اجتماعي

من دفء اللمة إلى برود المسافات !!

فائزة صالح

في‭ ‬زمنٍ‭ ‬ليس‭ ‬ببعيد،‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬الليبية‭ ‬عنوانًا‭ ‬للمحبة‭ ‬والتكافل،‭ ‬وكانت‭ ‬‮«‬اللمة‮»‬”‭ ‬حول‭ ‬المائدة‭ ‬رمزًا‭ ‬للدفء‭ ‬والسكينة‭. ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬الجيران‭ ‬كالأهل،‭ ‬والقلوب‭ ‬متصلة‭ ‬قبل‭ ‬الهواتف،‭ ‬والزيارات‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لا‭ ‬مناسبة‭ ‬تُنتظر‭.‬

لكن‭ ‬اليوم‭ .. ‬تغيّر‭ ‬المشهد‭. ‬أصبح‭ ‬البيت‭ ‬الواحد‭ ‬كأنّه‭ ‬جزر‭ ‬متباعدة،‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عالمه‭ ‬الخاص‭ ‬خلف‭ ‬شاشة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الانشغال‭ ‬الدائم‭.‬

بدأ‭ ‬التحوّل‭ ‬تدريجيًا‭ ‬مع‭ ‬تسارع‭ ‬الحياة،‭ ‬وضغط‭ ‬المعيشة،‭ ‬والانشغال‭ ‬بالتكنولوجيا‭.‬

دخلت‭ ‬الهواتف‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬النّوم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬إلى‭ ‬القلوب،‭ ‬فاستبدل‭ ‬الأبُ‭ ‬حضوره‭ ‬برسالة،‭ ‬والأم‭ ‬اهتمامها‭ ‬بصورة،‭ ‬والأبناء‭ ‬صاروا‭ ‬يقيسون‭ ‬الحب‭ ‬بعدد‭ ‬الإعجابات‭ ‬لا‭ ‬بنظرة‭ ‬حنان‭.‬

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الصعبة،‭ ‬لتضيف‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬الليبية‭ ‬تعبًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬وماديًا‭ ‬جعل‭ ‬كثيرين‭ ‬ينسحبون‭ ‬من‭ ‬الحوار،‭ ‬وينغلقون‭ ‬على‭ ‬ذواتهم‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬الجلسات‭ ‬العائلية‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬اللمة‮»‬‭ ‬أولوية،‭ ‬فكلٌّ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬خلاصه‭ ‬الفردي‭ ‬بدل‭ ‬خلاص‭ ‬العائلة‭.‬‮           ‬‭               ‬‭                             ‬‮         ‬‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بيوتنا‭ ‬اليوم؟

اليوم‭ ‬نرى‭ ‬بيوتًا‭ ‬ما‭ ‬زالتْ‭ ‬عامرة‭ ‬بالأثاث،‭ ‬لكنها‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الألفة‭.‬

الأب‭ ‬مشغول،‭ ‬الأم‭ ‬مرهقة،‭ ‬الأبناء‭ ‬غرباء‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭.‬

نسمع‭ ‬صراخًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الضحك،‭ ‬ونرى‭ ‬وجوهًا‭ ‬متعبة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬السعيدة‭.‬

تراجعت‭ ‬قيم‭ ‬‮«‬الستر،‭ ‬والصبر،‭ ‬والاحترام‮»‬،‭ ‬لتحل‭ ‬محلها‭ ‬الأنانية،‭ ‬وسرعة‭ ‬الغضب،‭ ‬وقسوة‭ ‬الألفاظ‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬عابرة‭ ‬وتنتهي‭ ‬بقطيعة‭ ‬لا‭ ‬تلتئم‭.‬

أصبح‭ ‬قطع‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬سهلاً‭ ‬كضغطة‭ ‬زر‭ ‬‮«‬حظر‮»‬‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭.‬

وتحوّلت‭ ‬العلاقات‭ ‬العائلية‭ ‬إلى‭ ‬حسابات‭ ‬دقيقة‭: ‬‮«‬هو‭ ‬ما‭ ‬زارني،‭ ‬إذًا‭ ‬لن‭ ‬أزوره‮»‬،‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يتصل‭ ‬بي،‭ ‬إذًا‭ ‬لن‭ ‬أكلّمه‮»‬‭.‬

إنّ‭ ‬وراء‭ ‬تفكك‭ ‬الأسرة‭ ‬الليبية‭ ‬غياب‭ ‬التواصل‭ ‬الحقيقي‭ ‬الكل‭ ‬يتحدث،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يصغي‭.‬

الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭: ‬دفعتْ‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬إلى‭ ‬الصمت‭ ‬بدل‭ ‬المشاركة‭.‬

تغير‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭: ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الطاعة‭ ‬والاحترام‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬إذ‭ ‬ضعفت‭ ‬سلطة‭ ‬الكبار‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى