كان الليبيون أول من استعمل اللجم للخيول
من واجبنا اليوم أن نستدعي ذاتنا الأصيلة وهويتنا الحضارية
الجبل الأخضر بأوديته الخفيضة والعميقة والجبال الشامخة بأوعارها وسهولها وكهوفها المعلقة وكهوفها الأرضية ومغاراتها،والعرعار السائد في الغابة والزيتون والخروب، وشجيرات البطوم والشماري والسخاب والزهيرا والبربش الأسمر والأبيض والإكليل وتفاح الشاي والقندول والسلوف الشائك وأعشابها المتنوعة وألوان الزهور الجميلة في موسم الربيع، وعيون الماء وآبارها ودوابها الأليفة وأحياءها البرية من الذئاب والضباع والثعالب وصيود الليل )الشيهم( والقنافذ والشفاشف )النمس( وثعابين من هوام وهواش وخلود الأرض وسلاحف وأنواع السحالي وجوارح الطير ومن غير الجوارح ومشاهير الطيور المستوطنة الحجل والحمام البري «النيسي» الذي يسكن الكهوف.عالم أستهوى هذه الخيول لأن تعيش بقربه وهي سعيدة بتكاثرها، حيث تنضج الخضراوات في منخفضات سواحل الجبل الأخضر مبكراً قبل المرتفعات، وللحصول على القوة تتغذى الخيول على الأعشاب الجبلية، وتكملة لنظامها الغذائي هو مصدر جيد للغذاء إذ يحتوي على ما يقرب ثلاثة أضعاف من دهون العشب الجاف وما يقرب من ضعف البروتين، وبعد هطول الأمطار غزيرة، يتوفر العشب بكثرة وتعيش الخيول فترة سعيدة وتشرب طوال اليوم، كما تتكاثر في هذا الفصل من السنة، عوامل متنوعة ساعدت الخيول على البقاء على قيد الحياة بشكل طبيعي، وكونت الخيول سلالة صمدت بقوة في وجه الطبيعة القاسية الباردة في فصل الشتاء والحارة في فصل الصيف، حيث تصل درجة الحرارة إلى الأربعين مئوية، وقد تم ذكر الأحصنة الليبية من قبل المؤرخين الإغريقيين هيرودوتس وزينفون وذلك في كتاباتهما، وقد قامت عدة ثقافات عبر التاريخ بتوالد واستخدام الحصان الليبي.
الملك «أركسلاس» صار شهيرًا في عصره حيث ربح سباق العربات الحربية في الألعاب، كما عرف عنه كونه جامع خيول كما كان يقوم بتوالدها، وهي التي كانت الخيول الأصيلة في ليبيا، حيث اعتبر الحصان الليبي أحد أندر الأنواع التي تتوالد طبيعيا في العالم، والذي كان ينحدر أصله من الحصان البري في وسط آسيا، كما أن من بين أحفاد هذه الفصيلة من الخيول البرية في وسط آسيا الحصان الإسباني والحصان العربي.
بعد تسجيله لانتصاره في العام 462 ق.م. قام الشاعر الإغريقي «بيندر» بذكره في القصيدة الرابعة والقصيدة الخامسة من قصائد البيثون الغنائية، وقد نصح بيندر في القصائد أركسيلاوس بالتصالح مع معارضيه وشدد على تغليب الصواب والحكمة في حكمه وذلك بسبب امتداد سلالة أسرته الحاكمة لقوريني حتى الجيل الثامن.
