الروائية المترشحة للقائمة الطويلة للبوكر العربية عائشة ابراهيم:الرواية ليست لـعبا على العـواطــف وتجسيد بطولات وهمية
ضيفة الملحق لهذا العدد روائية ليبيَّة تميزت من رواياتها الأولى كتبت رواية “قصيل” 2016. و“حرب الغزالة” 2019 و العربية،و رواية «صندوق الرمل» 2022. ايضا كتبت في القصة والمسرح وفازت بجائزة الدولة ، ووسام الابداع من وزارة الثقافة الليبية
وعلى المستوى العربي وصلت روايتها “حرب الغزالة” إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” العام 2020 ووصلت هذا العام روايتها صندوق الرمل ايضا الى القائمة الطويلة للبوكر
هي الروائية عائشة ابراهيم كاتبة مهمومة بالسرد الروائي وتبرع فيه، وماتكتبه ينم عن كونها قارئة ممتازة ولاتعوزها الثقافة ولا القدرة على تطويع خيالها لسرد تجتمع فيه مواصفات الكتابة الروائية
كان لنا معها هذا الحوار.
–أجواء رواياتك مختلفة ولكن يجمعها أنها متخيلة وتعالج أزمنة مختلفة
لماذا نلاحظ غياب صوت الراوي الحقيقي أي غياب الذات؟
الخطاب الروائي يحكمه منطق معقد يرتبط بطبيعة وخصوصية الرواية من جهة، وبحساسية المؤلف وقدرته على المناورة في الحدود المتاحة من جهة أخرى، وبالتالي من الصعب تحديد صوت الراوي وفقا للمزاج أو الرغبة الشخصية، فالسرد بضمير المتكلم له تأثير كبير على القارئ باعتباره يصبح مشاركاً بل ومهيمناً على مجريات الأحداث، فيما تموضع الراوي خلف ضمير الغائب يتيح فرصة التحرك بحرية، كما يتيح السرد بضمير المخاطب مساحات لإشراك المتلقي في الأحداث بتقديمها من خلال الآخر، وهي جميعها أنماط لتوظيف السرد وفق الرؤية التي تخدم النص، وبالنسبة لي استخدمت جميع النماذج في أعمالي سواء الروايات أو القصص القصيرة، غير أنني سأشير هنا إلى نموذجين من نصوصي وهما حرب الغزالة وصندوق الرمل، حيث اخترت السرد بضمير الغائب، لم يكن هناك مفر من ذلك لطبيعة وخصوصية الموضوع في كل منهما رغم إدراكي بأن الأمر يتطلب حيوية وجهدا أكبر مما لو استخدمت صوت الذات، مع التزامي باستخدام رؤية محايدة لا يرى فيها الراوي أكثر مما تعرفه الشخصيات، وأضع في الحسبان وأنا أتعامل مع هذا الضمير بأن هنالك فرق كبير بين الراوي المحايد الذي يحترم ذكاء القارئ وقدرته على الاستنباط والتحليل والراوي الذي يطل من بين السطور معبراً عن وجهة نظره المنحازة تجاه قضية أو موقف ما.
2 –النص المكتوب حسب امبرتو ايكو
هو تلكَ الآلة الكسولة التي تتطلبُ من القارئ تعاوناً معَ الكاتب،
الى اي مدى تعولين على وعي القارئ
او بصيغة تانية هل تكتبين لنوع معين من المتلقين؟
من شروط نجاح اللعبة الفنية للرواية أن تعمل على مستويات من السرد تخاطب درجات وعي المتلقي، ولكي تكون الرواية ناجحة يجب أن تتخلص من علاقتها بالوقائع والأحداث التي تسردها في زمن ومكان معين، ويتسع أفقها إلى أزمنة وأماكن وحيوات ومجتمعات أخرى، فيكون للقارئ أينما كان، أثره وتأويلاته وأسئلته التي تشارك في بناء النص، بالتالي لا أستطيع القول بأنني أكتب لنوع معين من المتلقين ولا أن أنفي ذلك، ولكن مؤكد أنني انشغل بالقارئ وبجميع مستويات الوعي والتلقي من خلال تعدد مستويات الخطاب، طبعاً هذا يظل مرتبطاً بسلطة التأويل. التعدد في مستويات الخطاب يرتبط باللغة واللغة هي الأداة السحرية التي تتناسل فيها المعاني، والمعاني أحيانا لا يجب أن تقال مباشرة، بل تضاء حولها مساحة كاشفة لا يصلها إلا قارئ ذو وعي خاص، لهذا يظل الرهان هو القارئ، وما يصل إليه من النص فهو ملكه، ومالم يصل فهو ملك لقارئ آخر.
