المجتمع المدني مفهومٌ بدأ واضحاً مع ثورة فبراير إلا أنه موجود في ليبيا منذ سنوات وإن كان نشاطه محدوداً ومقنناً ويعتريه التضييق إلا إن بوادره ومناشطه كانت موجودة ففي العهد الملكي كانت هناك منظمات ومبادارات مدنية بما في ذلك الكشافة الليبية والمنظمات النسوية، بالإضافة إلى المنظمات الخيرية. بعد عام 1969، قيد النظام حرية التجمع وحرية التعبير، وقصر نشاط منظمات المجتمع المدني على الأعمال الخيرية. وقد عادت المنظمات الحقوقية للعمل تزامناً مع مشروع (ليبيا الغد) وإنشاء (مؤسسة القذافي العالمية) للجمعيات الخيرية والتنمية في عام 2003 بقيادة سيف الإسلام القذافي التي ضمت تحت مظلتها عديد الحقوقيين البارزين في ذلك الوقت. الأمر الذي تغير وأصبح واضحاً بشكل كبير هو الدور البارز الذي لعبته مؤسسات المجتمع المدني في ثورة فبراير وما بعدها.
منظمات المجتمع والدور القيادي والمشاركة
ففي عام 2011، لعبت منظمات المجتمع المدني دورًا رئيسيًا في دعم الثورة والمراحل الانتقالية، وبشكل أساسي كان دورها أساسيا في تقديم الدعم الإنساني و تعزيز الديمقراطية.
كان لغياب الدولة بعد الانتفاضة الشعبية في 17 فبراير مبررا كافيا لانتشار وزيادة تأسيس الجمعيات الأهلية الخيرية لشغل ذلك الفراغ. فقد اتسمت أنشطة الجمعيات في البداية بالطابع الخيري والإغاثي، وخاصة خلال أشهر الاقتتال ضد قوات القذافي. وانشغلت المنظمات بكل ما تتطلبه المرحلة من تسيير الاحتياجات المحلية للسكان. ولكن سرعان ما تحول نشاط هذه المنظمات إلى جانب نوعي فرضته طبيعة التطور في المرحلة الانتقالية الليبية، فبرزت موضوعات أكثر إلحاحًا مثل رصد انتهاكات حقوق الإنسان، وقضايا العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وحقوق المرأة، ودور الشباب، والانتخابات والتوعية والثقافة المدنية.
في العموم، كان للمجتمع المدني دورٌ واضحٌ في الحراك السياسي. كما تمّ استقطاب العديد من المنظمات للتيارات الموجودة على الساحة، وتركت حالة الفوضى آثارها على النشاط الجمعياتي في ليبيا حيث قتل العديد من الشخصيات النشطة في مجال العمل المدني وتم تهديد شخصيات أخرى وإرغامها على الخروج من ليبيا، ليصاب النشاط المجتمعي القائم على رصد الانتهاكات والدفاع عن الحقوق بضربة موجعة
بعد ازدياد حدة الصراع المسلح عام 2014 واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء، وقد شهدت السنوات التي تلت هذا النزاع تراجعا كبيرا في عمل منظمات المجتمع المدني حيث اضطر معظمها إلى إيقاف أعمالها أو الانتقال إلى خارج البلاد خوفاً على سلامة نشطائها حفص قناص عملها وتوقف لسنوات تم عادت المنظمات للعمل بشكل أكبر واكثر تنظيما مع عام 2016.
القوانين التنظيمية للعمل المدني
منذ انتفاضة فبراير وحتى الآن، لا يوجد قانون ينظّم المجتمع المدني في ليبيا حيث تم تعطيل قانون الجمعيات رقم (19) لسنة 2001. وما يطبق حاليا هو عبارة عن ضوابط تنظيمية فقط. فآلية التسجيل لهذه المنظمات مرّت بمراحل مختلفة باختلاف مؤسسات المرحلة الانتقالية. ففي البدء، كانت عملية التسجيل تتم بشكل تلقائي إلى أن تم إيلاء المكتب التنفيذي (أول سلطة تنفيذية بعد 17 فبراير) مهمة تسجيل المنظمات، وشكلت بموجب ذلك لجنة بهذا الخصوص. وكان على المنظمات الراغبة في الإشهار التسجيل بإرفاق مستندات خاصة بمحضر التأسيس والنظام الأساسي، مصدر التمويل، المكان، والتعهد بعدم استخدام الجمعية فيما يخالف القانون وبأن يكون هدف الجمعية بعيدا عن العنف والعنصرية والتمييز [16].. بعد إعلان تحرير البلاد في أكتوبر 2011، تولت وزارة الثقافة والمجتمع المدني في الحكومة الانتقالية عملية تسجيل الجمعيات. وقد تم لاحقًا تأسيس مركز دعم مؤسسات المجتمع المدني التابع للوزارة. وتم تسمية مجلس إدارته بتاريخ 7/2012 بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (12) لسنة 2012 [17]. كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 649/2013 بتعديل اسم ومركز دعم مؤسسات المجتمع المدني إلى مفوضية المجتمع المدني، ويكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة. كما نص على دعم مؤسسات المجتمع المدني فنيًا وتقنيًا ولوجستيًا، فضلا عن تنظيم عمل المنظمات الدولية التي ترغب بالعمل في ليبيا بالتنسيق مع الجهات المختصة وفق القوانين واللوائح المعتمدة
ارقام ومؤشرات
من خلال رصد الدور الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في كل مناحي ليبيا وحسب آخر التقارير المسجلة الصادر عن مفوضية المجتمع المدني، بلغ إجمالي عدد منظمات المجتمع المدني المسجلة في ليبيا 5415 منظمة، 37 منها في طرابلس، و20 في بنغازي و3.4 في سبها. ووفقًا للتقرير، فإن غالبية منظمات المجتمع المدني هذه تعمل في مجال الأعمال الخيرية بنسبة 14. 52 و 11.83 تعمل في مجال التنمية الاجتماعية، بينما تعمل 9.39 في إصلاح القانون وحقوق الإنسان.
المنظمات المدنية والتحديات
مؤسسات المجتمع المدني والعمل الخيري والتطوير تحكمه جملة من القوانين وتحدد مسارات ابعاد تقيس مدى اهميته وجدواه منذ فبراير والى الان والمجتمع المدني يواجه عدة تحديات للتباحث قدرته على رصد وتغيير الواقع إلى الأفضل فحسب مؤشر الاستدامة لمنظمات المجتمع المدني CSOSIلمنظمة FHI360 الذي يقيس مدى استدامة عمل المنظمات المدنية، من خلال تحليل سبعة أبعاد وهي البيئة القانونية والتنظيمية التي تحكم قطاع منظمات المجتمع المدني. وقياس مدى الاستدامة المالية، و تحليل قدرة قطاع منظمات المجتمع المدني على التأثير على السياسة العامة من خلال حملات المناصرة وكسب التأييد، وأخيراً فهم الصورة العامة لقطاع منظمات المجتمع المدني.. وأوضح التقرير الخاص بليبيا بأن مؤشر الاستدامة الخاص
الخاص بمنظمات المجتمع المدني قد تدهور بشكل طفيف خلال العام 2019، حيث كان للحرب على طرابلس تأثير سلبي بسبب تعقيد عملية تقديم الخدمات الأساسية وأزمة السيولة النقدية، وقد اتضح ذلك في الأبعاد الخاصة بالبيئة القانونية، والسلامة المالية، والمناصرة، والتي تكمن في:
1. البيئة القانونية: شكل غياب قانون ينظم شؤون المجتمع المدني تحديا حقيقيا للقطاع، حيث أن القانون رقم 19 لسنة 2003 لا يزال ساريا على نشاطات القطاع، بالإضافة إلى عدد قليل من اللوائح التنفيذية والمراسيم الصادرة عن السلطات التنفيذية التي تقيد أنشطة منظمات المجتمع المدني بشكل كبير، حيث يخضعها فعليًا لرقابة الحكومة عند تلقي المساعدات المالية وفتح الحسابات المصرفية ومزاولة نشاطها. ويمنح السلطات الحق في حل منظمات المجتمع المدني التي لا تلتزم بهذه القاعدة دون إعطاء أسباب واضحة.وهذا بعد حد من نشاطها بدلا من دعمها
2- الاستدامة المالية: استجابة للحرب على طرابلس، تحولت أولويات المانحين الدوليين إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية وقد أدى ذلك إلى اقتصار أنشطة منظمات المجتمع المدني على تلك المتوافقة مع برامج المانحين الدوليين. كما أعاقت مشكلات تحويل الأموال إلى البنوك الليبية وصعوبة فتح حسابات مصرفية عمل الكثير من المنظمات في الداخل.
