المسؤولية الجنائية للسياسيين والقادة.. د فائزة الباشا
يفلت القادة والمسؤولين من العقاب بحجة أن لا علم لهم بما يرتكب مرؤوسيهم من جرائم، ويبرر إفلات المرؤوسين من العقاب بعذر أن الفعل ارتكب تأدية لواجب، وخاصة في النظام العسكري حيث يبرر المرؤوسين عدم مسؤوليتهم إنهم كانوا ينفذون تعليمات الرؤساء غير القابلة للنقاش، الأمر الذي تم تداركه في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي صادقت عليها ليبيا وأصدرت القانون رقم (10) لسنة 2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز، وتقرر تجريم ومعاقبة؛ كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها.
وأكد على مسؤولية الرئيس الذي قد يكون قائد عسكري شرعي أو غير شرعي لا أهمية لذلك، أو مسؤول سياسي أو إداري، إذا كان ” على علم بأن أحد مرؤوسيه ممن يعملون تحت إمرته ورقابته الفعليتين قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب جريمة الاختفاء القسري”، كما يسأل الرئيس عن فعل مرؤوسيه إذا تعمد إغفال معلومات كانت تدل على ذلك بوضوح، أو أنه (المرؤوس) كان يمارس مسؤوليته ورقابته الفعليتين على الأنشطة التي ترتبط بها جريمة الاختفاء القسري. كما يسأل إذا “لم يتخذ كافة التدابير اللازمة والمعقولة التي كان بوسعه اتخاذها للحيلولة دون ارتكاب جريمة الاختفاء القسري أو قمع ارتكابها أو عرض الأمر على السلطات المختصة لأغراض التحقيق والملاحقة” .
وأكدت الاتفاقية المصادق عليها والقانون المشار إليه أنه ” لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري.” ، إعمالا للمادة 5 من القانون الذي جاء فيها : “يعاقب بذات العقوبة كل مسؤول سياسي أو تنفيذي أو اداري أو قائد عسكري أو أي شخص قائم بأعمال القائد العسكري إذا ارتكب الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة قوات تخضع لإمرته وسيطرته أو موظف تابع له في حالة تبين أنه لم يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع ارتكابها أو كشفها مع قدرته على ذلك أو حال بأي وجه من الوجوه دون عرضها على السلطات المختصة بالتأديب أو التحقيق أو المحاكمة.”
وبناء على ما تقدم يسأل القادة والمسؤولين السياسيين والتنفيذين والاداريين والعسكرين، وكل من تولى مهام القائد العسكري ولو لم تعترف به الدولة، عن جريمة الاخفاء القسري التي تتحقق بها جريمة الاحتجاز التعسفي، وجريمة التعذيب المادي أو المعنوي، بوضع المحتجز في أماكن غير إنسانية وحرمانه من حقوقه، وجريمة الحرمان من الحقوق، يقصد ب ”الاختفاء القسري“ في الاتفاقية المشار إليها ” الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون” ، وتتحقق به بحسب القانون المشار إليه جريمة خطف إنسان، أو جريمة حجزه أو جريمة حبسه دون سند قانوني ، أو جريمة حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع.
كما يسأل من تقدم ذكرهم و ” كل من قام بنفسه أو أمر غيره بإلحاق معاناة بدنية أو عقلية بشخص معتقل تحت سيطرته لإجباره على الاعتراف بما ارتكبه أو بما لم يرتكبه” أو ارتكبت الأفعال السابقة ” بسبب التمييز أيا كان نوعه، أو بسبب الانتقام أياً كان الدافع”.
ولم يغفل المشرع الليبي تجريم السكوت عن جريمة التعذيب، إذا كان الشخص الذي لم يمنعه أو لم يبلغ عنه كان لديه القدرة على إيقافه. وجرم حرمان أي انسان من حق من حقوقه بسبب انتمائه لفئة أو جماعة أو منطقة معينة أو بسبب جنسه أو لونه، وهي جريمة تحقق إذا كان الضحية مواطن ليبي أو وافد أو مهاجر غير شرعي إذا حرم حق من حقه مثل تكليف محامي للدفاع عنه، أو الحق في مترجم.
كما يسأل كل موظف عمومي ومسؤول سياسي أو تنفيذي أو اداري أو قائد عسكري أو أي شخص قائم بأعمال القائد العسكري قام هو، أو القوات الخاضعة لإمرته وسيطرته، أو موظف تابع له، بماديات أي من تلك الجرائم، أو لم يتخذ ما يلزم من تدابير لمنع ارتكابها، أو كشفها مع قدرته على ذلك أو منع بأي وجه من الوجوه عرضها على السلطات المختصة بالتأديب أو التحقيق أو المحاكمة، وهو ما يعد تسترا على جرائم مرؤوسيه.
وتتراوح العقوبات المقررة للجرائم السابق بيانها، بين السجن من 3 إلى 15 سنة، الذي يشدد في حده الأدنى إلى السجن مدة لا تقل عن 5 أو 7 أو 8 سنوات إذا توافرت الظروف الموجبة لتشديد العقاب الواردة بأحكام القانون المشار إليه.