
«مرعي» .. قرَّر يسافر مش حبًا في الطيران، ولا عشقًا في المطارات، بس لأن الكآبة في ليبيا صارتْ تقعد معاه على الطاولة، تأكل معاه، وتشرب، وتشاركه حتى وسادته.
قال: «نمشي نبدل جو».
قالها وهو يجهز أوراقه، يلبس قميص العيد، ويحط شنطة سفر فيها حذاء رياضي، وكيلو حلم، ونص كيلو أمل.
أول محطة : مكتب الجوازات.
يقف «مرعي» في طابور طويل، يمر عليه الزمن، يكتب مذكرات، يتعلم لغة جديدة، ويخلص رواية، لكن الجواز ما يجهزش.
«المنظومة طايحة»، قالها الموظف وهو يشرب «شاهي ثقيل» كأنه يستهزئ بثقل دم الحياة.
بعد أشهر، طلع الجواز، شكله كتيب تربية وطنية مش وثيقة سفر، لكن «مرعي» فرح، راح للسفارة الأولى.
«شنو سبب الزيارة؟!»
«سياحة !»
«شن دخلك الشهري؟»
«900 دينار، لكن مرات ينزل، ومرات «لا»
«وين بتسكن؟»
«عند خوي صديقي، صاحب ولد عم صاحبي، بس مش متأكد من عنوانه»
رفض !!
«مرعي» خرج من السفارة وهو يشعر كأنه إرهابي مش سائح، وعاد يحاول يقدم على تركيا، يقول: «هم عندهم قلب حنين».
لكن تركيا طلبتْ حسابًا بنكيًا فيه مبلغ محترم، و «مرعي» حسابه عبارة عن هجوم قلبي دائم.
قال: «نمشي تونس، بلاد الجيران!»
ذهب وفرح، حس الدنيا بتفتح أبواب السعادة حتى الشرطي اللي في الحدود ابتسم له!!.. لكنه لما وصل، اكتشف أن تونس غالية، والأسعار بالدينار التونسي والوجع بالليبي.
شرب قهوة، صرف عليها 35 دينارًا، وقال: «أنا كنتُ نضحك لما النّاس تقول القهوة حرام، بس توّا فهمت».
حاول يضحك، لكن حتى الجواز بدأ يذبل من الخجل، كأنه يقول له: «أنا آسف يا مرعي، مش فيا الغلط، الغلط في المنظومة كلها».
رجع «مرعي»، فتح الباب، رجع لنفس الحوش، نفس الزنقة، نفس الريحة، لكن في قلبه شي تغيّر.
قال: «الوطن هو المكان اللي ما تقدرش تطيق تعيش فيه، وما تقدرش تستغنى عليه».
عبير