وجهة نظر « الغزل و المرأة في الشعر الجاهلي»
للغزل في الإرث الشعري الجاهلي مكاناً واسعاً ، بل يكاد أن يكون الجزء الأكبر من ثروتنا الأدبيَّة، ولدى مطالعتنا لدواوين الجاهليِّين المختلفة، فإنَّنا نقف أمام هذه الحقيقة الواضحة.
وبثَّ الشاعر الجاهلي من خلال مطالع قصائده، عاطفته ومؤدَّى حبِّه من وصلٍ أو هجرٍ، من سعادةٍ أو شقاءٍ، في حين جمع في باقي قصيدته، كلَّ أغراضه الأخرى؛ كما نرى في معلَّقة عنترة، التي لم يكن الفخر فيها بعيداً عن روح الغزل، بل كان منبعه؛ يقول:
”هلْ غادرَ الشعراءُ من متردِّمِ
أمْ هلْ عرفْت الدارَ بعدَ توهُّمِ
يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلَّمي
وعمي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي“.
يُقسم الغزل في العصر الجاهلي إلى غزل صريح حسّي فاحش، وغزل وجداني عاطفي، ولامرئ القيس صور رائعة في الغزل الصريح، فقد بلغ فيه غايةً لم يبلغها من سبقه؛ وحين سُئِل ما أطيب لذَّات الدنيا؟ أجاب ”بيضاء رعبوبة (شديدة البياض) بالحسن مكبوبة، بالشحم مكروبه، بالمسك مشبوبة“.
وهو القائل: ”له الويلُ إن أمسى ولا أمُّ هاشمٍ قريبٌ ولا البسبسة ابنةُ يشكرِ“.
في حين نجد غزل عنترة بن شداد، يفيض رقة وعذوبة، ليقدِّم للتراث العربي نماذج رائعة من الغزل العفيف الوجداني؛ يقول:
”ولقدْ ذكرتُكِ والرماحُ نواهـلٌ
منِّي وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي
هلَّا سألْتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكٍ
إنْ كنتِ جاهلةً بما لمْ تعلمي
يخبركِ منْ شهدَ الوقيعةَ أنني
أغشى الوغى وأعفُّ عندَ المغنمِ“.
ممَّا تقدَم نرى أنَّ المرأة كانت ركناً أساسيَّاً في الحياة الجاهليَّة، وليس لدى الشعراء فحسب، بل أيضاً في جميع مجالات الحياة؛ فهي الحبيبة والأم والأخت والشاعرة والمربِّية، فافتُتِن بها الشاعر الجاهلي أيَّما افتتان، ووصفها في كلِّ مناسبة، وهامَ بها، كما أحبَّها واحترمها وأنزلها المنزلة التي تليق بها .
■ بقلم فاطمة عبيد