عدم التكيف مع الحياة الجديدة يــــــــــــــــــــــؤدي إلى تدميرها
الكل سيفارق، بحياةٍ أو بموتٍ..
ولكن فراقًًا عن فراقٍ يختلف.. ففراق الموت يترك لوعةً وشوقاً دائماً، وذكرياتٍ جميلة تبقى مع الإنسان حتى الممات..
أما فراق الحياة فيختلف وينقسم، فهناك فراق يترك أملاً دائماً باللقاء، ولهفة لدى المتفارقين..
وفراق يترك خراباً ودماراً، وينخر في جسد المجتمع، وعواقبه وخيمة..وهذا الفراق هو الطلاق، أبغض الحلال..
وشرّع الله الطلاق وأحله عند استحالة استمرار العشرة بين الزوجين، ووصول كل محاولات التصالح للتعايش إلى طريق مسدود..
والطلاق لا تكون آثاره على الزوجين المتفارقين فقط، بل تمتد إلى الأبناء، وإلى أهل الزوجين، وكذلك إلى المجتمع عامة..فالأبناء بعد الطلاق يفقدون المظلة الأسرية الجامعة لهم في كنف الأبوين، واهتمامهم ورعايتهم، ولذلك آثاره النفسية والاجتماعية الوخيمة..
وتكمن الآثار المجتمعية للطلاق في انفراط عقد الأسرة، التي هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وكذلك تحمل المجتمع (الدولة) للآثار المترتبة عن الطلاق، من قضايا ومحاكم، ونفقات إعانة للمطلقات، وغير ذلك الكثير مما يثقل كاهله..
والطلاق هو نتيجة عوامل متعددة أهمها فقدان الاحترام والاهتمام بين الزوجين.. وذلك بسبب عدم دراسة أحدهما للآخر دراسة وافية، ومعرفة كل شيء عنه قبل الزواج..
وخلال العقود الأخيرة ظهرت أسبابٌ كثيرة للطلاق من بينها عدم التكافؤ الفكري، والمادي، والاجتماعي، بين الزوجين، وكذلك عدم القدرة على تحمل المسؤولية الأسرية، والمبادرة بتقديم التنازلات البسيطة ليسير مركب الأسرة بآمان.
ملف الطلاق وازدياد نسبة حالاته خلال السنوات الأخيرة، يحتاج إلى وقفة جادة، وتكاتف الجهود من كافة شرائح المجتمع ومؤسساته، للحد من آثاره السلبية .. واهتمت دراسات عديدة بقضية الطلاق، وبينت تلك الدراسات أن أبرز العوامل والأسباب المؤدية إلى الطلاق، تكمن في بعض العوامل النفسية والذاتية المتعلّقة بالزوج أو الزوجة، والتي منها:-
الرغبة في تعدد الزوجات مع عدم العدل، والفارق في السن بين الزوجين، والأوضاع الصحية، والجسمية، والنفسية التي تعيق الفرد عن دوره الأسري، والانحرافات السلوكية والانحطاط الأخلاقي، وضعف الواعز الديني..
ومن هذه الأسباب ما يتعلّق بالزوجة، مثل كراهتها للرجل والنفور منه، وعدم القدرة على الإنجاب، وعجزها عن الوفاء بدور الزوجة، فتهمل شؤون البيت، ولا تطيع الزوج ولا تحترمه، وتسمع التحريض من صديقاتها أو قريباتها، ولا تفعّل العواطف، أو تمارسها على أرض الواقع..
كذلك عدم تكيّّف الزوج، أو الزوجة مع الحياة الجديدة بعد الزواج، والغيرة المّرضيّة التي تؤدي إلى إثارة الخلافات والمشكلات، ومن خلالها تنعدم الثقة بالطرف الآخر..
أيضًا عدم الالتزام بالجانب الترويحي والترفيهي للأسرة، مما قد يصيبهم بالضيق، والتوتر، والاضطرابات النفسية. وعدم النضوج العمري، واكتمال الخبرة للزوجين لا يساعد على تحمّل المسؤولية الزوجية، والزواج في سن الشيخوخة لا يساعد على تكوين علاقة زوجية ناجحة .. أما الأسباب الاقتصادية، والاجتماعية، فمنها:-
ضعف الدخل، وعدم استطاعة تحمّل تكاليف المعيشة، وعدم القدرة على تأمين السكن والوفاء بمستلزمات الأسرة، واستقلال المرأة بدخلها الشهري، ونزولها لميدان العمل وعدم تبعيتها للزوج، والاختلاف في المكانة الاجتماعية، سواء أكانت مكتسبة، أم موروثة (مكانة الأسرة – المكانة الوظيفية – المكانة التعليمية)، واختيار كل منهما للآخر لمصلحة مادية، وعدم بناء الاختيار على أساس هدف الزواج السليم، وعدم التوافق في الفكر والمستوى الثقافي والنظرة إلى الحياة، وعدم احترام الشروط المتفق عليها بين الأطراف..
وهناك أسباب أخرى تساعد على ارتفاع معدلات الطلاق منها:-
العادات الخاطئة التي تتبعها بعض الأسر أثناء فترة الخطوبة، وعدم معالجة المشكلات بعقلانية وتروٍ، وعدم قيام أحد الزوجين، أو كليهما بتنفيذ المهام المطلوبة منه داخل الأسرة، وكذلك تدخل بعض أفراد أسرة الزوج، أو الزوجة في شؤون الأسرة، مما قد يفسد العلاقة بينهما، والاختلاف الكبير في السلوك العام بين الرجل والمرأة في بعض القدرات النفسية والعقلية، مثل الطباع والانفعالات وغيرها، وعدم القدرة على تحمّل المسؤولية الأسرية، سواء الزوج أو الزوجة، لتكوين الأسرة، وتربية الأبناء في ظل المتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية، التي تنقل الأفراد، والأسرة من حال إلى حال.
وهناك أيضًا صراع الأدوار بين الزوج والزوجة، فكل منهما يريد لعب الدور الأساسي في الأسرة والسيطرة، خاصة إذا شاركت الزوجة في الدخل الاقتصادي للأسرة، وارتباط الزوج، أو الزوجة بأسرتيهما، من حيث السكن، أو القرارات التي تخص حياتهما، فالأسرة تقوم بدور كبير في حياة الفرد في مجتمعنا، حتى إذا لم يكن يسكن داخل الأسرة، ولكنه يرتبط بها عاطفيًا وسلوكيًا، فالأسرة مؤثِّرة جدًا في قرارات الأفراد والأزواج، وكثرة المطالب التي لا يتحمّلها طرف من الآخر، وهذا قد يؤدي إلى خلاف، ومن ثم الطلاق، وطغيان شخصية أحد الزوجين على الآخر بشكل ملموس مما يؤجّج الخلافات بينهما..
وللطلاق تأثيرات مختلفة على المطلقين، حيث يؤثر على المطلقة، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى ضغوط نفسية عليها، مثل: الشعور بالندم، ونقص الإحساس بقيمة الذات، ومرارة الفشل في الحياة الزوجية، وفقدانها لهويتها لتكون زوجة، وعدم احترامها في كثير من المجتمعات، بالإضافة إلى الشعور بعدم إتاحة الفرصة لها بالزواج مرة أخرى..
أما الآثار النفسية التي تصيب المطلق، فتتمثّل في: إصابته بالسلبية تجاه النساء بشكل عام، فيعتريه الخوف بأنه سوف يُرفض من قِبل النساء الأخريات بعد الطلاق، فيُصاب باهتزاز الثقة في نفسه في إنجاح الحياة الزوجية مرة أخرى، وعدم الثقة بالمرأة لتكون زوجة، وينظر إلى النساء بأنهن من صنف واحد، وكثيرًا ما يلقي باللوم على النساء، بأنهن السبب في عدم نجاح الحياة الزوجية..