والتاريخ يحدثنا عن الخيول الليبية وعراقتها، فقد غزى القائد «حنا بعل» روما حيث صحت على وقع أقدام سنابل خيله تحت أسوار مدينة التلال السبعة روما، وكانت هذه الفرق من الخيالة الليبيين، ففي سنة 218 ق .م خرج «حنا بعل» من قرطاجنة على رأس جيش قوامه 90 ألف من المشاة، 12 ألف من الفرسان و37 فيلاً وكان عمره آنذاك 27 عاماً، وقد عبر القائد الليبي جبال الألب وسجل له التاريخ بأنه أول قائد ينفصل بجيش كامل عن وطنه .. ومن أشهر القبائل الليبية التي كانت مشهورة بتربية الخيول قبيلة «الأسيوستاى» في سهول الجبل الأخضر وتوصف بالعدو السريع والقدرة على التحمل، وتقول السيدة «جين هرسون» في كتابها عن الأساطير : وجدت لوحة تبين أول استيراد للخيول في جزيرة كريت وعلى أفواه هذه الخيول لجم، وهي عادة لم تكن معروفة عند الآسيويين ولا الأوروبيين بل كانت عند الليبيين فقط فهم أول من أستعمل اللجم للخيل، ومن المعروف أن وفداً من مدينة قوريني قد توجه إلى بلاثونيوم مطروح حالياً ليقدم ولاءه وهداياه إلى الاسكندر المقدوني في رحلته إلى معيد آموف في سيوه وكان من بين الهدايا ثلاثمائة جواد ليبي أصيل .. وإذا كانت الخيول تشكل هذا الإرث الكبير الممتد عبر أعماق التاريخ في نفسية الإنسان الليبي فلابد أنه قد أنتج أدباً يعكس ذلك الموروث، فماذا عن الموروثات الشعبية والخيل.
يقولون: أن شبت الإبل أهرب وأن شبت الخيل اضرب ويعني أن الإبل ترى من بعيد أما الخيل فلا تلتفت إلا للقريب ومن أمثلتهم . هذا حصانك وهذه السدرة .. للتحدي واثبات الأمر، ويروى أن فارساً سئل أيهما أفضل الفرس أم الحصان فأجاب الراحة في الفرس والهمة في الحصان والأمثلة الشعبية التي تعكس الخيول في الموروث الشعبي كثيرة منها اللي ماهي فرس بوك اتوقعك، اسملى على الخيل من ركابة السوء، وفلان يبيها حمره وجراية وما تأكل فالشعير، وهذا للأمر السهل، وسئل البغل عن أبيه فأجاب خالي الحصان، وكثير من الأقوال الشعبية التي وردت حول هذا المخلوق العجيب حتى أن بعض المربيين إذا مات حصانه دفنه وأقام عليه العزاء.. ومن حقنا، بل من واجبنا اليوم نحن الليبيين أن نستدعي ذاتنا القومية الأصيلة وهويتنا الحضارية، ضاربة الجذور بعيدا في أعماق التاريخ، وأن نستعيد من ثم الاسم الليبي الأصلي للمدينة: )كَرْنَتْ( أو اختصارا اصطلاحيا كيرا، أو فليكن كَوريني )مزجا بين الليبي والإغريقي(، بدلا من الاسم الدخيل وغير المستساغ: )شحات(، والاسم المحوّر سيرين.
ليبيا تستحق اكثر، فالانتماء لها، يستوجب تكوين جيل جديد من الباحثين الأكاديميين والعلماء، في مجالات: تاريخ الحضارات القديمة )وخاصة حضارات حوض المتوسط(، والألسنية Linguistics، والتراث الأسطوري Mythology، وعلم الأعلام أو دراسة أسماء الأماكن Toponymical، وعلم الآثار Archeology، واستحداث مؤسسات بحثية، لاستكشاف ودراسة وتوثيق كل جوانب الحضارات الليبية القديمة. وإن ليبيا )بالمفهوم التاريخي للاسم(، هي موطن الحضارة الإنسانية البدائية الأم، التي تنتظر من ينفض عنها غبار عشرات القرون، لاستجلاء صورتها الزاهية، الكفيلة بتغيير كثير من المسَلّمات، وإثراء المعرفة الإنسانية وإبهار العالم .. المهمة نبيلة جدًا وتستحق.