الفن وسحر الواقع: خريف الدالي.. همسات الريشة
يسرد الفنان عبدالرزاق الدالي في معرضه الشخصي الأول (الخريف)، الذي احتضنته دار كولاج للأعمال الفنية، المدة الماضية منابت رؤيته الأثيرة وهي تتساند على وقع مسارات عدة من الواقعي، إلى التعبير ي، وصولا إلى التجريد.
وقد نحت الدالي عبر 57 لوحة نفائس عصارة تجاربه اللونية ومشاهداته للحياة والناس، وهو لا يبث تلك الانفعالات المدونة في قاموس لوحاته الاباستنطاقها على أرضية تمنح للوقت فرصة الاسترخاء الطويل، بغية شحذ اكبر قدر ممكن من وهج الذائقة، إضافة إلى استثمار ابعاد البيئة المحلية في الفلكلور، والوجوه، والتراث، ومشاهير الفن والثقافة.
فرادة لونية
وهو يتجه من ذلك للانشغال بتقنية التشكيل وفضاءها في لعبة الظلال والالوان، مانحا للوحة (الفرسان) مثلا إطلالة تنتقي إضاءة بانورامية، نقاط الالتقاء بين انتباه الفرسان وحركة الخيول، أيضا التباين بين لوني (الجرود) و الأرضية والخيول تضعك في قلب الواقعية والتناص مع مشاهد أخرى محفورة في قلب ذاكرة المتلقي.
و تلتقي أيضا مع مسحة وجه العجوز المتفكر في مشاغل الدنيا وهمومها، انها ترحل بعيدا في فضاءات أحلامه وصباه ثم ترتد إلى حيث يحضر الاني الضاغط على زناد الوقت وضرورات العيش. ولاتمضي هذه الالماحة الا لتقف عند اقواس المدينة القديمة ودروبها وهي تغازل هدير أمواج المتوسط.
لا يخلص الدالي في واقعيته الا ليتشبع بمفرداتها وخصائصها متواصلا بعدها مع التجريد الذي يمنحه دفقا آخر من الابحار في مسالك الألوان، هي كما يقول تجربة جاءت تتويجا لرحلته مع التفاصيل لتصبح هذه التفاصيل رافعة للاطلالة على الموضوعات والأفكار في صيغتها الفلسفية، اي نقل لغة الريشة من الوضوح إلى الإبهام طلبا لتفسير مرادف يراه الشريك الآخر (المتلقي) الباحث عن مفاتن التأويل.
هذا الشغف المتحرك على أكثر من أرضية ينبعث من خلاصة أربعة عقود جاور فيها الدالي الريشة وخاض تجاربه بكل جرأة.