3–ماذا عن صندوق الرمل روايتك الجديدة؟
تجربة مؤلمة تورطت فيها قبل أن أبدأ بكتابتها وكان لابد أن أكتبها، حالة وجع إنساني أمام جرائم لم تسقط بالتقادم، هناك أعمال كثيرة كتبت حول حقبة الاستعمار الإيطالي لليبيا، وكثير من تلك الأعمال تم تسطيحها بنظرة أحادية لا تفي بمعايير النظرة الموضوعية والاقتراب من الحقيقة أو إنتاج المعرفة التي يجب أن يوفرها النص الروائي، الرواية ليست لعبا على العواطف وتجسيد بطولات وهمية وملاحم أسطورية نسوق فيها وعي القطيع للإيمان بفكرة مسبقة، الرواية يجب أن توفر رؤية شمولية للمواقف وتترك للقارئ أن يبني أحكامه، ولهذا عندما كتبت صندوق الرمل كان الراوي في منطقة محايدة يستدعي الظروف المحيطة بالأنا والآخر، بالجندي الإيطالي وهو قادم إلى طرابلس محملاً بهمومه وانكساراته ورغباته وتهويماته عن الأمجاد والحضارية، بالضحية الليبية بالفقر والبؤس والقهر والتهجير والموت بأشكال متعددة. كان لابد من تقديم معادل موضوعي يخلخل القيم والثوابت لنرى بوضوح المسكوت عنه في حقبة الاستعمار التي تجسدت في محورين لم تتطرق إليهما السرديات الليبية سابقاً، الأول أن الجنود الطليان كانوا ضحية آلة الحرب وحملة التحشيد الإعلامي المخادع والأطماع السياسية لمشروع روما الاستعمارية، والثاني: النساء الليبيات، المئات من الضحايا اللاتي اقتادوهن من بيوتهن إلى مستعمرات العقاب في الجزر الإيطالية وقضين نحبهن في البرد والعراء دون أن تحاول السلطات ولا حتى أهاليهن معرفة مصيرهن المجهول كأنهن عار لابد من طمسه حتى لا تتوارثه ذاكرة الأجيال.
لمن تقرأين في الرواية على المستويين المحلي والعالمي؟
لا أدعي أنني قارئة مثابرة للأدب كما يفترض بكاتبة عليها أن تخصص روتين ساعات يومية للقراءة ، ربما لأن طبيعة عملي تستوجب القراءة في مجال السياسة والانتخابات، بما يتطلب ذلك من بحث ومتابعة وبناء خبرة، كما أن كتابة المحتوى في الإعلام والتثقيف الانتخابي تستهلك مني الوقت والجهد الفكري.. ربما أكون قد استفدت من القراءات المبكرة في عقود سابقة من عمري لروائع الأدب الكلاسيكي لهمنغواي وفيكتور هيغو وتشارلز ديكنز وديستوفسكي، مروراً بأهرامات الرواية المصرية، نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس، ومحطات أخرى مع جبران خليل جبران وغادة السمان، ودواوين نزار قباني والسياب والشابي.. وفي السنوات الحالية أفضّل قراءة أعمال ماركيز وأليف شافاك، كما أحرص على قراءة جميع الروايات الليبية الجيدة منها والمتواضعة، وطبعا مع ميزة القراءة الالكترونية أتابع ما يتيسر من الأعمال العربية.
أحك لنا عن تجربتك مع البوكر؟
لجائزة البوكر سحرها الخاص ونجوميتها،
التى يسعى إليها الكاتب، فهى تحقق له الانتشار فى وقت قصير، حيث لن يصبح عليه أن يبحث عن وسائل للترويج عن روايته، فبمجرد الإعلان عن القائمة الطويلة يبحث القراء عن الروايات المضمنة فيها، وفى زمن قياسى يصل العمل إلى أماكن ما كان ليصل إليها لولا هذا الترشح. ولكن تجربة وصول روايتي حرب الغزالة وصندوق الرمل إلى قائمة البوكر بقدر ما هي مبهجة لأنها أوصلت صوتي وصوت الرواية الليبية إلى المحافل الكبرى في مدونة السرد العربي، بقدر ما هي مؤلمة أيضاً، فلجنة التحكيم تعاملت مع الرواية على أنها رواية تاريخية تنقل إرث وتاريخ الليبيين، دون تقدير للعناء الذي يتكبده الكاتب في بناء عالم روائي متخيل خاص به يؤثثه من خياله وينسج له أحداثا وأساطير خاصة به، رواية حرب الغزالة نص مخاتل وتحتاج إلى قراءة أكثر تبصّراً. هي تبدو للبعض روايةً تاريخيةً، وهذا إجحاف للعمل، فالرواية التاريخية تعتمد على مادة جاهزة من الأحداث والمواقف يقوم الكاتب بإعادة صياغتها في قالب أدبي مع ترميم الفراغات والهوامش المنسية، ويعتمد نجاحها عل مدى قدرة الكاتب على تنسيق ومعالجة المادة وإضفاء جوانب التشويق والمحسّنات اللغوية. لكن في رواية «حرب الغزالة»، لم تكن هناك أي مادة على الإطلاق، لسبب بسيط أن الزمن المتخيّل للرواية هو زمن بعيد جداً يقع في غياهب المجهول، في العصر الحجري الوسيط منذ ما يزيد على سبعة آلاف عام، ولا وثائق أو مصادر تاريخية تتحدّث عنه، لأنه سبق عصر الكتابة بآلاف السنين. وطالما لا توجد مادة جاهزة مقروءة أو منقولة، لا يمكننا أن نعتبرها رواية تاريخية بالمعنى الدقيق. حرب الغزالة لم تأخذ من التاريخ إلّا الوعاء الزمني وبعض الثوابت العامة بالاستناد إلى كرونولوجيا العصر الحجري. وبالتالي،
فهي عالم متخيّل بالكامل بجميع أحداثها وشخوصها وطقوسها.
