رأي

مساهمة الليبيين في حرب التحرير الجزائرية

أمين مازن

شاركتُ‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬بالندوة‭ ‬التي‭ ‬انتظمت‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الليبي‭ ‬للمحفوظات‭ ‬والدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬‮«‬الجهاد‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬المساهمة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بذلك‭ ‬الدور‭ ‬الإيجابي،‭ ‬والذي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يتخذ‭ ‬منه‭ ‬البعض‭ ‬مأخذاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اعترى‭ ‬الليبيين‭ ‬في‭ ‬الحقب‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬للموقف‭ ‬السلبي‭ ‬تجاه‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية‭ ‬خلافاً‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬معروفًا‭ ‬عن‭ ‬الليبيين‭ ‬من‭ ‬تفاعل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬وتسابق‭ ‬نحو‭ ‬دعمها‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الذين‭ ‬قُدِّرَ‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يسهموا‭ ‬في‭ ‬نشاطٍ‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬أو‭ ‬تجمعٍ‭ ‬من‭ ‬التجمعات،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬بمشاركتي‭ ‬المكتوبة‭ ‬هذه‭ ‬أهدف‭ ‬للفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أو‭ ‬حقائق‭ ‬ظلت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تناول‭ ‬الكثيرين،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تدافع‭ ‬الليبيين‭ ‬يومئذ‭ ‬تأييداً‭ ‬لتلك‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الإحباط‭ ‬التي‭ ‬استشعرها‭ ‬عديد‭ ‬المواطنين‭ ‬تجاه‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬عندما‭ ‬اضطر‭ ‬الجيل‭ ‬المؤسس‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬الضروري‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬بواسطة‭ ‬المعاهدتين‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التجمعات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬عمّت‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬ولجانها‭ ‬التي‭ ‬شُكِّلَت‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬تأييداً‭ ‬للجزائر‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬تَنشُد‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬القبضة‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬حضرت‭ ‬المظاهرات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬والاجتماعات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬نيابية‭ ‬أثارت‭ ‬ما‭ ‬أثارت‭ ‬من‭ ‬السخط،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬اتخذت‭ ‬السلطة‭ ‬عديد‭ ‬الخطوات‭ ‬المُقَيِّدة‭ ‬للنشاط‭ ‬السياسي،‭ ‬فكان‭ ‬دعم‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الثغرات‭ ‬التي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬بررت‭ ‬التجمهر‭ ‬وإلقاء‭ ‬المُتَيسّر‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬شعراً‭ ‬فصيحاً‭ ‬مرة‭ ‬وعامّياً‭ ‬مرات،‭ ‬وبعض‭ ‬الخطب‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬الأخبار‭ ‬والبيانات‭. ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬الواعين‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬مشجعين‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭ ‬مرة‭ ‬بالحضور،‭ ‬وأخرى‭ ‬بغض‭ ‬النظر،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬أكثر‭ ‬بروزاً‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأنشطة‭ ‬بدليل‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬دعم‭ ‬فرنسا‭ ‬حينما‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬كما‭ ‬أُعلِنَ،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬الدافع‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬ما‭ ‬اتخذته‭ ‬مصر‭ ‬الناصرية‭ ‬من‭ ‬تضامن‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬وإن‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬قرنت‭ ‬موقفها‭ ‬بإبراز‭ ‬دور‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلّة‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬المخطوف‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬خمسة‭ ‬خمسة‭ ‬رجال‭ ‬يستوي‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬ولكنه‭ ‬مُيِّزَ‭ ‬رهاناً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لوحظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتبنّي‭ ‬الحكم‭ ‬الشمولي‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬يُطِلُ‭ ‬من‭ ‬المشرق‭ ‬تعويلاً‭ ‬على‭ ‬صفة‭ ‬المستبد‭ ‬العادل‭ ‬وما‭ ‬يزكيه‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬حضر‭ ‬الحزبية‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬ثورة‭ ‬مصر‭ ‬القومية‭ ‬وخطواتها‭ ‬نحو‭ ‬أول‭ ‬وحدة‭ ‬عربية‭ ‬اشتُرِطَ‭ ‬لها‭ ‬سلفاً‭ ‬أن‭ ‬يُقْدِمَ‭ ‬أكبر‭ ‬حزب‭ ‬سعى‭ ‬لتحقيقها‭ ‬على‭ ‬حلِّ‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬شذوذ‭ ‬فكري‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬سوى‭ ‬التنظيمات‭ ‬الفاشية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تعيش‭ ‬معها‭ ‬أي‭ ‬وحدة‭ ‬من‭ ‬الوحدات‭ ‬كما‭ ‬تنبَّأ‭ ‬العقلاء‭ ‬بسرعة‭ ‬انفكاكها‭ ‬،‭ ‬فلم‭ ‬تعش‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬ونيّف‭ ‬وتنهار‭ ‬وسط‭ ‬ارتياح‭ ‬ملحوظ‭.‬

لقد‭ ‬اقتصر‭ ‬حضوري‭ ‬على‭ ‬الافتتاح‭ ‬والأوراق‭ ‬المُعَدَّة‭ ‬لموضوع‭ ‬الندوة‭ ‬وهي‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يعنيني‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬المركز‭ ‬واحترام‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه‭ ‬طيلة‭ ‬عهد‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬حدت‭ ‬بمعظم‭ ‬الأسماء‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬كلها‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬المناوأة‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يوجد‭ ‬اسم‭ ‬إلا‭ ‬وشارك‭ ‬بما‭ ‬رأى‭ ‬المشاركة‭ ‬به‭ ‬ممن‭ ‬حضرنا‭ ‬مساهماتهم‭ ‬ولم‭ ‬نغبطهم‭ ‬وأسعدنا‭ ‬كثيراً‭ ‬إشادة‭ ‬أهمّهم‭  ‬بما‭ ‬ارتأى‭ ‬الإشادة‭ ‬به،‭ ‬ولن‭ ‬نتردد‭ ‬بحول‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تقديره‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬المشترك‭ ‬معه‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلينا‭ ‬جميعاً‭ ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يُقصي‭ ‬غيره‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬هناك‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬وتسييرها‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬التاريخ‭ ‬والمقدرة‭ ‬والإيمان‭ ‬الصادق‭ ‬بأن‭ ‬الوطن‭ ‬يسع‭ ‬الجميع‭ ‬ويحتاج‭ ‬الجميع‭ ‬والغبي‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يحلم‭ ‬بتغييب‭ ‬غيره‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى