أمين مازن يكتب.. تجربتنا الصحفية ومجلة ليبيا الحديثة
كثيراً ما يدفعنا تقديرنا أو رفضنا المسبق أو اندفاعنا الناتج عن ردة فعلنا فنحكم على المُنجز قبل الإطلاع عليه، كما حدث لي شخصياً مع مجلة ليبيا الحديثة التي قُدِّرَ لها أن تُنشأ بمقتضى اقتراح تقدم به الأستاذ محمد بن زيتون مع إلغاء النظام الاتحادي و استلامه الإدارة العامة للمطبوعات، و حلول الأستاذ خليفة التليسي على رأس الوزارة و تكليفه الأخوين رجب لملوم و نجم الدين بإصدار العدد الأول و ربما الثاني حتى برزت فكرة تأسيس مجلة الرواد كي تكون شهرية فكرية لتتحول ليبيا الحديثة إلى مجلة مصورة أسبوعية و إن بدت نصف شهرية، هي حُجة اقتضتها ظروف المنطقة و طبيعة الوزارة و جمعها بين الثقافة و الإعلام، و شروط الخبر القائم على الصورة و الخبر معا، و دمج هذا الأخير بالدعاية للفعل و المسئولين، فاعتبر الكثير من العاملين في الحقل الصحفي ممن لم أكن خارجهم أن الخطوة جاءت قصد الدعاية و ليس التعريف، و عدم ترك المجال أمام الصحف الأجنبية و العربية، مستأثراً بالقارئ الميّال للصورة، و يومئذ أخذ المشروع في التطور و لا سيما عندما استلم المجلة الثنائي الصالحين نتفه و فرج فليفل تزاماً مع تطور الصحف الخاصة و أبرزها الحقيقة والحرية و الميدان وهذه الأخيرة التي انحزتُ إليها و وفّرت أوسع المجالات و كتبت بها و ما يزال محفوظاً بهذا الفضاء و ذاكرات الكثيرين و من تلاهم من الأجيال اللاحقة و المُنصفة و من وجد بها ممن لم يعدم الاحتفاظ بما يقع بين يديه كما حدث مع نزار مختار البنغازي أحد أصدقاء الأبناء الذي احتفظ بأحد مجلدات مجلة ليبيا الحديثة عن سنة 1968 و هي السنة التي شهدت بها ليبيا مرحلة تحول حرص القائم بها على تجنّب هذا المصطلح إعلامياً كما يشهد هذا المجلد و ما احتواه من المجلات التي حفلت بما لا حصر له من الأخبار و المتابعات و المحاورات التي يمكن للقارئ المدقق أن يقف على مستوى التفكير و التعبير الذي توفر عليه ذلك الجيل الذي أفلح في التسلل إلى مصادر القرار فامتلكه بالكامل و حرص على التعبير عنه ليس فقط على لسان من ترأس الحكومة فاختلف عن سابقيه فيذهب إلى محاولة الإلغاء، و إنما من الإصرار على إكمال المشوار من منطلق تقدير السلف بالنظر إليهم كآباء و المرؤسين كأخوة، لتبقى هذه المادة الصحفية المكتوبة كلمات و الملتقطة صورة، و كلها دلالة على درجة الوعي و ملامح الاطمئنان و إن في شيء من التوجس الذي يستطيع كل من ألمَّ بما جاءت به الأيام في ما لا يزيد عن السنة من تحامل على العهد قبل مساءلة الذين من يُحتمل أن يكونوا قد أجرموا فيه، حتى أن عملاً صحفياً مثل هذا العمل ظل بعيداً عن أكثر إن لم أقل كل الذاكرات المدعوة إلى استدعاء المرحلة و الاستفادة من شواهدها الدالة كما تشهد الحوارات التي أُديرَت مع عديد الرموز من كبار المسئولين الذين كان همّهم الحذر من سيطرة اليأس القاتل و التواضع غير المبرر و التنكر لما يجري إلى حد الاستخفاف بالحقيقة، و سيجد المختصون من الدارسين و الواعون من الموجهين أن ما يحتويه المجلد يمكن أن يوفر أقوى الشواهد المفيدة لإنجاز الكثير من مشاريع التخرج و الحصول على أقوى الدرجات العلمية و أكثرها جدوى في الحياة العملية و مستوى التفكير حول البترول و البريد و التوعية و الحكم المحلّيِ و المواصلات و الدفاع و الاقتصاد و الزراعة ممن لم يجمع بينهم سوى الوطن و التطور الوظيفي، و الأهلية الناتجة عن التأهيل الجيد، و أشهد أنني حمدتُ الله كثيراً أن سخّرَ لي هذه الصدفة التي أتاحت لي الاطلاع و إملاء هذه الكلمات مع الترحّم على الصحفي صالحين نتفة و الفنان فرج فليفل دون إغفال جميع الأسماء و مسئولياتهم كافة.