3- المناصرةو الانحياز: أدى انقسام السلطة التشريعية إلى استحالة إجراء أي تغييرات في السياسات أو القوانين، بالإضافة إلى ذلك، ليس لدى معظم منظمات المجتمع المدني قنوات اتصال مباشرة مع صانعي السياسات للتأثير عليهم لوضع برامج إصلاحات.
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، قامت منظمات المجتمع المدني بدور جوهري في الحرب الأخيرة وفِي أزمة النازحين، منظمات مثل منظمة الهلال الأحمر والكشاف والجمعيات الخيرية التي جهزت ودعمت العديد من العائلات النازحة والعائلات محدودة الدخل في ظل غياب مؤسسات الدولة.
كل هذه الجهات تحت مظلة المجتمع المدني التي هي مطالبة من المجتمع والجهات المتابعة لها والرقابية أن تفعل الكثير وتحدث التفسيرات بين عشية وضحاها خاصة في الوقت الذي تعترف به قيادات الدولة بعجزها عن إيجاد عصا سحرية لحل مشاكل الخدمات العامة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، فلماذا نتوقع أبئر الأمنيات بحوزة هذه المنظمات؟ الأجدى العمل على توفير البيئة الملائمة لعمل هذه المنظمات وزيادة قدراتها التنظيمية، بداية من دراسة مشروع قانون المجتمع المدني المعد من قبل خبرات قانونية ليبية في عام 2013 والعمل على تعديل القرارات التنفيذية التي تقيد أعمال القطاع رغم دوره الجوهري في السنوات الأخيرة، وكذلك إعطاء أهمية كبرى لوضع سياسات مالية داعمة لتمويل هذه المنظمات للتقليل من اعتمادها على دعم المانحين الدوليين وكذلك العمل بمبدأ الشفافية والفرص المتكافئة للحصول على الدعم من الشركات . إحدى السيدات أمينة الهلالي معاكسة لإحدى الجمعيات الخيرية قالت…خطوة جيدة أننا نشارك في صياغة القانون الذي سيطبق علينا لأننا المتضرر الأول منه، فقد ناقشنا في السابق قانون الانتخابات و قانون المجتمع المدني ونأمل أن تكون مؤسسات المجتمع المدني «صوت الشعب بالضغط على الجهات المختصة للعمل على مصلحة الوطن والمواطن»
أما عبير من جمعية القلم الحرا (غير حكومية) اوضحت أن الدولة لا ينبغي ان تسن قانونا يحد من صلاحيات المجتمع المدني، حيث أن بعض مواد القانون تلزم بمسك الدفاتر(مراقبة السجلات)، وينبغي احداث هيئة مستقلة منتخبة من مؤسسات المجتمع المدني، تراقب هذا المجال، وليس هيئة حكومية تتدخل فيه وتحاول السيطرة عليه.
محمد العوام ناشط في إحدى المؤسسات المدنية قال بان التحديات بعد فبراير كبيرة على مؤسسات المجتمع المدني وان دور المفوضية مهم لدعم نشاط وحضرتك المجتمع وتكبير دائرة العمل الأهلي و التطوعي في ليبيا البدء كانت فبراير ونحن نعمل لأهداف أكبر من مجرد الحضور بل المشاركة وتحريك عجلة الوحدة ونبذ الفرقة وتوعية المجتمع وتحقيق المصالحة والوطنية
اما علياء النائلي منخرطة في إحدى الجمعيات بالجنوب قالت دور المجتمع المدني في ظل الانقسامات يبدو واضحا من خلال مانجو الدولة عن تحقيقه والمؤسسات أعلنت النازحين وقدمت المساعدات في كل ومن كل المناطق وهذا تحدي في حد ذاته رغم ما تتعرض له الجمعيات ونشاطها من تخوين وتفكيرك ومحاصرة
يتكرر التساؤل عن دور المجتمع المدني في الأزمات التي تمر بها ليبيا، ولا يخلو الأمر من التخوين والتتفيه للجهود التي تقوم بها المنظمات المدنية الليبية. ويجدر بالذكر أن المنظمات تعمل في ظل الانقسامات السياسية، النزاعات المسلحة والعجز الكامل من الدولة على تقديم الخدمات العامة
دور المرأة في المجتمع المدني وقيادته
إن من أهم المكاسب بعد فبراير 2011 هو تمكين المرأة الليبية من المشاركة في الحياة المدنية، حيث كانت في طليعة العمل التطوعي، لا سيما من خلال منظمات المجتمع المدني والتي كانت نسبة مشاركتها بها تتجاوز 41 ٪ من عدد المتطوعين في ليبيا، و للمرأة دور خاص في حيوية المجتمع المدني حيث انخرطت في عدة مجالات الخيرية منها والحقوقية والاجتماعية والبيئية وغيرها من المجالات، فكونت العديد من المنظّمات النسائية، فكما نلاحظ أن المرأة ناشطة بشكل كبير في تقديم الخدمات والأنشطة التي تمس محيطها المحلي، خاصة القضايا التي تمس المرأة، فساعدت النازحين والمحتاجين وقدمت الدعم النفسي والمادي للعديد من المتضررين من الحروب وساهمت في نشر الوعي حول أغلب القضايا التي تمس المواطن على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي كذلك موجودة بقوة في شبكات الضغط والمناصرة والتحشيد وإقامة التظاهرات، فوفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2013 فأن المرأة الليبية تتفوق على المرأة التونسية في معدل انخراطها وتكوينها لمنظمات المجتمع المدني النسائية.
أن النشاط الملحوظ للمنظّمات النسائية وتميز المرأة الليبية كمؤسِّسة وقائدة للعديد من المنظّمات، ساهم في خلق التباس حول تكوين تلك المنظّمات أهي نسوية التركيب أم نسوية الأهداف؟ حيث أشارت سجلات مفوضية المجتمع المدني أن 7% من ال
من المنظّمات في ليبيا مؤسسيها فقط من النساء والتي عددها 360 منظّمة، تنشط 15% منها فقط في مجال تمكين ودعم المرأة وهذا يجعلنا نميل إلى أنها نسوية التركيب أكثر من أنها نسوية الأهداف، فمجال الأعمال الخيرية كان الأكثر رغبة لديها بنسبة 17.36%، يليه مجال تمكين ودعم المرأة بنسبة 15%، وفي المرتبة الثالثة مجال الخدمة الاجتماعية بــ 9.66% .. بالرغم من النسب الجيدة لمشاركة المرأة الليبية كمتطوعة بمنظّمات المجتمع المدني تظل مبادرتها في التأسيس ضعيفة مقارنة بالرجل، فعدد النساء المؤسِسات لمنظّمات المجتمع المدني في ليبيا وصل مع نهاية عام 2018 إلى (9211) ناشطة مدنية، أي بنسبة مشاركة 20% من العدد الكلي للمؤسسين، وهذا يشير إلى أن المرأة الليبية بشكل عام تواجه في صعوبة أخذ المبادرة والتقدم لتأسيس منظمات المجتمع المدني، وهذه الصعوبة تتفاوت من مدينة لأخرى فمثلا في المدن المرج، والخمس، والزنتان سُجلت أقل نسب مشاركة للمرأة في التأسيس بــ 4.26% ، 5.28%، 5.46% على التوالي في حين شهدت المدن جالو وغدامس وزوارة ومرزق أعلى مستويات المشاركة المدنية للمرأة الليبية في تأسيس المنظمات بـ 55%، 41.83%، 31%، 30% على التوالي وبشكل عام تعتبر مدن المنطقة الجنوبية أكثر انفتاحاً على انخراط المرأة الليبية في منظمات المجتمع المدني مقارنة بمدن الشمال، أما ما يخص قيادة المرأة لمنظمات المجتمع المدني فترتفع إلى أعلى نسبها في مدينة غات بــ 31.25%، وتنخفض إلى أقل نسبها في مدينة الكفرة بـ 13.64%، في حين تأتي الزاوية وصبراتة في المرتبة الثانية والثالثة بنسب 30.61% ، 29.63% على التوالي، كما تنخفض نسبة قيادة المرأة لمنظمات المجتمع المدني في كل من طرابلس وبنغازي بــ 20.91% ، 19% على التوالي