رأي

‭ ‬من‭ ‬يوقف‭ ‬الموت‭ ‬المتجول‭ ‬؟

فائزة‭ ‬صالح‭ ‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬طرقاتنا‭ ‬مجرد‭ ‬شوارع‭ ‬تربط‭ ‬المدن‭ ‬والمناطق‭ ‬ببعضها،‭ ‬بل‭ ‬أصبحتْ‭ ‬مسارحَ‭ ‬داميةً‭ ‬لمآسٍ‭ ‬متكرّرة،‭ ‬ضحاياها‭ ‬‭)‬أطفال،‭ ‬آباء،‭ ‬أمهات،‭ ‬وشباب‭(‬‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬صفحات‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خبر‭ ‬حادث‭ ‬مروّع،‭ ‬صورة‭ ‬سيارة‭ ‬محطّمة،‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭ ‬عزاء‭ ‬جديد

وكأننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬حقيقي‭ ‬من‭ ‬الحزن،‭ ‬والدموع‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬التهور‭ ‬على‭ ‬الطرقات‮»‬‭.‬

آخر‭ ‬تلك‭ ‬الحوادث‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬الدهماني‮»‬‭ ‬حين‭ ‬خطف‭ ‬الموتُ‭ ‬عائلةً‭ ‬كاملة‭ ‬وحادث‭ ‬ضحيته‭ ‬شباب‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬مدينة‭ ‬القره‭ ‬بولي‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬أبوكماش،‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أنهم‭ ‬اختاروا‭ ‬وقتًا‭ ‬خاطئًا‭ ‬لعبور‭ ‬طريقٍ‭ ‬بات‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭.‬

لم‭ ‬يكدْ‭ ‬الشارعُ‭ ‬أنّ‭ ‬يهدأ‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬الحادث‭ ‬حتى‭ ‬صُدِمَ‭ ‬النَّاسُ‭ ‬بحادثٍ‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬كوبري‭ ‬الودان‭ ‬سيارة‭ ‬مقلوبة،‭ ‬زجاج‭ ‬متناثر،‭ ‬وأصوات‭ ‬إسعاف‭ ‬ممزوجة‭ ‬بصرخات‭ ‬المفجوعين‭.‬

عناوين‭ ‬للمأساة‭.. ‬وسيناريو‭ ‬يتكرّر

طريق‭ ‬السبعة‭ ‬أيضًا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬فاجعة‭ ‬أخرى،‭ ‬ثلاث‭ ‬أرواح‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬المدينة‭ ‬خُطفتْ‭ ‬في‭ ‬ثوانٍ‭ ‬بسبب‭ ‬السرعة‭ ‬الجنونية،‭ ‬واللامبالاة‭ ‬المفرطة‭ ‬بقواعد‭ ‬المرور‭. ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬كشفتْ‭ ‬تفاصيل‭ ‬مرعبة‭: ‬سيارة‭ ‬مسرعة،‭ ‬انحراف‭ ‬مفاجئ،‭ ‬اصطدام‭ ‬عنيف،‭ ‬ثم‭ ‬صمت‭ ‬أبدي‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث؟‭ ‬وكيف‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الاستهتار؟‭! ‬أصبحت‭ ‬المخالفات‭ ‬المرورية‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬قيادة‮»‬‭ ‬مشوّهة،‭ ‬حيث‭ ‬يُنظر‭ ‬للسرعة‭ ‬كدليل‭ ‬على‭ ‬المهارة،‭ ‬ولتجاوز‭ ‬الإشارات‭ ‬الحمراء‭ ‬كـ«شجاعة‮»‬،‭ ‬وللانشغال‭ ‬بالهاتف‭ ‬أثناء‭ ‬القيادة‭ ‬كأمرٍ‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التقنية‭.‬

لكن،‭ ‬أي‭ ‬مهارة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تنهي‭ ‬حياة‭ ‬أسرٍ‭ ‬بأكملها؟‭! ‬وأي‭ ‬شجاعة‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬نعوش‭ ‬مغلقة؟‭!‬

القانون‭ ‬موجود‭ .. ‬لكن‭ !‬

ليست‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬القوانين،‭ ‬فالقانون‭ ‬الليبي‭ ‬واضح‭ ‬بشأن‭ ‬المخالفات‭ ‬والعقوبات،‭ ‬لكن‭ ‬الإشكالية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬الرقابة‭ ‬المرورية‭ ‬الفعّالة،‭ ‬وفي‭ ‬ضعف‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭. ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تُعلّق‭ ‬لافتة‭ ‬‮«‬خفف‭ ‬السرعة‮»‬‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬الطريق،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُزرع‭ ‬هذه‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬وضمائرنا‭.‬

كذلك،‭ ‬هناك‭ ‬غياب‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬للتثقيف‭ ‬المروري،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الترخيص‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلّم‭ ‬السائق‭ ‬الشاب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المركبة‭ ‬سلاح‭ ‬قاتل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحترمها‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬يذكره‭ ‬بأن‭ ‬خلف‭ ‬المقود‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬حياة‭ ‬كاملة‭.‬

ختامًا‭ :‬‭ ‬هل‭ ‬نستيقظ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬التالي؟

أيها‭ ‬السائق‭ .. ‬تذكّر،‭ ‬حين‭ ‬تمسك‭ ‬المقود،‭ ‬أن‭ ‬حياتك‭ ‬بين‭ ‬يديك،‭ ‬وحياة‭ ‬الآخرين‭ ‬كذلك‭. ‬لا‭ ‬تكن‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬بكاء‭ ‬أم،‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬طفل،‭ ‬أو‭ ‬فجيعة‭ ‬مجتمع،‭ ‬وتذكر‭  ‬دائمًا‭ :‬

‭)‬أبي‭ ‬لا‭ ‬تُسرع‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬انتظاركَ‭(‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى