
وبين الوعود المؤجلة، والواقع القاسي وجد آلاف المتقاعدين أنفسهم أمام صدمة جديدة بعد سنوات من الانتظار والمعاناة مع تدني المعاشات، وارتفاع تكاليف المعيشة.. ومن خلال تطلعات المتقاعدين ووعود المشرّعين، تبرز أسئلة جوهرية:
هل ستتمكن جهود نقابة المتقاعدين من ترجمة النصوص القانونية إلى واقع معاش؟
كيف تؤثر هذه الزيادة على مستوى معيشة المتقاعدين بشكل عام في البلاد؟
ما ردود خبر الزيادة على المتقاعدين الفاعلين في استثمار وقتهم؟
ما الآثار والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن قرار زيادة مرتبات المتقاعدين؟
قال أ. ناصر الكوربوا ناشط مدني : المتقاعدون سيبقون حالياً في دائرة الانتظار بين التعهدات والتطبيق الفعلي فبعد خبر إعلان السيد خليل الشقماني النقيب العام للمتقاعدين في ليبيا عن تنفيذ قانون رقم )5( لجدول المرتبات الموحد للمتقاعدين.
موضحًا أن هذه الزيادة ليستْ مجرد تحسين مالي بل تمثل اعترافًا بجهود المتقاعدين، وتضحياتهم في خدمة الوطن وقد أحدث هذا القرار فرحةً واسعة بين المتقاعدين الذين يأملون أن تعود عليهم هذه الزيادة بالنفع في حياتهم اليومية.
وأشار إلى اللقاء الذي جمع النقيب العام للمتقاعدين السيد خليل الشقماني، ونائبه السيد عمر سالم مع عضو مجلس النَّواب، وعضو اللجنة التشريعية الأستاذ عبدالسلام نصية لمناقشة تنفيذ القانون رقم )5( الذي يضمن للمتقاعدين الحق في الاستفادة من كافة الزيادات المقررة.
وقد أفضى الاجتماعُ إلى تأكيد رسمي بأن هذا القانون واجب التطبيق ولا خلاف حوله مع وعود بمتابعة الملف تشريعيًا وإعلاميًا.
وفي السياق ذاته قال أ. عبد الله سليمان متقاعد: المتقاعدون الذين استقبلوا خبر الزيادة بالفرح الكبير شعروا بخيبة أمل قاسية عند إعلان التأجيل.
وقد بكينا فرحًا حين سمعنا خبر الزيادة شعرنا أن تعب العمر لم يذهب سدى، لكن بعد أيام قليلة جاء إعلان التأجيل وكأنهم سحبوا منا بصيص الأمل.
وقالت أ. جميلة الشريف متقاعدة كل يوم نعيش على حساب الديون ومساعدة الأبناء، وقد كنا نأمل أن تساعدنا الزيادة في شراء الدواء ودفع أقساط القرض في مصرف الادخار لكن التأجيل زاد العبء علينا وعلى أسرنا.
وأكدتْ أن عملها كمعلمة الصف الأول حتى عمر التقاعد 60 عامًا خلّف لها عديد الأمراض كإنزلاق الغضروف، والتهاب الرئة بسبب استخدامنا الطباشير من الجير، وتنظيف الفصول الدراسية من الغبار والضغط والسكر.
وأشارتْ إلى أنّ غلاء الأسعار سبَّب تدهور صحة المتقاعدين الذين لا يكفيهم مرتب 900 د.ل توفير حاجاتهم الضرورية من الأكل غير أسبوعين، وباقي الشهر ديون.
وقالتْ دائمًا نسمع وعودًا بزيادة المرتبات المتقاعدين وقد اسعدنا خبر صدور القرار لكن تنفيذه في الشهر القادم تم الإعلان عن تأجيل الزيادة، وهذا يؤثر على تدهور صحتنا هذا إن بقينا أحياءً إلى وقت تنفيذ قانون زيادة مرتبات المتقاعدين بعد عدة شهرين، أو أكثر.
الحاج خليفة بن عامر متقاعد قال: نحن نسمع أعذارًا متكرَّرة لتنفيذ زيادة مرتبات المتقاعدين، والحقيقة أننا ضحايا لسوء إدارة، ووعود لا تنفذ فعمري لا يسمح بالتأجيل كما أن عديد المتقاعدين إما توافهم الأجل، أو يعانون من أمراض الشيخوخة، ولا يحس بآلامهم مسؤول مع صعوبة توفر الأكل الصحي الخاص بهم والدواء للعلاج وكراسي متحركة للعاجزين عن الحركة.
أ. محمد ساسي موظف صندوق الضمان الاجتماعي قال : إنَّ قرار الزيادة قد صدر بالفعل وتم تعميمه وقد أوضح صندوق الضمان الاجتماعي من خلال مؤتمر صحفي أن تنفيذ القانون رقم )5( لسنة 2013 م الذي ينص على الزيادة يتطلب تمويلًا إضافيًا يبلغ 6.5 مليار دينار سنويًا لضمان استمرارية الصرف.
وأشار الصندوق إلى أنه يواجه أزمات مالية على غرار معظم المؤسسات في ليبيا.
مؤكدًا أن مصدر تمويله الأساسي هو الاشتراكات، وليس الاستثمارات التي لا تحقَّق عوائد مجزية.
ولفتَ إلى عزوف بعض الشركات الوطنية عن دفع الاشتراكات وأن اشتراكات القطاع الخاص لا تتجاوز 4% من إجمالي مصادر التمويل.
يصرف الصندوق حاليًا نحو 550 ألف معاش .. كما أكد حرص صندوق الضمان الاجتماعي على صرفها في مواعيدها المحدَّدة كما تم في المؤتمر الصحفي الإعلان عن رؤى استثمارية جديدة تهدف إلى تحسين العوائد لكنها تتطلب وقتًا لتحقيق نتائج ملموسة.
كما أكد على أن قرار الزيادة لن تشمل جميع المتقاعدين، وأن نسب الزيادة تختلف حسب الدرجة الوظيفية لكل متقاعد؛ حيث تتراوح بين 66-67% للدرجة الأولى و195-11% للدرجة الخامسة عشرة.
كما أكد أن سقف الزيادة لن يتجاوز أو يعادل قيمة المرتب الوظيفي للنظراء، وأن الزيادة لا تنطبق على من شملتهم زيادات جدول المرتبات الموحد.
وفي السياق ذاته قالت أ. آسيا امباشي مسؤولة بخدمات التضامن سابقًا :
توجد فئات لا تشملها الزيادة في مرتبات المتقاعدين اعتبارًا من تاريخ يوم 1/07/2022 م وهي )أَصْحَابُ المَعَاشَاتِ الخَاصَّةِ وَالجَدَاوِلِ الاسْتِثْنَائِيَّةِ وَيَشْمَلُون المُحْكَمَةُ العُلْيَا الهَيْئَاتُ القَضَائِيَّة أَعْضَاءُ هَيْئَاتِ التَّدْرِيسِ الجَامِعِي أَعْضَاءُ المَجَالِسِ العُلْيَا، وَالمَجْلِسُ الرِّئَاسِي، وَالوُزَرَاء- أَصْحَابُ المَعَاشَاتِ المُصْرُوفَةِ بِحُكْمٍ قَضَائِيّ- المَعَاشَاتُ المُحْجُوزَةُ أَو المَوْقُوفَةُ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ الإِجْرَاءَاتِ- المَعَاشَاتُ المُصْرُوفَةُ بِالخَارِجِ وَفْقَ الاتِّفَاقِيَّاتِ الثُّنَائِيَّةِ(.
وأوضح قائلة: إنَّ قرار )5( لعام 2013م يقول عند زيادة موظفي الدولة يتم زيادة المتقاعدين حسب آخر مرتب لكن صندوق الضمان عندما نشر تعليماته عمل استثناء تضرَّر منها متقاعدو عام 2022م وعام 2023م لما تفعل تسوية المعاش تتم عن طريق 36 شهرًا، وأنا استفدتُ من جدول المرتبات الموحد 7شهور فقط بالتالي فإني احتاج على التسوية الجديدة 30 شهرًا حيث إني انظلمتُ في 31شهرًا لأنهم عند تقاعدي اشتغلوا على الراتب القديم ويفترض ان يشملني قرار زيادة المتقاعدين، وإذا لم تشملني الزيادة فهذا ظلم ليّ ولمن تقاعد في مثل عمري.
مؤكدة أن صندوق التضامن غيَّر التعليمات الصادرة من المؤتمر الصحفي الأخير واطالب ان تشمل الزيادة 36 شهرًا وتضاف إليهم و31 شهرًا لأن تقاعدي انحسب على المرتب القديم عند بلوغي سن التقاعد ومثلي الكثيرين مواليد 1962 و1963 و1964م انظلموا حيث تم تسوية مرتباتهم عند تقاعدهم على وقت إعلان وتفعيل قرار زيادة الجدول الموحد ومنهم من استفاد شهر فقط وأنا استفدتُ 6شهور والصح ان يتم احتساب 31 شهرًا لذلك أطالب أن يشملنا قانون زيادة المتقاعدين.
أ. محمد اعويدات طالب بكلية الطب أكد أن المتقاعد يحتاج فعلاً إلى زيادة مرتبه دون تأخير فهو يحتاج رعاية صحية من حيث توفر العلاج المطلوب لصحته ونفسية وتوفير مستلزمات موهبته اليدوية فمنهم من يجيد الرسم والنحت وتسعدهم دعوتهم للمشاركة في المعارض والبازارات ولكن يتعذّر البعض بسبب صعوبة توفر مواد الخام لغلاء الأسعار ومرتبه بالكاد يكفي طعامه.
