الفساد الأخلاقي والدور الغائب للأسرة.. لفائزة الباشا
ضعفت رقابة الأسرة على أبنائها مما تسبب في تزايد ظاهرة إنحراف الشباب وكذلك الأطفال من الجنسين الذكور والإناث، وإرتفاع نسبة التعليم بين الآباء والأمهات ــ لا كما هو حال الأجيال السابقة ــ لم يمكنهم من الاضطلاع بدورهم تجاه الأبناء؛ فالطفل يأتي بسلوكيات تصنف كتحرش قانونا بتقبيله لزميله في الفصل دون مبرر أو داعي أو مضايقته وهو طفل متأخر في دراسته لاهتمام الأهل بالماديات لا بتأمين الحنان والحب وتقوية منظومة القيم الأخلاقية لديه، وطفلة تحضر معها مادة مخدرة لأن الأهل يتاجرون بها ويتعاطونها، وآخر يعتدى بالضرب على معلمه، والمدرسة مغيبة لفقدانها العلاقة المميزة بين المدرسة والطالب والتلميذ، أو تعامل الطفل والشاب كعدو لها، غير قادرة على احتواء ومعالجة سلوكه المنحرف، لإعادته إلى الحاضنة الاجتماعية التي فقدت القدوة في مجتمع متعولم يعتمد على التقنية بعيدا عن رقابة الوالدين، أو ان الوالدين أنفسهم يستخدمون التقنية ومختلف مواقع التواصل كمراهقين ، مما أثر سلبا على الجيل الحالي، الذي ترك للألعاب الالكترونية العنيفة، أو التي تروج للمثلية، ومناهج تعليمية أجنبية خارج نطاق سيطرة وزارة التربية والتعليم ثبت سمومها لتفكيك المجتمع الذي بات يعاني من التطرف أقصى اليمين أو اليسار.
أطفال وجدوا أنفسهم في مهب الريح، إحدى عشر عاما يستيقظون على أصوات الرصاص، وقطيعة الأرحام بين الاخوة وأبناء العمومة، الخطف والتعذيب والاخفاء القسري، وبات الغش والنجاح حق واستحقاق، للطلاب الذين لن يتوانوا عن ضرب معلمهم المتشدد من وجهة نظرهم لأنه يخشى الله، ويعمل بقول نبينا صل الله عليه وسلم من غشنا فليس منا.
أما الشباب من الذكور فلا يتوانون عن مضايقة البنات أثناء خروجهن من المدارس ولا يهتمون باستثمار طاقاتهم بل بهدرها بصورة قد تنتهي بهم إلى الانحراف وارتكاب جرائم، وذلك للحرية التي تمنح للذكر بعد البلوغ أو لانشغال الأهل بهموم الحياة ومتطلباتها وعدم قيام المجتمع بدوره لمساعدتهم بتأمين النوادي الثقافية والرياضية اللائقة والمدربين الأكفاء وخلق روح اجتماعية لتواصل الشباب من الجنسين تحت رقابة الأهل، وفي أجواء صحية بعيدا عن الانغلاق الذي لا يقود إلا لمزيد من الانحراف، وإزداد الأمر سوءا بخلق مجتمع طبقي، عائلات تملك المال بوسائل مشروعة وغير مشروعة، تستعين بخدم لتولى أمور ابنائها وتعلمهم بالمدارس الخاصة سواء ذات التوجه الديني الذي اعتمدت بقرار من المؤتمر الوطني ومناهجها خارج سيطرة الوزارة كما ذكرت، وأخرى أجنبية لا تختلف عن المتشددة دينيا، ليخلق جيل مشوه لا نعلم ما سيكون مستقبله ومستقبل وطنه، بالابتعاد عن دين الله الوسطي.
لقد تزايدت معدلات التسرب من المدارس ،وارتفعت معدلات العنف بين الشباب في المدارس والشارع لأسباب تافهة، واعتدي الطالب على معلمه في مدارس التعليم الأساسي وكذلك الجامعات، فكم عضو هيئة تدريس تم الاعتداء عليه لان طالبة لم تجتاز امتحانها، بمعرفة صديقها المسلح، وانفرط عري العلاقة الأسرية بسبب غياب الوالدين المعنوي ناهيك عن الغياب المادي ؛ وللأسف قد يتواجد كلاهما بالمنزل إلا أن تواجدهما الشكلي لا يؤثر بالإيجاب في الأبناء؛ بل قد يكون له تأثير سلبي عندما يفقد الاحترام بين الزوجين ، ويصف كل منهما الأخر بأبشع الأوصاف في حضور البناء الذين قد يتم استخدامهم كوسيلة للتأثير والضغط من إحدى الطرفين متناسين الأثر السلبي الذي سيتركه على الطفل، ونتهم كل منا الآخر بالتقصير ولا ننظر في أنفسنا وما نرتكبه من أخطاء في حقها ؛ وفي حق الأشخاص القريبين منا؛ ولا نبالي بما يلحق المجتمع من ضرر لأن الإنسان غير السوي يؤثر على محيطه، ولا فرق بين حملة الشهادات العليا أو الشهادات الدنيا أو من لا يحملون مؤهلا تعليمي ؛ لأن ما ارتكبه بعض الأساتذة من إساءة في حق أبنائهم أو زوجاتهم لا يختلف عما يرتكبه غير المتعلم ، لذلك فأن الجوهر هو الثقافة التي لا تقاس بالشهادات العلمية بل بالمستوى الحضاري للإنسان الذي ينأى بنفسه عن صغائر الأمور ويهتم بعائلته و لا يقبل على نفسه استغلال أبنائه أو الإساءة إليهم .
إن الطفل يكون فكرة العدل لديه منذ حداثته باحتكاكه بمحيطه، وتنمو لديه الفكرة الأخلاقية، ومحورها الفضيلة في السلوك والتعامل، “لاكتساب السلوك القويم يأتي من خلال تعويد النفس عليه بإتباع السبل المستقيمة العادلة ممارسة لا قولاً فالفضيلة (فعل محمود لا قول معسول)».
إن تنظيم المدينة، والحياة الاجتماعية وتنمية الفضيلة والدعائم الخلقية وتوفير التربية المدنية وتدعيم العلاقة الأسرية وضمان العمل واحترام المعلم والأكبر سنا، هي السبيل لإحلال السلام لأجل بناء مجتمع سليم آمن يتقي الله ولا يفسد في الأرض، لتكون البيئة التي يترعرع في ظلها الإنسان، هي المسكن الطبيعي الذي تنمو فيه الشخصية ويكتسب فيه القيم والمبادئ السلوكية، ويعمقها التعليم من خلال بيئة تعليمة تربوية فاعلة.
لذلك فان تأهيل والدي المستقبل أو الفعليين بات ضرورة؟ وكذلك تدريب وتأهيل المعلم ليكون مربياً لا لأبنائه في البيت فقط بل وطلابه المسؤول عنهم.