في زمنٍ ليس ببعيد، كانت الأسرة الليبية عنوانًا للمحبة والتكافل، وكانت «اللمة»” حول المائدة رمزًا للدفء والسكينة. في الماضي، كان الجيران كالأهل، والقلوب متصلة قبل الهواتف، والزيارات جزءًا من الحياة اليومية لا مناسبة تُنتظر.
لكن اليوم .. تغيّر المشهد. أصبح البيت الواحد كأنّه جزر متباعدة، كل فرد يعيش في عالمه الخاص خلف شاشة، أو في دوامة الانشغال الدائم.
بدأ التحوّل تدريجيًا مع تسارع الحياة، وضغط المعيشة، والانشغال بالتكنولوجيا.
دخلت الهواتف إلى غرف النّوم قبل أن تدخل الكلمة الطيبة إلى القلوب، فاستبدل الأبُ حضوره برسالة، والأم اهتمامها بصورة، والأبناء صاروا يقيسون الحب بعدد الإعجابات لا بنظرة حنان.
ثم جاءت الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، لتضيف على الأسر الليبية تعبًا نفسيًا وماديًا جعل كثيرين ينسحبون من الحوار، وينغلقون على ذواتهم.
لم تعد الجلسات العائلية كما كانت، ولم تعد «اللمة» أولوية، فكلٌّ يبحث عن خلاصه الفردي بدل خلاص العائلة. ما الذي يحدث في بيوتنا اليوم؟
اليوم نرى بيوتًا ما زالتْ عامرة بالأثاث، لكنها خالية من الألفة.
الأب مشغول، الأم مرهقة، الأبناء غرباء في بيت واحد.
نسمع صراخًا أكثر من الضحك، ونرى وجوهًا متعبة حتى في المناسبات السعيدة.
تراجعت قيم «الستر، والصبر، والاحترام»، لتحل محلها الأنانية، وسرعة الغضب، وقسوة الألفاظ.
كثير من الخلافات تبدأ من كلمة عابرة وتنتهي بقطيعة لا تلتئم.
أصبح قطع صلة الرحم سهلاً كضغطة زر «حظر» على الهاتف.
وتحوّلت العلاقات العائلية إلى حسابات دقيقة: «هو ما زارني، إذًا لن أزوره»، «لم يتصل بي، إذًا لن أكلّمه».
إنّ وراء تفكك الأسرة الليبية غياب التواصل الحقيقي الكل يتحدث، لكن لا أحد يصغي.
الضغوط الاقتصادية: دفعتْ بعض الأسر إلى الصمت بدل المشاركة.
تغير القيم الاجتماعية: لم تعد الطاعة والاحترام كما كانت، إذ ضعفت سلطة الكبار.