أ. صالح عمر جابر مدير منظمة خيرية أكد أن اغلب المتقاعدين مازالوا قادرين على العطاء والعمل بحسب حالتهم الصحية وانني لاحظتُ أن المتقاعدين الموهوبين يحتاجون دعمًا ماليًا لأجل توفير ألوان ولوحات ومواد النحت ووسيلة التنقل وزيادة الراتب تعينهم في استثمار وقتهم بما يعود عليهم وعلى أسرهم بالنفع المادي الذي يرفع من مستوى معيشتهم.
أ. محمد أحمد فنان تشكيلي قال إنّ تقدم العمر يعني خبرة الشخص في مجال عمله سواء أكان موظفًا في مؤسسات الدولة أو يعمل في مجال العمل اليدوي الفني والتقني وما يحتاجوه المتقاعدين حالياً الإسراع في زيادة المرتبات كي لا ينحرموا من المشاركة الفاعلة في المعارض والمهرجانات وإبراز مواهبهم في ابراز تراث الأجداد وفي مجال فن الرسم والنحت وغيرها.
وفي سياق آخر قال أ. الشعاب عبد الله الزنداح مهندس متقاعد ويعمل في مجال الفنون اليدوية وإعادة تدوير الأشجار : إن تقاعده أعطاه ميزة استثمار الوقت في تحقيق هدفه وهو الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال انشائه معرض لتراث في مدينة زلتين وعلى حاسبه الخاص مشيرا إلى أن المتقاعد له قدرة على العطاء وخدمة وطنه فالعمر مجرد رقم وإن شغفه في فن النحت شجعه في استثمار وقته بالمشاركة الفاعلة في عدة معارض محلية وعربية.
كما أكد أن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية تؤثر سلباً على زيادة رواتب المتقاعدين في ليبيا وأشار إلى إن سبب تؤجل زيادة معاشات المتقاعدين هي التحديات المالية ولن تصرف زيادة معاشات المتقاعدين في شهري سبتمبر أو أكتوبر 2025م
وحدد الزنداح الآثار المتوقعة لزيادة رواتب المتقاعدين متمثلة في تحسين مستوى المعيشة وزيادة الطلب على السلع والخدمات مع توفر المزيد من الأموال في أيدي المتقاعدين، من المتوقع أن يرتفع الطلب على المنتجات والخدمات، مما قد يعزز الاقتصاد المحلي. وفرحة نفسية حيث ستساهم هذه الزيادة في تحسين الحالة النفسية للمتقاعدين، حيث يشعرون بالتقدير والاعتراف بمساهماتهم السابقة. تحسين الخدمات الاجتماعية فزيادة الرواتب قد تؤدي إلى مطالبات بتحسين الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية للمتقاعدين، مما يعزز جودة حياتهم. تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الاستهلاك من قبل المتقاعدين يمكن أن تؤدي إلى نمو اقتصادي مستدام، مما يساعد في خلق فرص عمل جديدة. تقليل الفقر كون الزيادة في رواتب المتقاعدين تساعد على تقليل معدلات الفقر بين الأسر التي تعتمد على دخل المتقاعدين.
وأضاف د. فيصل سلامة عضو تدريس جامعة خاصة إن من أبرز الأثار الإيجابية في زيادة رواتب المتقاعدين من ناحية لأبعاد الاجتماعية أنها تعمل على حسين نوعية الحياة فزيادة الرواتب قد تسهم في تحسين مستوى معيشة المتقاعدين، مما يؤدي إلى تحسين صحتهم النفسية والجسدية. ومن الناحية النفسية فتوقعات ردود فعل المتقاعدين وأسرهم هي ردود فعل إيجابية ومن المرجح أن يكون المتقاعدون وأسرهم سعداء بهذا التغيير حيث سيساهم في تحسين وضعهم المالي. ومن التأثيرات الغير متوقعة قد تظهر تأثيرات سلبية مثل تضخم الأسعار في السوق إذا زادت الطلبات بشكل كبير دون زيادة مماثلة في العرض. وفيما يخص التوازن الاقتصادي يحتاج الأمر إلى مراقبة دقيقة لضمان أن الزيادة في الرواتب لا تؤدي إلى اختلالات اقتصادية. بشكل عام، زيادة رواتب المتقاعدين يمكن أن تكون خطوة إيجابية ولكنها تتطلب إدارة دقيقة لضمان تحقيق الفوائد المرجوة دون آثار سلبية.
وختم قائلاً : بين الأمل الذي تبثه الوعود، بقرب الزيادة المعاشات المتقاعدين وواقع التأجيل المستمر يبقى المتقاعد الحلقة الأضعف في معادلة معقدة تجمع بين الاقتصاد، والسياسة، والمعيشة اليومية.
هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن ينتظرون اعترافًا بجهودهم عبر زيادة تحفظ لهم كرامة العيش ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن الحكومة وصندوق الضمان الاجتماعي من الوفاء بالتزاماتها قريبًا أم أن المتقاعدين سيظلون أسرى وعود مؤجلة لا تعرف طريقها للتنفيذ السريع لقرار زيادة معاشات المتقاعدين؟