ومعارضة السعي الى الأمن القومي على حساب الأمن القومي للغير.
خامسا الالتزام بإيجاد حلول سلمية للخلافات والنزاعات بين الدول من خلال الحوار والتشاور، ودعم كافة الجهود التي تسهم في إيجاد حلول سلمية للأزمات، وعدم جواز المعايير المزدوجة ومعارضة فرض عقوبات أحادية الجانب بشكل عشوائي أو ممارسة “اختصاص طويل الذراع”.
وسادسا الالتزام بحماية الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية، والعمل سويا على مواجهة النزاعات الإقليمية والقضايا الكونية مثل الإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي.
يمكن القول إن مبادرة الأمن العالمي هي ملخص لتجربة الصين في المشاركة في إدارة الأمن الدولي على مر السنين. وهي متجذرة في السياسة الخارجية السلمية المستقلة وممارساتها لجمهورية الصين الشعبية، وتأتي من التقاليد والحكم الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية. فيما يتعلق بكل من قضية أوكرانيا، وقضية الشرق الأوسط، والقضية النووية الإيرانية، والقضية النووية لشبه الجزيرة الكورية، والقضية الأفغانية، تقف الصين بثبات إلى جانب السلام والحوار والإنصاف والعدالة، وتستمع دائمًا إلى أصوات ومصالح جميع الأطراف المعنية. أصدرت الصين حكما مستقلا بشأن الصواب والخطأ، وتوسطت بنشاط، ودعت إلى حل النزاعات من خلال الجهود الدبلوماسية. وقد أوفت الصين بمسؤولياتها كدولة كبيرة وقدمت مساهمة لا تمحى في الحفاظ على الأمن العالمي الشامل والمستدام.
وفيما يخصّ الملف الليبي، فإن موقف الصين ثابت وواضح، حيث يتمسك الجانب الصيني بدعم سيادة دولة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها، ويدعو جميع الأطراف إلى بناء التوافق وجسر الخلافات، وإيجاد حل للمأزق السياسي عن طريق الحوار والتشاور في أقرب وقت ممكن وتهيئة الظروف للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كما يدعم الجانب الصيني دور الأمم المتحدة كقناة رئيسية للوساطة، ويدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا في أقرب الآجال.
لقد أثبت تاريخ البشرية مرارًا وتكرارًا أنه بدون سلام، تكون التنمية مياه بلا مصدر؛ وبدون أمان، يكون الازدهار شجرة بلا جذور. إن مبادرة الأمن العالمي هي منتج عام آخر قدمته الصين إلى المجتمع الدولي بعد مبادرة التنمية العالمية. ويستعد الجانب الصيني للعمل مع المجتمع الدولي لجعل مبادرة الأمن العالمي ترسخ وتؤتي ثمارها بما يصبح العالم أكثر سلاما وأمنا وازدهارا.