!منين تاخذ مصروفك ..؟ بين قلة الفرص وكثرة الأعذار .. رب الأسرة يدفع الثمن
شهد عبد الحفيظ

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أغلب البيوت الليبية، وتزايد الضغوط المعيشية على رب الأسرة، يطفو على السطح سؤالٌ بات يُطرح في كل بيت تقريبًا:
منين تاخد مصروفك؟!
أصبح الاعتماد الكامل للشباب على أولياء أمورهم في توفير كل الاحتياجات من مأكل ومشرب، إلى مصاريف الدراسة، والكماليات ظاهرة ملحوظة في المجتمع الليبي، خاصة مع غياب ثقافة العمل الجزئي، أو الاكتفاء الذاتي في أوساط الجيل الجديد.
فبين شباب يسعون إلى التفوق الدراسي، وآخرون اتخذوا الراحة أسلوب حياة، يقف رب الأسرة اليوم في موقف لا يُحسد عليه، محاصرًا بين الغلاء من جهة، وتزايد المطالب اليومية من جهة أخرى.
في هذا الاستطلاع الصحفي نسلّط الضوء على هذه الظاهرة من خلال آراء الشباب، الأسر، وأصحاب العمل، محاولين فهم أسبابها وتداعياتها، وطرح تساؤلات جوهرية:
هل فقد شباب اليوم الإحساس بالمسؤولية؟
أم أن الواقع هو من كسر طموحهم؟
وهل حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم «الاستقلال المالي» لدى الجيل الجديد؟ وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، ووسط ارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية وتراجع فرص العمل، يطرح كثير من أولياء الأمور تساؤلًا جوهريًا:
منين يأخذ الشاب مصروفه؟ وهل لازال يعتمد بالكامل على أهله؟!
الشباب على أولياء أمورهم في توفير المصاريف الشخصية والتعليمية أمرًا شبه طبيعي، حتى في عمر يفترض فيه أن يكون الشاب قادرًا على تحمّل جزء من المسؤولية أو على الأقل السعي لذلك.
يقول الحاج محمد رب أسرة عندي ثلاثة أولاد في الجامعة، وكل يوم مصاريف: نقل، أكل، كتب، هواتف، كروت. وأنا موظف معاشي ما يكفي حتى النص. لكن ما فيش حد منهم حتى فكر يخدم في عطلة ولا يتعلم صنعة.»
تقول هيفاء:
أنا ندرس ونخاف على قرايتي، ما نقدرش نخدم ونقرا مع بعض، خصوصًا وما فيش فرص عمل بدوام جزئي في منطقتنا.»
أما «عبدالله»، شاب في بداية العشرينيات من عمره، فيرى أن المسؤولية مشتركة:
«صحيح نعتمد على والدي، لكن مش للكسل. ما فيش تشجيع حقيقي للشباب، ولا أماكن عمل، ولا حتى بيئة تدربك على الاستقلالية.»
في الماضي، كان كثير من الطلاب يعملون في وظائف بسيطة، سواء خلال العطل أو حتى بدوام جزئي أثناء الدراسة. أما اليوم، فتراجعت هذه الثقافة لأسباب متعددة:
عدم توفر فرص العمل المرنة.
النظرة الدونية لبعض المهن.
ضعف مهارات الشباب في الحِرف والأعمال الحرة.
سيطرة مفهوم «الدراسة أولًا»، دون موازنة عملية.
رب الأسرة لم يعد قادرًا على تحمّل كل الأعباء. تقول «أم محمد»، موظفة وأم لثلاثة شباب:
«نحس روحي نخدم للجيب متاعهم بس. من فطورهم، مواصلاتهم، مصاريفهم الخاصة، وطلباتهم اللي ما تخلصش. ما فيش شعور بالمسؤولية.»
إسراء طالبة طب بشري:
«الدراسة متعبة وتحتاج تفرغًا، صحيح نعتمد على مصروف من والدي، لكن مرات نبيع حلويات بسيطة للزميلات باش نخفف عليه. مش لازم نخدم بدوام رسمي باش نكون مستقلين شوي.»
عبد القدوس :
«خديت شهادة وقعدت في الحوش، الخدمة مش موجودة، حتى نشتغل في توصيل طلبات أونلاين، ما يشوفوش فيها خدمة محترمة. لكن هو رزق وسعي، أهم شي ما نكونش عالة على أهلي.»
إلهام طالبة جامعية:
«أنا نعرف نشتغل تصميم جرافيك، من الإنترنت نحصل شوية مصروف. لو كل شاب حاول يطور مهاراته يقدر يساعد نفسه شوية، بدل ما يستنى المصروف كل يوم.»
معاذ يقول :
«نحب نرتاح في العطلة، نخدم بعدين! الوالد موفرلي كل شي الحمد لله، ما نشوفش داعي نتعب روحي الآن.»
الحاج سعيد :
«زمان كنا نخدموا ونقروا، الحوش كله على كتافنا، واليوم الشاب يستنى كل شي من أهله! حتى لو خذا شهادة، يقعد سنتين في الحوش ينتظر وظيفة من الدولة، وما يدورش بديل.»
معلمة:
«نقول لبنتي تعلمي صنعة، افتحي مشروعًا بسيطًا، حتى في البيت. لكن دايمًا تقول مش وقتها. للأسف، الشباب مش متعودين على تحمل المسؤولية.»
الحاج مصباح:
«نخدم يوم ونقعد يوم، والشباب في الحوش نايمين! ما يعرفوش قيمة الدينار. حتى المصروف ما يكفيهم، وكل يوم طلبات جديدة.»
صاحب مقهى:
«نحب نشغل شباب، خصوصًا الطلبة، لكن قليل اللي يتحمل المسؤولية. يجي يوم ويغيب يوم، وما يرضى برواتب بسيطة. يبي كل شي جاهز.»
سعاد مدربة حِرف يدوية:
«الشابات يجو يتعلموا، لكن للأسف أغلبهم يبوا الربح السريع، ما عندهمش صبر. ومع ذلك، اللي جادة تقدر تكسب من حرفة بسيطة زي الكروشيه أو الصابون الطبيعي.»
نشر ثقافة العمل التطوعي والجزئي في المدارس والجامعات.
فتح مراكز تدريب مهني تساعد الشباب على تعلم مهن يدوية تدر دخلًا.
دعم مشاريع صغيرة لطلبة الجامعات، من خلال تمويل بسيط وتشجيع حكومي.
تغيير النظرة المجتمعية للمهن اليدوية والأعمال الحرة.
خلق برامج توعوية للأهل والشباب حول أهمية تقاسم المسؤوليات.
الواقع أن الأسرة الليبية لم تعد قادرة على تحمّل كل الأعباء وحدها، والمجتمع بحاجة إلى مراجعة عادلة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يمر به الشباب.
الاستقلال المالي لا يعني التخلي عن الدراسة، بل هو خطوة نحو النضج والاعتماد على النفس.
فهل آن الأوان أن نعيد السؤال بجرأة لكل شاب:
وفي النهاية ما بين شباب يبررون اعتمادهم على الأسرة بغياب الفرص الحقيقية، وآباء يئنّون تحت وطأة المسؤولية المتزايدة، تظل قضية «مصروف الشباب» واحدة من أكثر التحديات الاجتماعية والاقتصادية إلحاحًا في ليبيا اليوم.
الواقع لا يرحم، والظروف ليست سهلة على أحد، لكن يبقى الحل في خلق توازن بين الدراسة والعمل، وبين الاعتماد والمبادرة.
فليس المطلوب أن يتحمل الشاب كل العبء، بل أن يشارك، أن يسعى، وأن يدرك أن بناء مستقبله يبدأ بخطوة، ولو كانت بسيطة.
لقد آن الأوان أن نفتح هذا الملف على طاولة الحوار الجاد، في البيوت، في المدارس، وفي وسائل الإعلام.
فلنُربّي جيلاً يعرف قيمة العمل،
فالسؤال سيظل مطروحًا ما لم تتغير العقلية:
«منين تاخد مصروفك؟»… والأهم: شنو درت باش تساعد روحك وتساعد أهلك؟
فلنُربّي جيلاً يعرف قيمة العمل، ويحترم الجهد، ويصنع لنفسه طريقًا لا ينتظر فيه كل شيء جاهزًا.