الرسوبُ في الثانوية العامة ليس هذا ما نقوله دومًا لطلابنا، لكن الحقيقة المرّة أنهم لا يسمعون إلا صدى عدم توفيقهم، ولا يرون إلا دموع أمهاتهم، ولا يشعرون إلا بوخز المقارنات، وسياط التوبيخ .. فما بالك حين تأتي وزارة التربية والتعليم وتزيد الطين بلة، وتحدّد امتحانات الدور الثاني بعد أقل من أسبوعين فقط؟!
السؤال ليس تربويًا بقدر ما هو إنساني:
هل الطالب الراسب آلة..؟!
هل يُمكنه أن يستفيق من صدمة رسوبه يوم الخميس، ويبدأ المراجعة بتركيز وثقة يوم الجمعة؟ .. أم أن الوزارة تريد من طالب مفجوع أن يتعامل مع ورقة الامتحان وكأنه منتصر لم يُكسر له قلب، ولا انطفأ له حلم؟
في كل بيت ليبي تقريبًا، قصة طالب لم يُوفّق.
في كل المدن وفي كل شارع وجامع وسوق ترى شابًا يمشي مطأطئ الرأس، وفتاة حبستْ دموعها أمام أمها، وولدًا يرفض الأكل والكلام، وأمًا تبكي في صمت.
هذه ليست دراما .. بل واقعًا.
الرسوب جرح، والقرار الأخير كان ملحًا عليه.
بدلًا من منح هؤلاء فرصة للمراجعة، والدعم النفسي، وتقدير ما مروا به من ضغط خلال امتحانات الدور الأول، وجدوا أنفسهم في سباق جديد .. سباق محكوم بالوقت لا بالفرصة.
ولأن التعليم في ليبيا يحتاج إصلاحًا جذريًا، فلنبدأ من الأساس: احترام الطالب حتى في لحظات ضعفه.
من حق الطالب أن يفشل، لكن من واجب المؤسسة التعليمية أن تساعده على النهوض لا أن تدفعه للهاوية مرة أخرى بمواعيد عشوائية.
أقولها اليوم بوضوح: النجاحُ ليس دائمًا في الشهاد .. بل هناك مَنْ ينجو من الفشل دون أن يفقد نفسه.
نحن لا نطلب من الوزارة المعجزات..
ولا نريد إعادة تصحيح، أو إسقاط مواد، بل نطلب شيئًا بسيطًا جدًا: الإنصاف والتفهم.
يا وزارة التربية والتعليم، الطالب الذي رسب ليس مجرمًا، بل شابًا، أو فتاة ربما أرهقه الضغط، أو خانه الحظ، أو عاندته الظروف.. فلماذا هذا التسارع في تحديد موعد الدور الثاني؟، لماذا لا يُترك له الوقت الكافي كي يُعيد التوازن لنفسه قبل أن يُعيد ترتيب أوراقه؟.
في الدول التي تحترم التعليم، لا يُنظر إلى الرسوب على أنه فضيحة، بل على أنه فرصة للنضج، للتعلم من الأخطاء، للعودة أقوى.
أما عندنا، فالطالب الراسب يُعامل كوصمة في عائلته، كعبء على مدرسته، كرقم غير مرغوب فيه في قوائم النتائج.
بلادنا تعيش أزمات كثيرة، من الكهرباء إلى الاقتصاد، وكل هذا ينعكس على أبنائنا.
فمن العدل أن نفكر قليلًا في:
كيف يتلقى الطالب صدمة الرسوب؟
كيف نُعيد له الثقة؟
كيف نُسنده بدل أن نُسقطه؟
نحتاج إلى مشرف تربوي لا يُكلم الطالب فقط عن المنهج .. بل عن نفسه.
إلى مدرسة ترى فيه إنسانًا قبل أن تراه رقم جلوس.
إلى وزارة تعرف أن النجاح الحقيقي.. يبدأ حين نُحسن احتواء الفشل.
دعونا لا نكون نحن، الكبار، سببًا في ترسيخ عقد نفسية طويلة في جيل بأكمله.
دعونا نمنحهم فرصة جديدة .. ليس فقط للامتحان، بل للتنفس، للهدوء، وللأمل.