حتى الأساطير نفسها بالرواية كانت نسجا خاصا لي، والنقاد يعلمون مدى صعوبة بناء أسطورة وصياغتها لغويا بما يتوافق مع بناء السرد الأسطوري، كل ذلك تم نسفه ببعض الآراء التي لا تستطيع أن تكون نظرة موضوعية عن السرد التاريخي والسرد التخييلي، ربما لأن ضخامة الفعل التخييلي بالرواية لم يكن متوقعا، وخاصة لكاتبة مغمورة من ليبيا كدولة لم تكن قد برزت بعد بشكل جيد في المنافسات الكبرى، وتم التعامل بظلم صارخ مع “حرب الغزالة” على أنها رواية تاريخية نقلت تاريخ ليبيا القديم واستندت على الأساطير الخاصة بالمنطقة. .
لقد كان هدفي من الخوض في تلك المنطقة الصعبة، هو تحدّي الرواية التاريخية القائمة على الوثائق، والعودة إلى أبعد ما يمكن من الزمن لإنتاج نوع آخر من الرواية تبدأ من نقطة الصفر، من العدم، قبل اكتشاف الحرف، حيث لا وثائق، لتصبح هي نفسها وثيقة تحيل إلى زمن مجهول لم يخُض فيه أحد من قبل، بشروط الواقعية التي تحقق مصداقيتها بما لا يتصادم مع التاريخ.
–غياب الجسد في رواياتك ما تفسيره؟
لا أظن أن رواية تحمل تجربة إنسانية وشخوص متفاعلين بعلاقات حميمية يمكن أن تكون خالية من الجسد وتمظهراته، فالعلاقة بين النص الأدبي والجسد من الصعب تلافيها ولكن التعامل مع الجسد موضوع شائك وحساس ولا أحب استغلال الجسد كوسيلة لتسويق العمل لكي يحظى بالانتشار كما يحدث غالباً في كثير من الأعمال العربية، لكن أيضا هذا لا يعني غياب الجسد في رواياتي، صحيح أنني لم اتعامل مع الجسد على أنه مشاهد وتفاصيل مادية، بل شبكة من المؤثرات التي يترجمها وعي القاريء بدون الحاجة إلى تقديمها بشكل مبتذل، لم يكن هدف نصوصي تقديم الجسد كفسحة مجانية بقصد استدراج القارئ بل في رأيي يجب أن يؤدي الجسد إلى فكرة أو يقين أو تجربة نفسية بعيدا عن الابتذال والفجاجة.
–مالذي ينقص الفن الروائي في ليبيا؟
مازال المشروع الروائي في ليبيا لا يسير بشكل جاد وإن كان طموحاً إلى حد ما، الغالبية، وأنا منهم نكتب بمزاجية وحسب ما يتاح لنا من وقت، كما أن الوظيفة وملاحقة مورد المعيشة تستهلك جهدنا، الدولة لا تستثمر في المبدع بحيث توفر له منحة ليتفرغ للكتابة أو مكان مجهز بوسائل الراحة، هذا كلام يبدو سخيفاً جداً ومثيراً للسخرية إذا ما تم طرحه رسمياً أمام المسؤولين، بلادك تنتظر منك أن تكون مبدعاً عبقرياً تريد منك أن تكون متميزاً
وترفع اسمها في المحافل لكنها لا تقدم لك شيئاً لتحقق ذلك، كما أن الكاتب نفسه عليه أن يقدر مسؤوليته تجاه مشروعه بالاستمرارية التي توفر التمرين للوصول لأعمال أكثر جودة.
–هل هناك افكار لرواية جديدة؟
لا يخلو الأمر فدائما هناك أفكار لكنها لم تختمر بشكل كاف، كما أنني أؤمن بفكرة أن أفضل أعمالي هو ما لم أكتبه بعد، وبالتالي يجب أن تحقق روايتي الجديدة نقلة نوعية في مسيرتي، وأن تكون مختلفة ومتميزة عن تجاربي السابقة.