الرئيسيةحوار

ومضات‭ ‬من‭ ‬نثر‭ ‬القمر..كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬اللا‭ ‬شيء‭  

عبدالسلام‭ ‬الفقهي

 ترتسم‭ ‬القصيدةُ‭ ‬عند‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يُحاكي‭ ‬سردية‭ ‬لا‭ ‬تبتعد‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬أبجديات‭ ‬وقع‭ ‬رومانسي‭ ‬سالف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭  ‬تتكيء‭ ‬على‭ ‬طيف‭ ‬يشاغل‭ ‬الواقع‭ ‬أحيانًا‭ ‬في‭ ‬وقفات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تسعفه‭ ‬فيها‭ ‬مغازلة‭  ‬ضوء‭ ‬القمر،‭ ‬هكذا‭ ‬تبدو‭ ‬ليَّ‭ ‬همساته‭ ‬المتدفقة‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانتْ‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬قمري‭ ‬يفيض‭ ‬ويغمر‭ ‬الأطراف،‭ ‬ثم‭ ‬ينسحب‭ ‬تاركًا‭ ‬علاماته‭ ‬كإعلان‭ ‬عن‭ ‬رجوع‭ ‬محتمل‭  ‬وفي‭ ‬سردية‭ ‬النَّص‭ ‬تحاول‭ ‬الجمل‭ ‬الانتصار‭ ‬لقدسية‭ ‬اللحظة‭ ‬وشاعريتها‭ ‬المحتفية‭ ‬باللغة،‭ ‬وبكثافة‭ ‬الوصف‭ ‬المغلف‭ ‬أحيانًا‭ ‬بسخرية‭ ‬دفينة‭ ‬قارة‭ ‬في‭ ‬مكنون‭ ‬النثر‭ ‬القمري‭.‬

سخرية‭ ‬قد‭ ‬تتمادى،‭ ‬وتتجاسر‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬والزمن‭ ‬والتجارب،‭ ‬وتُلقي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬قاموس‭ ‬الهامش،‭ ‬وتصبح‭ ‬اللغة‭ ‬والسخرية‭ ‬سدنة‭ ‬المشهد؛‭ ‬حيث‭ ‬بضع‭ ‬حروف‭ ‬ومزاج‭ ‬سيء‭ ‬يصبح‭ ‬مغريًا‭ ‬لقول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬اللاشيء،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭ ‬تحديدًا‭ ‬هي‭ ‬باختصار‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع‭ .‬

دفعتُ‭ ‬ديوان‭ )‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬أسماك‭(‬في‭ ‬زاوية‭ ‬هناك‭ ‬وطرقتُ‭ ‬باب‭ ‬نصوصه‭ ‬الفيسبوكية‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التحرَّر‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬البوابات‭ ‬الرسمية‭ ‬للتناول‭ )‬الإصدار‭( ‬حيث‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬أسوارها‭ ‬أشبه‭ ‬بعبثية‭  ‬التمايز‭ ‬الطبقي؛‭ ‬حيث‭ ‬أشعر‭ ‬بلذة‭ ‬الكلمات،‭ ‬وحيوية‭ ‬الممشى‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬شعبي،‭ ‬هائمة‭ ‬في‭ ‬فيض‭ ‬متحرَّر‭ ‬من‭ ‬ضوابط‭ ‬الترتيب،‭ ‬يشبه‭ ‬أكلة‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬وصفة،‭ ‬أو‭ ‬موسيقى‭ ‬خارج‭ ‬سلالم‭ ‬النوتة‭ . ‬

الفلاش‭ ‬والشعاع

تتمايز‭ ‬نصوص‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬في‭ ‬مسارين‭ ‬تتفاوت‭ ‬فيهما‭ ‬نسب‭ ‬الكتابة‭ ‬نسبيً،‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الفلاش‮»‬،و«الشعاع‮»‬،‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬تتقلص‭ ‬اللغة‭ ‬وتتسع‭ ‬الصورة،‭ ‬والثاني‭ ‬تتمدّد‭ ‬اللغة‭ ‬وتبزغ‭ ‬السخرية،‭ ‬وفيما‭ ‬تتقلص‭ ‬لغة‭ ‬الخطاب‭ ‬في‭ ‬‮«‬الفلاش‮»‬‭ ‬تحضر‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشعاع‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬بضعة‭ ‬حروف‭ ‬تنسل‭ ‬الكتابة‭ ‬‮«‬الفلاش‮»‬‭ ‬مشبعة‭ ‬بالقلق‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬تبرَّرها‭ ‬شاعرية‭ ‬اللحظة‭:‬

‭)‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬لأني‭ ‬أحب‭ ‬الشعر‭ /‬بداخلي‭ ‬مجنون‭ /‬يهدَّدني‭ /‬بالقتل‭ ‬أو‭ ‬الكتابة‭(. ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬القلق‭ ‬معني‭ ‬بالشرح‭ ‬ولا‭ ‬يكترث‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬يفرز‭ ‬ذلك‭ ‬المجنون‭ ‬خام‭ ‬فواره‭ ‬الداخلي‭ ‬كـ‭)‬لافا‭(‬ملتهبة‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬المتعدد‭ ‬داخل‭ ‬المفرد،‭ ‬عن‭ ‬الأحلام‭ ‬والخيبات‭ ‬ومستقبل‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬الحظ‭ ‬بانوراما‭ ‬تتقاسمها‭ ‬ذوات‭ ‬خارج‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬وترمي‭ ‬بتلك‭ ‬الكرة‭ ‬الملتهبة‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عبر‭ ‬اللا‭ ‬شىء‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الشحنات‭ ‬الدفينة‭ ‬المتصلة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الوسط‭ ‬بين‭ ‬الوعي‭ ‬واللاوعي‭ ‬حيث‭: )‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أقصده‭ / ‬أنا‭ ‬فقط‭ /‬أُوهم‭ ‬الحزن‭ /‬بأنني‭ ‬مشغول‭( ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬لغة‭ ‬الجسد‭ ‬لن‭ ‬تجدي‭ ‬في‭ ‬الافصاح‭ ‬عن‭ ‬جوهر‭ ‬الحزن‭ ‬يتكفل‭ ‬الصمت‭ ‬بإبراق‭ ‬المستتر‭ ‬وصهر‭ ‬كل‭ ‬مادة‭ ‬البوح‭ ‬القار‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬السكون،‭ ‬أو‭ ‬السكوت‭ ‬وإعادة‭ ‬انتاجها‭ ‬بلغة‭ ‬الصمت‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الومضات‭ ‬هي‭ ‬عصارة‭ ‬الصمت‭ ‬واللغة‭ ‬والقلق‭.‬

أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الصمت‭ ‬يقول‭ )/‬كل‭ ‬شيء‭ / ‬لذا‭ ‬،‭ ‬أنا‭ ‬صامت‭ ‬الآن‭ ‬تماماً‭(.‬

لا‭ ‬تكتفي‭ ‬شحنة‭ ‬الجنون‭ ‬المعجون‭ ‬بالصمت‭ ‬بذلك‭ ‬الوميض‭ ‬الناز‭ ‬من‭ ‬الشجن‭ ‬بل‭ ‬تتمرد‭ ‬أحيانًا‭ ‬على‭ ‬إقلالها‭ ‬متطاولة‭ ‬على‭ ‬الكثافة‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬استطالة‭ ‬تحاور‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬جغرافيا‭ ‬الحياة‭ ‬واتساعها‭ ‬المربك‭ ‬وتبحث‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬عن‭ ‬ثراء‭ ‬أكثر‭ ‬للبوح،‭ ‬وبالطبع‭ ‬ستتمظهر‭ ‬تلك‭ ‬الإشارات‭ ‬العابرة‭ ‬في‭ ‬الفلاش‭ ‬إلى‭  ‬صورة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬للشعاع،‭, ‬ضوء‭ ‬يطول‭ ‬أو‭ ‬يقصر‭ ‬قليلاً‭ ‬يمارس‭ ‬فعل‭ ‬التمدّد‭ ‬ملاحقا‭ ‬أثير‭ ‬أنفاس‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تحاول‭ ‬جاهدة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬كينونتها‭ ‬أبرزها

‭)‬الأنثى‭(‬‭ ‬التي‭ ‬يصافحها‭ ‬الشعاع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬ذوات‭ ‬عدة‭ )‬الحبيبة،‭ ‬الأم،‭ ‬القصيدة‭ ( : ‬أنا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭/‬شوارع‭ ‬مزدحمة‭/‬وأزقة‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬إلا‭ ‬للسكارى‭/‬والمشردين‭/‬أنا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬حي‭ ‬شعبي‭/‬كل‭ ‬سكانه‭/‬يعيشون‭ ‬على‭/‬سماع‭ ‬صوتك‭(‬،‭ ‬إذا‭ ‬تواصل‭ ‬لغة‭ ‬الصمت‭ ‬ممشاها‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬الهامش‭ ‬مرموزة‭ ‬بالحي‭ ‬الشعبي‭ ‬وتظل‭ ‬الالتفاتات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بحثًا‭ ‬عنها‭ ‬ومشدودة‭ ‬إليها‭ ‬أي‭ )‬الآخر‭ ‬الانثوي‭( ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬تكرار‭ ‬التوجه‭ ‬إليه‭ ‬رغم‭ ‬تعدَّده‭ ‬الداخلي‭ ‬يفقد‭ ‬النَّص‭ ‬جمالية‭ ‬التنوع‭ . ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬الغيوم‭/‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تمطر‭ ‬ضحكاتٍ‭ ‬كضحكتكِ‭/‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬الأيادي‭ ‬الدافئة‭/‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يديك‭(.‬

يصف‭ ‬أحد‭ ‬النقاد‭ ‬النَّص‭ ‬الإبداعي‭ ‬بمجمع‭ ‬النفايات‭ ‬والقصد‭ ‬هو‭ ‬قدرة‭ ‬الشاعر‭ ‬والروائي‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬سلبيات‭ ‬المجتمع‭ ‬وأمراضه‭ ‬ووضعها‭ ‬تحت‭ ‬المجهر،‭ ‬وبذا‭ ‬كان‭ ‬للشاعر‭ ‬هنا‭ ‬فرصة‭ ‬استثمار‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬والابحار‭ ‬في‭ ‬متاهاتها‭ ‬وخلق‭ ‬نسيج‭ ‬مشبع‭ ‬بدلالات‭ ‬الهشاشة‭ ‬المبعثرة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬وأزقة‭ ‬الحي‭ ‬الشعبي‭ ‬الساكن‭ ‬فيه‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬التجوال‭ ‬قارب‭ ‬بوابة‭ ‬الهامش‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬المسافة‭ ‬الحرجة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬إطلالة‭ ‬جريئة‭ ‬نحو‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي‭:)‬أنا‭ ‬مخزن‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬السفلي‭/‬يرمون‭ ‬فيه‭ ‬الأشياء‭ /‬القديمة‭ ‬والمستهلكة‭ /‬تلفاز‭ ‬معطل‭ ‬هنا‭ /‬وثلاجة‭ ‬صدئة‭ ‬هناك‭ /‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الكراسي‭).‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى