رأي

مخزوم حمودة تغدى بهم قبل العشاء به

 

أمين مازن

كان السيد مخزوم حمودة من بين الذين احتفظوا بعضويتهم في المجلس التشريعي الطرابلسي لثلاث هيئات أو أكثر بدأت بالهيئة الأولى التى تلت انتخاب أول مجلس نيابي حيل فيها دون فوز السيد مخزوم كمرشح عن المؤتمر وقد لاحظ عليه، أي مخزوم، بعض زملائه ما كان يلوح على بعض مواقفه من الحذر حين لم يتأكدوا أكثر من مرة ما إذا كان قد حسم موقفه بشأن مسئولية الوالي أمام المجالس التى عارضها بقوة والي طرابلس الصديق المنتصر واستصدر بشأنها المرسوم الملكي القاضي بحل المجلس ويكون حمودة بين الذين أفلحوا في الصمود أمام الغضب الرسمي في أعلى مستوياته، وما ذلك إلا لدقة حساباته الفئوية، فلم يضيع ما بيده على عشيرته ولهذا رأيناه في الدورة الثانية بين أعضاء المكتب وفي أخرى منافساً على المقعد الثاني وفي أخرى يترك التحالف التقليدي بين أولاد الشيخ والُفَّاتير وبالتحديد المعركة التى خاضها رجل الأعمال محمد دخيل ضد الشيخ بحيح والتى انتهت بخسارة الثاني أمام الأول وإن كانت أسرار المرحلة ظلت غامضة أي هل كانت الأسباب عامة أم خاصة..؟، ليبقى مانحن بصدده ألا وهو الإسهام الذي قام به الرجل وحفظته الوثائق و المسلك المتعقّل الذي التزم به منذ منتصف ستينات القرن حتى رحيله وقد ناهز التسعين من العمر وأكثر، إنه الإسهام الذي حفظته محاضر الجلسات العامة وتقارير اللجان وعناوين الأسئلة و الإقتراحات و الإستجوابات، فنجده دائم العضوية للجان العامة و الإستثنائية، تلك التى تمثل عصب المجلس وموضوع ممارسة ضغوطه وأن ذلك ليبدو واضحاً منذ انبعاث الهيئة التشريعية الثانية حين نراه دائب التقدم بعديد الأسئلة التى تنم على قوة متابعته لشدة معاناة المواطن، إن من خلال شرائح محددة كإثارته لموضوع القضاة الذين أحالتهم نظارة العدل على المعاش قبل صدور قانون التقاعد مكتفية بقانون الخدمة المدنية، ذلك القرار الذي رآه مخزوم مجحفا بحق القضاة ولم تفلح ردود نظارة العدل بل ولا حتى اللقاءات الجانبية كي تقنع الأعضاء بقبول المبرر الواهي بشأن الدافع و هو فتح المجال أمام الأجيال الجديدة ليبقى مخزوم وبكل هدوء الأعصاب متمسكا بتخطئة القرار المذكور والذي طُبِّقَ فقط على الليبيين أما نظرائهم في السن من الأجانب فلا يزالون حيث هم وعلى ذات الوتيرة رأيناه يشكك في سلامة القرار المتعلق بنقل بعض المخصصات المالية من أبوابها، أما الإبقاء على صحيفة (طرابلس) و (الكوريرا دي تريبولي) و الإنفاق عليهما من الخزينة كما لم يتردد مخزوم في رفع صوته عاليا بالإستنكار لما في بقاء الصحف الحكومية من قطع الطريق على الصحف الخاصة وما يُنتظر منها تجاه الرأي العام، والأمر ذاته بالنسبة للمبالغ المحالة من الحكومة الإتحادية وغير ذلك كثير مما كان يهم الصالح العام وتحرص عين ذلك الرجل على إثارته باستمرار مما كان يمكن أن يؤسس قاعدة مهمة للوعي العام و الموقف الشعبي الصارم نحو ما كان يشيع في الواقع من سياسات تعوق التطور وتشد الحياة إلى الخلف، وليس من المستبعد أن يكون مثل هذا الوعي المبكر لهذا الرجل هو الذي حدا به إلى الانزواء نحو حياته الخاصة و العيش في مسقط رأسه وجمهور قبائله فلم يلاحظ عليه أي ظهور قام به الكثير من نظرائه الذين طالما التقطت لهم الشاشة الصغيرة ما لا حصر له من الصور التى توثق لحضورهم و تُبين اهتمام أولي الأمر بهم، ربما لإدراكه أن ذلك حين يحصل فلن يزيد في قدره بل العكس هو الصحيح، نعم أنه ليس وحده الذي سلك هذا النهج إلا أن التذكير بهم عند توفر شروط الشهادة يبقى واجب على كل من كُتب له أن يكون بين شهود المرحلة وتوفر له مثل هذا الفضاء، وليشكر الله سعي كل من حفظ سجل تلك الأيام ولا سيما مخزوم حمودة الذي يصدق عليه المثل المعروف (تغدى بهم قبل أن يتعشوا به).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى