يوميات تاكسيستية..!!
حافة العشق
الناجي الحربي
ربما فكرة ساذجة تلك التي قررتها ذات يوم .. أن أترك سيارتي وأستقل تاكسي.. بلا وجهة معينة.. كنت أريد أن أتعرف على قاع مدينتي التي تغلي.. بلدتنا ليست قرية وليست مدينة.. ليست قرية تتميز بحسن معاملة وتعاون وحب إيثار.. وليست مدينة تغيب فيها مسألة تقييد الأحوال فلا أحد يهتم بأحد.. بل هي بلدة بين البينين.. نكاد نعرف بعضنا بعضا.. ولا نهتم ببعضنا..
بعد ثورة فبراير تغير إيقاع بلدتنا.. أصبحت مزدحمة.. وكل شيء فيها سريع..
عند الإشارة الضوئية يستعجلون كما لو أنهم يحملون ثلجا.. أمام المخبز قلقون.. في طابور الغاز يتململون..
في المصارف تحضر الأنانية وتغادرنا الأخلاق..
استوقفت سائق تاكسي.. هي سيارة خاصة.. ليس بها مقومات التاكسي.. لا عداد.. ولا تسعيرة محددة.. ولا محطة خاصة بسيارات الأجرة..
سائق التاكسي من أول سؤال له.. بدأ في سرد قصة حياته المؤلمة.. هو معلم وأب لسبعة أطفال.. خمسة منهم تلاميذ.. سعر الحقيبة الواحدة بكراساتها وأقلامها ومعداتها الدراسية تصل إلى مائة دينار.. والدته تعيش معه تعاني من مرض عضال.. علاجها الشهري يتجاوز المائتين دينار.. شقيقته فقدت زوجها في الحرب تعيش معه رفقة أولادها الثلاثة…
قبل أن يختتم مرثيته طلبت منه أن يتوقف.. ترجلت فيما كانت دمعة تتدحرج على خدي المتجعدة..
استوقفت سيارة تاكسي كانت بالقرب.. كان بجانب السائق «قيلات» سألته عنها ظنا مني قد نسيها راكب.. على استحياء قال لي:إنها تخصني.. فقدت رجلي في الحرب وتوقف مرتبي فاضطررت للعمل كسائق تاكسي كي أحصل على قوت زوجتي وأطفالي الأربعة.. على الفور أمرته بالتوقف وتركت سيارته وقيلاته وسيرته التي لم تكتمل..
في طريق العودة كان أكثر من سائق يدعوني للركوب أينما أريد لكنني قررت أن أكمل مشواري إلى بيتي راجلا أكتم في داخل صدري عبرة حارة..