لعنة الأجيال.. لمحمد الرحومي
لم أتعرض لاستفزاز بحجم ما تعرضتُ إليه في هذا الموقف .. كما لم أشعر يومًا بأنني ضبطتُ نفسي متلبسًا بالخيبات وبعقم الاجابة أكثر من هذه المرة منذ عقد من الزمن المعلوم .. الحكاية توهجت عندما كنتُ متجهًا صوب العروس البائسة طرابلس صحبة زوجتي وأبنائي.. حيث كانوا يتجاذبون أطراف الحديث كلما مرَّرنا بمشهد مهم على حواف طريق الشط.. وكنتُ أنا كأي سائق منتبهًا حد الذهول في قيادة السيارة التي أصبحت أشبه بالمهمة الهوليودية .. سيارة مسرعة تجتازك من اليسار وأخرى تفاجئك من اليمين.. وسائق آخر يمنحك إيحاءً سيئًا جدًا باحتمال وقوفه وسط الطريق ليتركك عرضة لصدمة قوية من الخلف.
سار مشهدنا بهذه الضبابية حتي صعدنا فوق كوبري الودان و واجهتنا بناية الفندق الخرساني الضخم الذي بقي مهجورًا طيلة العقد المنصرم .. وإذا بابني حسام المشاكس صاحب روزنامة من الأسئلة المتسارعة والتعجيزية يسأل والدته :
.. ماما هذا حوش كبير لمنو..
اجابته والدته إنه فندق يا حسام..
حسام.. وعلاش ماتموشي خلوه من غير رواشن وبيبان وزواق؟
أجابته بقلق لقد سرقوا كل الأموال ولم يبقَ شيء..
أحس حسام بأن أجوبة والدته لم تمنحه فرصة مغادرة هذا السؤال إلى سؤال غيره، وعلى الفور قذف بالسؤال ذاته إليَّ أنا ..
يابابا ليش ماتموشي الفندق هذا…؟
كنتُ علي يقين بأنني لا أملك إجابة تنهي هذا الجدل مع أحد الأجيال التي ستحاسبنا بسؤال أشد وطاة عند مليك مقتدر .. إلا أنني ظللتُ تحت ضغط رهيب يفرض عليَّ البحث عن إجابة مقنعة وفورية عن سؤال ابني حسام .. لم أغادر السياق ذاته، وأكدتُ له بأنهم سرقوا كل المال ولم يبقَ شيء ..
وعلى الفور .. انتزعت ذاك المايك المتسلط عليَّ من إبني حسام وطلبتُ منه الانتباه إلى باقي المباني الأخرى وأن يدعني وشأني أقود السيارة في خضم هذه الفوضى المرورية .. ظلت كلمات ابني مسيطرة عليَّ تضعني وكل جيلي في قفص اتهام هذه الأجيال التي ستلاحقنا لعناتها عندما يشتد عضدهم وتقوى عزائمهم حيث لن يجدوا عندها إلا الخرسانات المهجورة .. حسام حفظه الله ورعاه نموذج لجيله وهو الآن يخطوا خطواته الأولى في المدرسة ولا يعلم هل ستكون مراحله التعليمية مثل ما رآه من مبان بقيت مزعجة فقط..
أصبح كل شيء في هذا الوطن مبنيًا للمجهول ولم يبقَ لنا إلا قولة المرحوم العزيز أحمد الحريري تفاؤلاً :
قولوا يا رب