وجهة نظر… فَنُ الإضحاكِ
بقلم أمين بورواق
في حديثنا اليوم سنتطرق بإذن اللّه إلى الضحك والإضحاك وفنونه في حياتنا اليومية, بعيداً عن كوميديا التمثيليات والمسلسلات والمسرحيات, فكما لا تخلو الحياة من مواقف صعبة كئيبة حزينة هي كذلك; هي مليئة بالمواقف الضاحكة والمضحكة والطريفة, ولابد من معرفة أن هناك فروقاً كبيرة بين النكت, والسخرية والاستهزاء بالآخرين, فإضحاك النَّاس دون التعرض لهم يسعدهم, ويُكسب رضاهم وودهم, لذا إذا أردتَ أن تنال حبهم لا ينبغي أبداً أن تسخر منهم, بل حبذا لو تُضحكهم دون أن تُحرجهم أو تجرحهم, حتى ولو على سبيل المزاح وهنا يكمن الذكاء. حاول أن تجعل علاقتكَ مع الغير مبنية على الابتسامة الجميلة في وجوههم سواء من تعرفه منهم أو من لا تعرف, فروح الدعابة الجميلة ومحبة إضحاك النَّاس تساهم في دفع وتخفيف ما عليهم من ضغوطات حياتية وتحويلها إلى نوع من المتعة من خلال الدعابة البريئة والفكاهة الجميلة..وقد عرف الإنسان الفكاهة منذ قديم الزمان, فهي حاضرة في كل الثقافات, والفكاهة لا تهدف دائماً إلى الإضحاك فقط, بل غالباً ما تحمل الكثير من الرسائل الإصلاحية النقدية, ولكن هل كل شخص له القدرة على إلقاء النكات وإضحاك الناس? هنا نقول إن خفة الظل والظُّرف من أهم شروط الفكاهي أو الذي يهوى إلقاء النكات, فعندما نطلب مثلاُ من شخصين إلقاء نكتة معينة نجد أن كل واحدٍ منهما يلقيها بطريقته الخاصة; لذا في الغالب قد تجد المتلقي يضحك من واحد دون الآخر, والسبب أن للإضحاك فن ولتذوق وإلقاء النكتة موهوبون. وللنكات أنواع عدة كالنكت المباشرة حيث يعلم الجميع أنك ستلقي نكتة وغالباً ما تكون صعبة في الإلقاء لأنهم يكونون مستعدون للضحك سلفاً وعندما يستعد الشخص للضحك نجده يتوقع شيئاً غريباً ومضحكاً, فلو كانت النكتة عادية نجد ردة فعله الاكتفاء بالابتسام فقط, وهناك نوعٌ لطيفٌ من النكت, وهو النكتة العارضة التي تقال أثناء الكلام من دون أن يقصد قائلها إضحاك الغير, ولكنه هو أيضاً قد يفاجأ بأن النَّاس ضحكوا مما قال, ويوجد نوع آخر وهو ما يكون عبارة عن حوارية تحتوي على جمل مضحكة. كما أن للنكتة توقيت تقال فيه, وهذا مهم جداً, فمن الأدب عدم إلقاء النكت في المناسبات الحزينة أو المواقف الجادة, رغم أنه وفي كثير من الأحيان قد يحدث موقفاً عفوياً ينتج عنه مفارقة تثير الضحك بكل عفوية, ومن دون قصد الإضحاك. كذلك اختلاف ثقافات بعض الشعوب في النكت المتداولة بينهم, مما يدعو في الكثير من الأحيان إلى الاستغراب والتعجب من نكت يضحك منها أصحابها بشكل قد نراه مبالغ فيه, ونجدها في مجتمع آخر لا تُضحك, وبالطبع هذا ناتج عن الاختلاف في الثقافات والعادات والتقاليد من مجتمع لآخر. ولا ننسى نكت الحِرف والمهن التخصصية, وهي نكت لا يفهمها إلا من تكون له دراية بما يتحدثون عنه سلفاً; فلو كنتَ مثلاً تجلس بين جماعة من صيادي الأسماك أو مع مجموعة من الرُعاة, أو تجار المواشي, أو سائقي سيارات الشحن الكبيرة, وصاروا يتحدثون ويتندرون ويضحكون عن موافق طرأت لهم, ترى نفسكَ حينها تبتسم مجاملة; لأنك لا تعرف طبيعة ما يضحكون عليه أو من أجله. هناك بعض التنبيهات ينبغي معرفتها في هذا الموضوع, وهو بالطبع الإضحاك, فعندما يلقي الشخص النكتة ينبغي له عدم تكرار نهايتها أو ذروتها, كذلك لا يجب أن يقوم بشرح النكتة لأن ذلك يفسدها ويجعل المتلقي يشعر بأنك لا تحترم عقله وفهمه, كما أن من أدب الاستماع إلى النكت, أن لا تحاول أن تنتظر أن ينتهي محدثك من النكتة لتبادر أنتَ بإلقاء طرفتك أو نكتتك, فذلك يجعل الآخر يشعر بأنك لم تكن منتبهاً إليه, بل كنتَ تستعد للرد عليه فقط .
.. كذلك لا تضحك وأنتَ تلقي النكتة ولا تضحك قبل انتهائها.. فعندما تقول أي نكتة يجب أن تقولها بصورة جادة ساخرة, ولا تضحك إلا عندما يضحك الآخرون أولاً; فجديتك تجعل السخرية أمراً مضحكاً, حيث تسخر من موقف معين وأنتَ جادٌ جداً فالنَّاس حتماً ستضحك على هذا. وإلى من يهوى إلقاء النكت نقدم بعض النصائح, ومنها ألا تكثر من إلقاء النكات بطريقة متتالية, فهذا سيبين أن الموضوع مصطنعٌ, ولكن اجعل الأمر مسترسلاً بتلقائية عفوية يستلزمها الموقف, حتى يكون للنكتة طعمها ومذاقها الخاص والمضحك, وتجنب إلقاء النكات التي تركز على أشكال أو مظاهر الآخرين حتى وإن كان هذا بشكل إيجابي, وإن لزِم ذلك اجعل سخريتك وضحكك على أخطائك, فعندما تخطيء أو تصاب بخيبة أمل, اسخر من نفسك وفكر كيف تجعل من ذلك نكات ممتعة, كذلك وهذ مهم جداً, وهو اختيار ما هو مناسب من النكت لمستوى المتلقي.