في كل مكان من العالم أينما وجد قلم تفتح الزنزانة، فقد ارتبط ما يكتب بالفكر والفكر يستوجب إثارة الأسئلة وعلى رأسھا سؤال الحرية، وما وجد السجن إلا لتقييدھا.
في تاريخ ليبيا زج بمئات الكتاب في السجون لأن أقلامھم واجھت المحظور وبالأخص التابو السياسي، فقامت السلطة بتحدى أقلام معارضيھا بأقلام دعايتھا التي كانت أضعف من الفكر الحر المطالب بالعدالة والمساواة والتغيير السياسي والانتصار للمھمشين ومن لا صوت عاليا لھم فوجدت أن أقصر الطرق لإسكات الخصوم برميھم في الزنازين في محاولة لكسر أقلامھم أو على الأقل لتجميد تأثيرھا لإطالة عمر الأقلام الموالية التي كبرت في صحراء الرأي الواحد أو الرأي الحاكم.. بينما في تاريخنا البعيد كان للكتاب ولأقلامھم مساحة من التقدير عند بعض السلطات الحاكمة خاصة في مراحل من عمر الإسلام، الذي جاء ليرفع من قدر من يأمرون بالخير وأن يعم على الناس ومن قدر الفكر النافع للناس ومن قدر المعرفة والعلم اللذين يؤكدان في جو حرية التفكير عظمة من خلق العقل وأوجد البشرية؛ فنجد فقھاء ومفسرين ودعاة وقد حرضوا على الشورى والاستنباط والتدبر وھي مباديء جاء بھا الدين كما وافقھا العلم.
لذلك فتحت الزنزانة حديثا حتى للرأي ذي المرجعية الدينية في أقلام من قالوا للسلطة أنھا ليست ظل الخالق في الأرض وأن لا وسيط بين العبد والرب وبين العقل وصور دلائل الإعجاز ومنطقيته في مسار الوجود.. لقد حوكم القلم دوما، سواء كان المتسلح به ليبراليا أو يساريا أو ذا مرجعية دينية، وحرصت أيديولوجيا السلطان أن تقمع رأي الكل إذا لم يوافق رأيھا الواحد الضامن لبقاء سلطانھا أطول مدة ممكنة، وإن كان محتما بعد ذلك السقوط.. العجيب أن الليبرالي عندنا إذا حكم يسجن المتدين والمتدين إذا حكم يسجن الليبرالي، وقد فعل اليساريون ذلك أيضا بخصومھم فكل يحمل رؤيته الأحادية للخلاص وضرورة إقرارھا ولو بالقوة وقھر معارضيھا بل وإخفائھم أو القضاء عليھم.
شخصيا قلمي لا يدعو لأي من ھذي الأيديولوجيات ولا يسير خلف أي سلطة بل يؤمن بحق الإنسان في أن يقول رأيه بكرامة وأن يعيش الرخاء والمساواة، ويسير خلف العاديين والبسطاء والطيبين والغرباء والمنبوذين، فھؤلاء ھم الناس الحقيقيون أما السلطة والسلطان مھما كان وجھه أو أيديولوجيته فلا أحمل لھم في انتباھي أي شيء، ليس تعاليا بل ھذي ھي فطرة عقلي وقوة وجودي الروحي.
إني أقدر القلم الذي يتقدم للبناء والذي لا يحط من شأن الناس ولا ينتھز ضعف أحد لضربه والقضاء عليه بل أؤمن بأن على قلمي مسؤولية تقديم واجبي المقدس ما دمت كاتبا في النداء للرحمة والعدل والحب وعدم اختراق خصوصية الإنسان أو إھانته، وھذا ھو ما يجعل قلمي مؤمنا ولا يھتم بفكر السجن والتقييد فھو حر في مدى ھذا الوعي وسيظل مخلصا لحريته ومبدأ الخير والقيمة وزرع بذرة في الحاضر لعل المستقبل يزدھر ذات يوم.