مقارنات جريئة
إنها متاهة جميلة تلك التي تجد نفسك فيها، تقرأ الكتب التي تجدها، وتلك التي تحبها تبدأ في الشعور إنها أصبحتْ ملكك.
الصادق النيهوم بالنسبة لي هو سنة واحدة زائدة في حياة التوحيدي. اقرأ هاينريش هاينه، وإبراهيم الكوني وميغل أنخل استروياس وماركيز ويوسا، مثل جنود الدمى داخل لعبة طفولية أبدية.. الكتاب الذي اشتريته لم يصبح ملكك بعد.
قال بورخيس. أنتَ لا تمتلك منه حرفاً من دون قراءته وإعادة تذكره. النيهوم، مثل كتبه، باب سحري أمام ليبي مستقبلي. لا غرابة إنه كتب كل تلك الموسوعات المصورة للشباب، كما إن مقالاته التنويرية ماتزال موزعة في الصحف. منذ 1966 بدأتْ الصحف نشر قصص النيهوم ومقالاته هذياناته إن كنت من الإسلاميين الواقعيين قبل سنة واحدة من اكتشاف العالم لهذيانات غابرييل غارسيا ماركيز. غابو، مثل النيهوم، جاء من الصحف المدرسية إلى عالم الصحافة الحقيقية. عثرا على شياطينهما الإبداعية من حكايات الجدات والمبالغات الاجتماعية. نشرتْ مئة عام من العزلة في سنة 1967 وبدأ العالم يسمي “هذيانات ماركيز” بالواقعية السحرية. نوع أدبي عرف في الأدب الألماني قبل الأمريكي اللاتيني. صيف 1967، عام صدور مئة عام من العزلة، اشترى شاب في العشرين اسمه سلمان رشدي نسخته من “طبل الصفيح” رواية غونتر غراس المنشورة سنة 1959. “هناك كتب تفتح أبواباً لقرائها، أبواب في الرأس، أبواب لم يتوقعوا سابقاً وجودها”. قال رشدي بدعائية: أخبرتني طبل الصفيح: أبذل جهدك ولا تتوقف. سنة 1982 في هامبورغ أثناء رحلة ترويجية لرائعته “أطفال منتصف الليل” بمبادرة من ناشره التقى بغونتر غراس. طفل ميت من رواية النيهوم، مع طفل متوقف النمو من رواية غونتر غراس وعائلة مهددة بالإبادة عند ولادة طفل بذيل خنزير إلى أطفال رشدي في منتصف الليل. متعة قراءة الأدب هي لعبة المقارنات. دوماً هناك روابط دقيقة تجمع بين كتبك مثل عروق سحرية تُغذي ما تسميه أنت بالمكتبة. واحدة من أولى اكتشافاتي: وجدتُ «مسعود الطبال» بين صفحات )وداعاً للسلاح( من هناك التقطه النيهوم مع مخلفات الحروب والطليان. استمتعت دوماً بقراءة كتب مقارنات أدبية تحمل أسماء كاتبين أو أكثر: دستويفسكي وتولستوي، همنغواي وفوكنر، سولجنيتسين ونابوكوف. كما تخيلتُ عناوين أخرى: بورخيس والمقفع، النيهوم والتوحيدي. لا يمكن فهم اختلاف الرؤية عند كل أديب من دون هكذا مقارنات جريئة. الأدباء أنفسهم يمتلكون هذه النزعة التصنيفية عند كتابة قصصهم أو عند إعادة قراءة كتب أحبوها ذات مرة حتى إنهم في بعض الأحيان يُطلقوا تصريحات قاسية. تاريخ الأدب العالمي مليء بالصدق المتوحش. صرح ماركيز إنه سيكتب رواية ديكتاتور تجعل مؤلف “الرئيس” يتوارى خجلاً. هذا مشابة لأن يقول كاتب ليبي إنه سيكتب رواية صحراء تجعل إبراهيم الكوني يتوارى خجلاً. ما حدث هو إن ماركيز كتب بالفعل خريف البطريرك.