– قلما يُشاهد واقفاُ أو أنني بالأحرى لاأتذكر كل وقت معرفته به أنى شاهدته واقفاً .. اللحظات القليلة التى شاهدته واقفاُ وأتذكرها ..كانت مجرد لحظات يتأهب فيها للجلوس على أول كرسى .. فمن المألوف انه ــ ودائماً ــ مايختار أول كرسي للجلوس عليه …وأنه محنك ضليع في انتقاء أفضل الكراسى وأجودها .. خبير في اتخاذ الوضعيات والانحناءات المفتعلة التى تتوافق مع آلية وضع رجليه المدروسة باتقان .. واتكاءة مرفقيه بشكل لايترك مجالاً لاستبعاد حقيقة استعداده المسبق لرسم شكل معين لطريقة جلوسه والتى لا يتركها للعفوية والاكتفاء بمجرد الجلوس.
عادل أبو جلدين
منذ نعومة أظفاره وفى البدايات الأولى إبان سنوات الدراسة تعود دائماً ملازمة الدُرج … لم تكن تستهويه فكرة اللعب أو الانخراط فيما يُبعده عن الجلوس …. ورغم غبائه وعدم تميزه إلا أنه يختار دائما الجلوس فى الصفوف الأولى في حين أن أكثرنا يختار الصفوف الخلفية لنكون فى منأى عن أسئلة الأستاذ وعقابه في أحيان كثيرة … لم يفارقه هذا الشغف حسب ماأتذكر واللحظات القليلة التي يضطر فيها إلى الخروج من الفصل كان يصنع لمؤخرته كرسياً في الباحة لحين عودته إلى كرسيه الأول في الفصل . لم أتعجب كثيراً حين فرقتنا الأيام وسمعت أنه تقلد منصباً ما … كنت أدرك أن سعيه نحو المنصب كان بدافع حبه الطفولي وهوسه الأزلي بالجلوس على الكراسي .. لم أستغرب أيضاُ حين كانت تصلني الأخبار عن تنقله بين المناصب المختلفة واتباعه كل الطرق التى تقوده الى شغل أى كرسي.. ولم تشأ الظروف ان اراه ( متكرسياً) خلف مكتبه لكن المرات القليلة التى مرق فيها بسيارته من أمامى جعلتني اتيقن من بريق الرضا المطل من عينيه واتكاءة مرفقه على باب السيارة الفارهة فقد كنت أدرك شغف مقعدته وتآلفها مع الجلوس على الكراسى مؤخراً علمت بأنه قد أًبعد عن كافة المناصب والكراسي التى كان يشغلها وقابلته حينها مصادفة … هذه المرة شاهدته واقفاً وكأنه يتعلم الوقوف لأول مرة ..انهارت السنون فجأة على ظهره… وشاخ قبل الأوان … منهكاً يجر أقدامه فى تثاقل ويتعثر في مشيته التى بدت كخطوات طفل يغامر بخطواته الأولى المرتبكة… لا أنكر نظرتى المتلصصة نحو مؤخرته التى ألفيتها قد انبسطت لكثرة اعتيادها على ملازمة الكراسي فبدت تضاريس الكرسي راسخة عليها و ماثلة للعيان وشاهدةً على مؤخرة عزيز قوم ذلت.