رأي

هل الطالب آلة ..؟!!

فائزة صالح

              الرسوبُ‭ ‬في‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نقوله‭ ‬دومًا‭ ‬لطلابنا،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المرّة‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬إلا‭ ‬صدى‭ ‬عدم‭ ‬توفيقهم،‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬إلا‭ ‬دموع‭ ‬أمهاتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يشعرون‭ ‬إلا‭ ‬بوخز‭ ‬المقارنات،‭ ‬وسياط‭ ‬التوبيخ‭ .. ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬حين‭ ‬تأتي‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬وتزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة،‭ ‬وتحدّد‭ ‬امتحانات‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬فقط؟‭!‬

السؤال‭ ‬ليس‭ ‬تربويًا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭:‬

هل‭ ‬الطالب‭ ‬الراسب‭ ‬آلة‭..‬؟‭!‬

هل‭ ‬يُمكنه‭ ‬أن‭ ‬يستفيق‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬رسوبه‭ ‬يوم‭ ‬الخميس،‭ ‬ويبدأ‭ ‬المراجعة‭ ‬بتركيز‭ ‬وثقة‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة؟‭ .. ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬مفجوع‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬ورقة‭ ‬الامتحان‭ ‬وكأنه‭ ‬منتصر‭ ‬لم‭ ‬يُكسر‭ ‬له‭ ‬قلب،‭ ‬ولا‭ ‬انطفأ‭ ‬له‭ ‬حلم؟

في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬ليبي‭ ‬تقريبًا،‭ ‬قصة‭ ‬طالب‭ ‬لم‭ ‬يُوفّق‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬المدن‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬شارع‭ ‬وجامع‭ ‬وسوق‭ ‬ترى‭ ‬شابًا‭ ‬يمشي‭ ‬مطأطئ‭ ‬الرأس،‭ ‬وفتاة‭ ‬حبستْ‭ ‬دموعها‭ ‬أمام‭ ‬أمها،‭ ‬وولدًا‭ ‬يرفض‭ ‬الأكل‭ ‬والكلام،‭ ‬وأمًا‭ ‬تبكي‭ ‬في‭ ‬صمت‭.‬

هذه‭ ‬ليست‭ ‬دراما‭ .. ‬بل‭ ‬واقعًا‭.‬

الرسوب‭ ‬جرح،‭ ‬والقرار‭ ‬الأخير‭ ‬كان‭ ‬ملحًا‭ ‬عليه‭.‬

بدلًا‭ ‬من‭ ‬منح‭ ‬هؤلاء‭ ‬فرصة‭ ‬للمراجعة،‭ ‬والدعم‭ ‬النفسي،‭ ‬وتقدير‭ ‬ما‭ ‬مروا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬خلال‭ ‬امتحانات‭ ‬الدور‭ ‬الأول،‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬جديد‭ .‬‭. ‬سباق‭ ‬محكوم‭ ‬بالوقت‭ ‬لا‭ ‬بالفرصة‭.‬

ولأن‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬يحتاج‭ ‬إصلاحًا‭ ‬جذريًا،‭ ‬فلنبدأ‭ ‬من‭ ‬الأساس‭: ‬احترام‭ ‬الطالب‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬ضعفه‭.‬

من‭ ‬حق‭ ‬الطالب‭ ‬أن‭ ‬يفشل،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬أن‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تدفعه‭ ‬للهاوية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بمواعيد‭ ‬عشوائية‭.‬

أقولها‭ ‬اليوم‭ ‬بوضوح‭:‬‭ ‬النجاحُ‭ ‬ليس‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬الشهاد‭ .. ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مَنْ‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬نفسه‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬المعجزات‭..‬

ولا‭ ‬نريد‭ ‬إعادة‭ ‬تصحيح،‭ ‬أو‭ ‬إسقاط‭ ‬مواد،‭ ‬بل‭ ‬نطلب‭ ‬شيئًا‭ ‬بسيطًا‭ ‬جدًا‭: ‬الإنصاف‭ ‬والتفهم‭.‬

يا‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬رسب‭ ‬ليس‭ ‬مجرمًا،‭ ‬بل‭ ‬شابًا،‭ ‬أو‭ ‬فتاة‭ ‬ربما‭ ‬أرهقه‭ ‬الضغط،‭ ‬أو‭ ‬خانه‭ ‬الحظ،‭ ‬أو‭ ‬عاندته‭ ‬الظروف‭.. ‬فلماذا‭ ‬هذا‭ ‬التسارع‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬الدور‭ ‬الثاني؟،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يُترك‭ ‬له‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬كي‭ ‬يُعيد‭ ‬التوازن‭ ‬لنفسه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬أوراقه؟‭.‬

في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬التعليم،‭ ‬لا‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬الرسوب‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فضيحة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فرصة‭ ‬للنضج،‭ ‬للتعلم‭ ‬من‭ ‬الأخطاء،‭ ‬للعودة‭ ‬أقوى‭.‬

أما‭ ‬عندنا،‭ ‬فالطالب‭ ‬الراسب‭ ‬يُعامل‭ ‬كوصمة‭ ‬في‭ ‬عائلته،‭ ‬كعبء‭ ‬على‭ ‬مدرسته،‭ ‬كرقم‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬قوائم‭ ‬النتائج‭.‬

بلادنا‭ ‬تعيش‭ ‬أزمات‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬أبنائنا‭.‬

فمن‭ ‬العدل‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬قليلًا‭ ‬في‭:‬

كيف‭ ‬يتلقى‭ ‬الطالب‭ ‬صدمة‭ ‬الرسوب؟

كيف‭ ‬نُعيد‭ ‬له‭ ‬الثقة؟

كيف‭ ‬نُسنده‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬نُسقطه؟

نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مشرف‭ ‬تربوي‭ ‬لا‭ ‬يُكلم‭ ‬الطالب‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬المنهج‭ .. ‬بل‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭.‬

إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬إنسانًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تراه‭ ‬رقم‭ ‬جلوس‭.‬

إلى‭ ‬وزارة‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬الحقيقي‭.. ‬يبدأ‭ ‬حين‭ ‬نُحسن‭ ‬احتواء‭ ‬الفشل‭.‬

دعونا‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬نحن،‭ ‬الكبار،‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬عقد‭ ‬نفسية‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬جيل‭ ‬بأكمله‭.‬

دعونا‭ ‬نمنحهم‭ ‬فرصة‭ ‬جديدة‭ .. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للامتحان،‭ ‬بل‭ ‬للتنفس،‭ ‬للهدوء،‭ ‬وللأمل‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى