واحنا علينا غير قولة قالوا.. للكاتب الليبي أمين مازن
لقد كان في مقدمة ما عمد جيلنا إليه عقب سقوط النظام الملكي و ما دعا إليه من تجمعات غايتها ضمان التأييد فصار الانسحاب مفخرة لمن يسلكه، و مبعث متابعة من الطرف الذي اختار غير ذلك فتحولت المقاهي وقد وحّدتها نوعية المشروبات إلى أمكنة لقاء لما اقتضاه التغيير من العلاقات الجديدة، فسُمِّيَت لدى دوائر الرصد بمجتمع الطاولات المفتوحة، و كُلِّفَ من يقدم خلاصة ما يدور بها من الحوار و لا سيما عمن يُعتَبرون ذوي رأي، و إذ لم يُعدَم الجُلَّاس من الحذر و لانعدام الجديد، لم يعد جميع متصدري المشهد و قد كانوا من العسكريين يولونها أي اهتمام كما روى لنا ذات يوم الإنسان الطيب الرائد عبد الرحمن الصيد في تلك الأيام. لقد استعدت شخصياً هذه الصورة و أنا أجلس بين الفينة و الفينة مع من يروقني الحديث معهم في هذا المقهى أو ذاك عندما قال لي أحدهم مستشعراً الإطمئنان «ليس أمام الإنسان إلا أن يصطف» و عندما قلّبت الأمر و تدبّرت الحديث، بعد أن كدت ألّا أعبأَ بالقول و ذلك عندما تذكرت هذه القائمة الطويلة من المترشحين لرئاسة البلد و الشيء ذاته بالنسبة لمن يتطلعون لأن يكونوا نوابه، فصار لزاماً على كل ذي همّة أن يحزم أمره ليس لاختيار من يمنحه الثقة، و إنما ليدعو إليه غيره أيضا، إذ الخطأ كل الخطأ هو الإستسلام لروح اليأس الناتج عن سوء الاختيارات السابقة و ما أثبتها سوء أدائهم و الذي أثبت أيضاً أن معارضتهم و حتى هجرتهم لن تكن جرّاء ما أخفقوا في تحقيقه من مكاسب سبقهم إليها مجايلوهم، فلم يكن لهم طوال العقد الماضي سوى التكالب الذي لا يعرف التوقف على المغانم و الذي طالما كشفته منصات التواصل الاجتماعي. و أعود إلى الاصطفاف لأقول إنه لن يكون مجدياً و لا محفزاً إلا بشرطٍ واحدٍ هو استبعاد الشيطنة المطلقة للماضي و مثله الحاضر و إنما الاحتكام فقط إلى الممارسة و قاعدة النسبية التي تؤمن بأن الناس بشر و من طبيعة البشر الخطأ، و الفرق فقط هو الهيّن و الأهون، و بالذات عند الإضرار بالناس في أموالهم أو أعراضهم و بالجملة حقوقهم ما لم يكن فاعل ذلك قد لقيَّ جزاءه أو عوض المجني عليه. و أخيراً فإن الأسوأ هو الجلوس في مقاعد المتفرجين خشية أن يصدق علينا هجاء ذلك الشاعر (واحنا علينا غير قولة قالوا)