
في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون الغذاء وسيلة للشفاء والحفاظ على الصحة، باتت الخضروات والفواكه في ليبيا مصدرًا للقلق أكثر من كونها رمزًا للحياة الصحية. فالمبيدات الحشرية، والأسمدة الكيميائية، وغياب الرقابة، جعلت “طبق السلطة” الليبي مشبعًا بالمواد المسرطنة، وخصوصًا مع حلول موسم الصيف وظهور الفراولة التي تحولت من “فاكهة الموسم” إلى قنبلة صحية.
أرقام صادمة: الأمراض تتزايد
تشير بيانات صادرة عن مركز طب الأورام بمصراتة أن عدد حالات السرطان المسجلة خلال النصف الأول من 2024 تجاوز 3000 حالة، أغلبها من نوع الأورام الهضمية «كالمعدة والقولون»، وسط مؤشرات طبية تربطها بـ”النظام الغذائي السام”، حسب تعبير أحد الأطباء الاستشاريين في المركز.
كما سجّلت إدارة الأمراض المزمنة بوزارة الصحة ارتفاعًا في حالات الفشل الكلوي وأمراض الكبد بنسبة 17% مقارنة بعام 2022، وهو ما يعزوه أطباء إلى تراكم متبقيات المبيدات في الغذاء المحلي
موسم الفراولة: من فاكهة الصيف إلى مصدر للرعب
تحولت الفراولة، التي كانت فاكهة الاحتفال والانتعاش في الصيف الليبي، إلى موضوع قلق حقيقي. يُرجع كثير من المزارعين سرّ لمعانها وحجمها الكبير إلى استخدام مبيدات منتهية الصلاحية، ومحفزات نمو غير مرخصة، وغالبًا ما تُرش قبل قطفها بأقل من 24 ساعة، مخالفين بذلك المدة الآمنة التي يجب أن تفصل بين الرش والحصاد «وهي لا تقل عن 7 أيام حسب منظمة الفاو».
وتشير تقارير مختبر الرقابة الغذائية بمدينة طرابلس إلى أن أكثر من 68% من عينات الفراولة المحلية تجاوزت الحدود المسموحة من بقايا المبيدات في اختبارات أجريت منتصف 2024.
المزارع الليبي: بين غياب التوعية وغياب الرقابة
يواجه المزارع الليبي تحديات كبيرة، لكنه أيضًا جزء من المشكلة. فمع غياب الإرشاد الزراعي الرسمي بعد 2011، أصبح أغلب الفلاحين يعتمدون على “نصائح من جيرانهم أو صفحات فيسبوك”، كما قال أحد المزارعين في سوق الجمعة، طرابلس.
المشكلة الأكبر أن غالبية المبيدات الحشرية والأسمدة تباع في الأسواق بدون رقابة علمية أو وصفة هندسية زراعية، وغالبًا ما يتم خلطها بطرق عشوائية تؤدي إلى تكوين مركّبات سامة.
الخضروات المهجنة والمستوردة: خطر مستتر
تُغرق الأسواق الليبية بالخضروات المستوردة من تركيا، تونس، مصر، وحتى الصين، أغلبها مهجّنة وغير خاضعة للرقابة. ووفق تقرير للجمارك الليبية في معبر رأس اجدير، تم إدخال أكثر من 400 طن خضروات وفواكه في يونيو فقط، دون تحليل مخبري فعّال.
المهندس الزراعي “عبدالمطلب العابد” يحذّر من هذه المنتجات ويصفها بـ”الملونة فقط”، مؤكدًا أن الطماطم المستوردة تحتوي على نسب عالية من النترات والنيتريت التي تضر بالكلى والمعدة، وتقلل من امتصاص الحديد.
أين الشرطة الزراعية؟ وأين القانون؟
رغم أن ليبيا تمتلك شرطة زراعية، إلا أن دورها يكاد يكون غائبًا. منذ 2021 لم تُسجَّل أي حملة تفتيش وطنية شاملة على المبيدات أو الأسواق الزراعية، رغم خطورة الوضع.
قانونيًا:
ينص قانون حماية المستهلك الليبي رقم 13 لسنة 2010 على منع تداول المنتجات الزراعية التي تحتوي على مواد ضارة بالصحة، لكن لا يُفعل.
حسب اتفاقية روتردام الدولية بشأن التجارة في المواد الكيميائية الخطرة، يجب على الدول الأعضاء ومنها ليبيا الإبلاغ عن المواد المحظورة والمبيدات الخطرة، وهو ما لم يتم تحديثه منذ عام 2014.
كذلك، توصي منظمة الأغذية والزراعة« FAO» بأن يتم فصل وقت الرش عن موعد الحصاد بمدة لا تقل عن أسبوعين لبعض المبيدات، بينما في ليبيا يتم الرش أحيانًا قبل يوم من البيع.
ما الحل؟ خطوات عاجلة:
1. تفعيل الشرطة الزراعية وضبط المتاجر غير المرخصة لبيع المبيدات.
2. إطلاق حملات توعية للمزارعين بالتعاون مع الجامعات الزراعية ومراكز البحوث.
3. إنشاء مختبرات رقابة غذائية في الأسواق المركزية.
4. فرض قوانين تتبع المبيدات «Traceability» لكل مزرعة وشحنة.
تشجيع الزراعة العضوية والمزارع النظيفة عبر دعم مالي مباشر.
6. حظر استيراد الخضروات غير المرفقة بشهادة تحليل مخبري دولي.
المصادر
مركز طب الأورام بمصراتة، تقرير النصف الأول 2024.
وزارة الصحة الليبية إدارة الأمراض المزمنة، تقرير يونيو 2024.
منظمة الأغذية والزراعة FAO، دليل استعمال المبيدات الزراعية 2020.
الجمارك الليبية معبر رأس اجدير، إحصائية الواردات الزراعية يونيو 2024.
مقابلات ميدانية مع مزارعين في سوق الجمعة وبنغازي.
مختبر الرقابة الغذائية طرابلس، نتائج عينات مايو ويونيو 2024.
القانون الليبي رقم 13 لسنة 2010 بشأن حماية المستهلك.
اتفاقية روتردام الدولية 1998 الأمم المتحدة.