النضال المدني قبل الاحتلال الايطالي.. سيّر وأحداث
خالد الهنشيري
اخذ النضال في ليبيا شكلا وطنياً بعد احتلال مصر وتونس وتولدت عزيمة مفعمة بالانخراط في النضال ضد الاستعمار أمام خطر واقعي شكلته الدول الغربية على ولاية طرابلس الغرب، بعد أن أسست جمعية الفرنسيسكان عام 1816 في طرابلس أول مدرسة تبشيرية كان التدريس فيها باللغة الإيطالية بدأت تتضح معالم وتطلعات إيطاليا الاستعمارية.
كوّن «أحمد النائب الأنصاري» و»إبراهيم سراج الدين» و»حمزة ظافر المدني» حلقة نضالية انتهجت أسلوب نشر المعارف في الولاية، يكون قوامه نشر المعلومات الصحيحة عن النشاط الاستعماري للدول الأوروبية في الدول التي احتلوها، فقرروا إنشاء جمعية خيرية رسمية لنشر المعارف تقوم على الاشتراكات الطوعية، بدأت تتكون عبر تخصيص قاعة للمطالعة، ولإقناع الوالي التركي تذرعوا بأن أمثال هذه القاعة موجودة لدى اليهود والجاليات المسيحية، وقبل البث في أمر إنشائها بشكل رسمي كان منظمو الحلقة يجتمعون بأول المشاركين فيها في مقهى «مصطفى لاغا الأرضروملي» ، واستخدموا قاعة المقهى للقراءة وفي العادة كان يجتمع فيها قرابة 10 أشخاص، وإلى جانب المعلومات التثقيفية التي كانوا يتدارسونها في الجغرافيا والتاريخ كانوا يتبادلون خلال جلساتهم معلومات حول الأحداث التي تجري داخل البلاد وخارج حدودها.. وظهرت خلال تلك النشاطات فكرة تأسيس جمعية سرية هدفها ردع الخطر الاستعماري الأوروبي، وبعد فترة وجيزة وضع «إبراهيم سراج الدين»ميثاق الجمعية الجديدة، وتوسعت دائرة واجبات أعضاء الجمعية السرية ووصلت أخبارها إلى حاكم ولاية طرابلس فوضعوا أعضائها تحت المراقبة، واعتقل سراج الدين والأنصاري والمدني عام 1882 واستمر التحقيق معهم لأربعة أشهر إلى أن تم إبعاد أحمد الأنصاري وحمزة المدني إلى اسطمبول ، وحكم على إبراهيم سراج الدين بالإعدام.. رغم أن الجمعية لم تعش طويلا إلا أن نشاطها وميثاقها تركا أثراً عميقا على التطور المقبل للأحداث في ولاية طرابلس الغرب، فالأهداف والمهام التي وضعتها الجمعية أخذت تتحقق لاحقا سواء تحت ضغط الأهالي، وأيضا بسبب التهديد الجاد بضياع الأملاك الأخيرة للإمبراطورية العثمانية في أفريقيا.
فخلال السنوات(1902- 1908) بدأت الإمبراطورية العثمانية تولي أهمية كبرى لقضايا التعليم في ليبيا، ولم يكن سبب ذلك متطلبات تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل هو ردة فعل على التنامي العاصف للمدارس التبشيرية التي أقامتها الدول الأوروبية في الولاية خاصة ايطاليا وفرنسا، كل هذا فاقم من خطر الاستعمار.
وبدأ واضحاً تزايد ونمو الوعي الوطني وفقاً لازدياد التوسع الاقتصادي للمستعمرين الطليان، وقد ناضل أصحاب المشاريع في الولاية للدفاع عن مصالح الرأسمال المحلي، فكانت العريضة المقدمة من 220 من الأهالي الميسورين في طرابلس إلى حاكم الولاية التي أشاروا فيها إلى أن منح الامتياز للإيطاليين لبناء ميناء طرابلس والخط الحديدي نحو المناطق الداخلية سيكون أمراً محفوفاً بالمخاطر وسيلحق بالدرجة الأولى ضرراً بالغاً بالتجارة والرأسمال المحللين في البلاد.