إجتماعي

وسائل التواصل والتقوقع على الذات

فايزة العجيلي

الليبيون‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المجتمعات‭ ‬ترابطا‭ ‬وتواصلا‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والدينية،‭ ‬وظل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ميزة‭ ‬وصفة‭ ‬حميدة‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬الليبي‭ ‬عن‭ ‬غيره‭..‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬التقنية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬وانتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتيسر‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كافة‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬ارتباط‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وتواصلهم‭ ‬الحقيقي‭..‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬وصار‭ ‬بإمكان‭ ‬الانسان‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جهاز‭ ‬هاتفه‭ ‬المحمول،‭ ‬أو‭ ‬حاسوبه‭ ‬الشخصي،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬أو‭ ‬مكتبه،‭ ‬أو‭ ‬المقهى،‭ ‬وكذلك‭ ‬بإمكانه‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬انسان‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الانسان‭ ‬أكثر‭ ‬انطوائية‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬قوقعة‭ ‬الانسان،‭ ‬وسببا‭ ‬في‭ ‬انعزاله‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭..‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالأفراح‭ ‬والمآتم،‭ ‬والمناسبات‭ ‬الدينية،‭ ‬وغيرها،‭ ‬تجمع‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬ترابطهم‭ ‬وألفتهم،‭ ‬وتقاربهم،‭ ‬صارت‭ ‬اليوم‭ ‬فارغة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬اللمة‭ ‬المجتمعية‭ ‬الجميلة‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬لها‭ ‬تلك‭ ‬الحميمية‭ ‬السابقة‭.. ‬وصار‭ ‬الجميع‭ ‬منكفيا‭ ‬على‭ ‬جهازه‭ ‬لا‭ ‬إحساس‭ ‬له‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬حوله،‭ ‬ولا‭ ‬انسجام‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭ ‬ولا‭ ‬أقرانه‭..‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاثار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السلبية‭ ‬لمواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فإن‭ ‬الافراط‭ ‬في‭ ‬استخدامها‭ ‬يؤدي‭ ‬لاضطرابات‭ ‬في‭ ‬الدماغ‭ ‬والشخصية،‭ ‬ويؤثر‭ ‬على‭ ‬التحصيل‭ ‬الدراسي‭ ‬للطلاب،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬هدر‭ ‬واستنزاف‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬استغلاله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفيد‭..‬

إن‭ ‬تأثير‭ ‬استخدام‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تهتم‭ ‬بتحليل‭ ‬نتائجه‭ ‬السلبية‭ ‬ودراسة‭ ‬كيفية‭ ‬التغلب‭ ‬عليها،‭ ‬وتطويع‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬مصلحة‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬السبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬الوسائل،‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬إيجابي‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬النشء‭ ‬الجديد،‭ ‬ومراقبة‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يتابعونه،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأسرة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجهات‭ ‬المنوط‭ ‬بها‭ ‬ذلك‭,,‬

فوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬سلاح‭ ‬ذو‭ ‬حدين،‭ ‬وشرها‭ ‬مستطير‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬ضوابط‭ ‬مجتمعية‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬حديها‭ ‬النافع‭ ‬والضار،‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬توعية‭ ‬مجتمعية،‭ ‬ومحاذير‭ ‬أخلاقية،‭ ‬وواعز‭ ‬ذاتي،‭ ‬ومراقبة‭ ‬أسرية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬الأخطاء‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تستفحل‭ ‬وتتراكم‭ ‬وتصبح‭ ‬ظواهر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشارها‭..‬

ان‭ ‬المتابع‭ ‬لاستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬يلاحظ‭ ‬وبوضوح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬انفصالا‭ ‬عميقا‭ ‬بين‭ ‬افراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬افراد‭ ‬الاسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬داخل‭ ‬بيتهم،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لتواصل‭ ‬حقيقي‭ ‬طبيعي‭ ‬بينهم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬فكل‭ ‬منهم‭ ‬يعيش‭ ‬انفصاما‭ ‬عن‭ ‬واقعه،‭ ‬واسرته،‭ ‬ويبحر‭ ‬في‭ ‬عالمه‭ ‬الافتراضي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬المآل‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى