صحة

منظمة الصحة العالمية وتقليل مخاطر التبغ: علم أم موقف سياسي؟

كتب: علي رياض

منذ عقود، تقدم منظمة الصحة العالمية (WHO) واتفاقيتها الإطارية لمكافحة التبغ (FCTC) نفسيهما كركائز للصحة العامة العالمية. ومع ذلك، فإن مواقفهما تجاه المنتجات النيكوتينية الجديدة تثير تساؤلات: هل تستند توصياتهما فعلاً إلى العلم أم أنها تخضع لمنطق مؤسسي تمليه تأثيرات خارجية؟

مبدأ أساسي تم تجاهله
اعتمدت اتفاقية مكافحة التبغ عام 2003، وأقرت أن تقليل المخاطر عنصر أساسي في مكافحة التبغ. حيث نصت المادة 1(d) بوضوح على استراتيجيات تهدف إلى «القضاء على استهلاك منتجات التبغ أو تقليله، والحد من التعرض لدخان التبغ». كان الهدف تشجيع الابتكار وتوفير بدائل أقل ضرراً للمدخنين الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الإقلاع.
في عام 2015، أشادت المنظمة بصرامة الإجراءات العلمية التي تعتمدها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) عبر مسارات PMTA وMRTP لتقييم المنتجات الخالية من الدخان، بل أوصت بأن تُنظم السجائر الإلكترونية كأجهزة طبية وليس كمنتجات تبغية. اعتراف واضح بدور الأدلة العلمية.

انعطاف جذري
لكن في عام 2020، عندما أجازت إدارة الغذاء والدواء منتجاً للتبغ المسخن، غيّرت المنظمة موقفها، معتبرة أن القرار «غير متوافق» مع توجهات الاتفاقية الإطارية. هذا التحول يعكس التخلي عن نهج قائم على العلم لصالح خطاب تحريمي، مما يحرم ملايين المدخنين من بدائل أقل ضرراً.

رؤيتان متناقضتان
تواصل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اعتماد تنظيم قائم على الأدلة، حيث أجازت عدة منتجات منخفضة المخاطر. وقد صرّح وزير الصحة الأمريكي روبرت كينيدي جونيور مؤخراً بأن «أكياس النيكوتين ربما تكون الطريقة الأكثر أماناً لاستهلاك النيكوتين، تليها السجائر الإلكترونية». نهج عملي يميز بين المنتجات حسب درجة خطورتها.

في المقابل، تشكك الاتفاقية الإطارية، تحت قيادة الدكتورة رينا روا، في صحة هذه التقييمات العلمية، ملمّحة إلى تأثير الصناعة. ويرى خبراء مثل مارتن كوليپ أن هذا النقد «لا أساس له ويمثل إهانة» لإحدى أكثر الهيئات التنظيمية احتراماً في العالم.

تأثير التمويل الخاص
خلف هذا التشدد، تُوجَّه أصابع الاتهام إلى تأثير المانحين الخاصين، وعلى رأسهم مؤسسة بلومبرغ. فمن خلال تمويل برامج مثل MPOWER، التي تركز حصراً على الامتناع، تفرض بلومبرغ رؤية تتجاهل الواقع المحلي. وقد اندلعت جدل في باكستان والفلبين والهند، حيث اتُهمت منظمات ممولة من بلومبرغ بالتدخل والضغط غير الشفاف.

لماذا يهم هذا ليبيا؟
في بلد لا يزال فيه التدخين مرتفعاً وتظل أنظمة الصحة هشة، فإن رفض استكشاف بدائل أقل ضرراً يعني إبقاء ملايين المدخنين في مأزق صحي. تقليل المخاطر ليس تنازلاً للصناعة، بل استراتيجية واقعية لإنقاذ الأرواح. على ليبيا أن تستلهم النهج القائم على العلم، لا المواقف المفروضة من أجندات خارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى