لنفكر في إستراتيجية وطنية للتصدي للتطرف.. د. فائزة الباشا
قال في كتابه الحكيم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وللتطرف تعريفات متعدَّدة تختلف باختلاف زاوية الرؤية التي ينظر من خلالها الباحث أو الشخص المهتم ووجهة النظر التي يتبناها هذا الشخص أو ذاك، تؤثر في تقييمه للآخر ونظرته للآخر واحترامه لحقوقه والتسامح معه أو عدم التسامح وهو بشكل عام خروج عن الأعراف والمفاهيم العامة والتقاليد والسلوكيات المتعارف عليها، وقد يكون الشطط والغلو في بعض السلوكيات، وكثير من الاحيان الحيد عن الحق قد نتفق على ذلك أو نختلف بحيث تكون هذه الأفعال غير مبررة، حيث يبنى التطرف في الغالب على أفكار غريبة ومتشددة تدفع شخص ما إما لتكفير الآخرين،ـ أو البعد والابتعاد عن الوسطية والاعتدال هذا بالنسبة للتطرف في ما بين المسلمين، إلا التطرف ليس كما يحبذ البعض استخدام إسلام فوبيا.
من المعلوم أن التطرف هو زيادة في الحد لأي شيء، وهو الغلو في كل شيء سلوك البشر، وللتطرف أشكال وصور مختلفة وبالتالي فإن بعض من المتعصبين اليمينين وخلافهم في الغرب ينظرون إلى الإسلام على أنه إسلام فوبيا وينتقدونه ولا يحبذون أن ينتشر هذا الدين، لذلك يختلف تعريف التطرف من مجتمع لآخر حسب الأفكار السائدة، كما يختلف من بيئة إلى بيئة أخرى فيمكن أن يكون أحد الأشخاص متطرفاً في مجتمع ما، وغير متطرف في مجتمع آخر.
كما لا يوجد اتفاق بين بعض العلماء على مفهوم الوسطية في الإسلام ناهيك على من جعلوا أنفسهم رسولا لتقويم سلوك غيرهم، وابتعدوا عن منهج النبي صل الله عليه وسلم القائل «» إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحداً إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدجة «.
فلا يقبل الميل إلى طرف دون آخر ولا يسمح بطغيان طرف على طرف آخر، فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير، وكما قيل الوسط فضيلة بين رذيلتين وقد قيل أيضاً خير الأمور أوسطها
إن شباب المسلمين يواجهون تحديات كثيرة، والتقدم العلمي، الذي منحهم آفاقاً جديدة وحياة إفتراضية، دفعت ببعضهم إلى أحضان المتشدّدين، وبسبب الظروف الأمنية التي تعيشها ليبيا وعدم الرقابة على المناهج التعليمية في بعض المدارس، ناهيك عن السماح لأشخاص غير معلومة توجهاتهم لتدريس أبنائنا سيكون له مردود سلبي في المستقبل القريب.
لقد تكالبت علينا الأمم أكرمكم الله بما في ذلك الفضاء الافتراضي وما يعرف بالذكاء الاصطناعي الذي يستغل العقول فيما لا يتفق مع قيمنا الإسلامية، وتسبب عدم الاستقرار في ظهور صور جديدة للتطرف منها التطرف السياسي لمن يشبتون بالسلطة ولا يفتقرون إلى ثقافة التداول السلمي للسلطة.
نحتاج اليوم إلى وقفة صادقة وجادة من النفس من أجل التفكير في الأجيال الحالية والمستقبلية، إن التصدي للتطرف بمختلف صوره وأشكاله، يستدعى إقرار استراتيجية وطنية، تطور المناهج التعليمية لترسيخ مبادئ التسامح والقبول بالآخر وضمان حقوقه الإنسانية، مناهج تحفز الفكر لا تعتمد على التلقين ولا تمانع الغش، وأن نتصدى للأفكار الدخيلة المتشددة وأن نعتمد الحوار أسلوباً للتفاهم، لا شرعنة القوة خارج إطار القانون مما يعد نهجاً متطرفاً.
إن مواجهة آثار التطرف يتطلب تعاون كافة الوزارات والأجهزة الأمنية، للحد من انتشار الجريمة والإرهاب في المجتمع، ومواجهة أي تيار يحاول فرض سياساته على الآخرين بقوة السلاح والغوغائية، وإيجاد حلول حقيقية اقتصادية لإدماج الشباب ومواجهة الفساد بمختلف صوره واشكاله، الانهيار الاقتصادي في المجتمع، وخلق آليات لإدماج المواطن الليبي المتطرف في المجتمع، ولأجل الحيلولة دون انهيار منظومة القيم المجتمعية يتعين إيجاد حلول للداعشيات غير الليبيات وابنائهم، المتواجدات بالسجون أو من أفرج عنهم دون متابعة حقيقية، ممن رفضت دولهم استلامهم لأسباب أمنية وتركت مسؤوليتهم لدولة هشة أمنياً.
التطرف الذي يهدد استقرار الوطن يتمثل في عدم رأب الصدع بين الليبيين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وفي عدم مواجهة من يهدد الهوية الوطنية ويترك للمعالجات الدولية الواهية الأولية فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين، وهي ظاهرة ستهدد الاستقرار إذا لم تعالج بإجراءات تضبط إقامة الأجانب ودخولهم، ولا تكفل الدولة ميزانيات بإيوائهم داخل مراكز احتجاز، أو تحول السلطات الليبية لشرطة لحراسة حدود أوروبا.
من المؤكد أن المتطرف لا يعرف نفسه أنه متطرف؛ (ديني ـ اجتماعي ـ اقتصادي ـ سياسي ـ نفسي) (سلوكي، وجداني، معرفي ـ فكري). فالبعض يعتقد بان المثلية والإلحاد والعلاقات خارج إطار الزواج حقوقاً جوهرية، وهي سلوكيات متطرفة لأنها تتعارض مع شريعتنا الإسلامية، فما السبيل لحماية أبنائنا؟ من التشدد والغلو في أي إتجاه، الذي لن يكون له مردود إيجابي، وقد يجدوا أنفسهم ضحايا أو جناة يرتكبون التطرف العنيف الذي يعد صورة من أخطر صور الإرهاب لأنه يستبيح قتل النَّاس وإرعابهم وإرهابهم وتهديد شعورهم بالأمن والاستقرار، وهو ما حظره الله عز وجل في قوله تعالي (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) صدق الله العظيم