وتترتب على الطلاق بعض الآثار الاجتماعية على المرأة، مثل:
النظرة السلبية للمطلقات من أفراد المجتمع، وعدم الإقدام على الزواج من المطلقة، حتى ولو كانت صغيرة في السن، ويُنظر لها كأنها ارتكبت جريمة، والشكوك لدى بعض أفراد المجتمع بأن المطلقة تكون عرضة للانحرافات السلوكية أكثر من غيرها، مما يجعلها أكثر تعرضًا للمراقبة الشديدة المستفزة المؤذية في بعض الأحيان .. ويُشْعِر المجتمع المطلقة بأنها صاحبة سابقة، وينظر إليها بعدم الاحترام والتقدير، وكأنها هي السبب الأساسي في الطلاق، والنفور من المطلقة، وهذا نتيجة توجه اجتماعي محسوس، فالمتزوجات المستمرات في الزواج سواء أكنّ صديقات، أم قريبات، أم زميلات، وغيرهن، ينفرن من المطلقة وذلك لشعورهن بأنها مسببة لمشكلات يمكن أن تنتقل إليهن، وهذا اعتقاد خاطئ ولكنه سائد بين أوساط النساء، والمطلقة تكون معرّضة للّوم والتجريح، من أفراد المجتمع على طلاقها..
أما الآثار التي تقع على الرجل، فهي أقل نوعًا ما من التي تقع على المرأة: فبعض الأسر ينظرون إلى المطلق على أنه إنسان لديه مشكلات، فيتخوفون من زواجه، فكلمة (مطلق) تضع عليه وصمة، مما يؤدي إلى التعامل معه بحذر..
وتوضح الدراسات أن الآثار المترتبة على الطلاق بالنسبة للأطفال تكمن في إصابة الأبناء بتشتت بين الأب، والأم. ويصابون بسوء التكيف النفسي والاجتماعي. والفشل دراسيًا واجتماعيًا في كثير من الأحيان.
ويفتقد بعض الأبناء لأساليب التربية والتنشئة السليمة داخل هذه الأسرة المفككة، ما يجعلهم عرضة لارتكاب الجرائم. ويصابون بضعف البناء النفسي والذاتي، ويتصفون بالحدة والعنف. ويعيشون فراغًا عاطفيًا ولا يشعرون بالأمن مع الآخرين، كما يؤدي عامل غياب الأب إلى فقدان النموذج والقدرة في الاحتذاء به.
كما يؤثِّر الطلاق سلبًا على حياة الأبناء، فيتّسمون باضطرابات في النمو الانفعالي والعقلي، كما أنهم يتعرضون إلى حالة من الكبت والضغوط التي تؤثِّر على علاقاتهم الاجتماعية، جراء تفكك أسرتهم.
ويُصاب الأطفال بالصراع الداخلي نتيجة انهيار الأسرة، وينتاب أبناء المطلقين شعورًا بالنقص، والبؤس، والإحباط، والحقد نحو الآخرين.
تظهر على الأبناء علامات اللامبالاة، والفتور، وفقدان القدرة على الاستيعاب، وإعلان التمرد والعصيان، وهذا كله تسببه الصدمة النفسية لانفصال الوالدين ..
ويشعر الأبناء دائمًا بالخوف، وفقدان الثقة بالطرف الذي يعيشون معه، ويستمر الحال هكذا حتى بعد زواجهم مستقبلًا، فيؤثِّر على حياتهم الزوجية.
ووضعت بعض الدراسات حلولًا مقترحة للتخفيف من ازدياد حالات الطلاق، والتي من بينها العودة إلى الدين، حيث دعا الشرع الإسلامي الحنيف كلا الزوجين إلى استشعار المسؤولية نحو أولادهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، إلى قوله صلوات الله وسلامه عليه: (والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، الحديث.
أيضًا يجب أن يصبر كل منهما على الآخر، وأن يغض الطرف عما لا يرتضيه منه، فشريك الحياة ليس كله سيئًا، فإذا كره منه خلقًا أحب منه آخر، ويحاول كل من الشريكين أن يطوّر الجوانب الحسنة في شريكه.
من خلال الثناء والمدح، وذكر هذه الجوانب الحسنة، والإيمان بأن النقص من صفات البشر، ودون تحمّل الأخطاء والسعي في إصلاحها لا تدوم المودة، كذلك تبصير الطرفين بالحقوق والواجبات المترتبة على الحياة الزوجية بينهما، وتثقيفهما بالثقافة الضرورية من خلال دورات من قِبل مكاتب الإرشاد الأسري، وتزويدهما بالنشرات والكتيِّبات التي تحث على تقدير الحياة الزوجية واستقرارها، وعلى الأسرة مراعاة السن المطلوبة للزواج، فلا يقل عن عشرين سنة، بجانب تقارب سن الزوجة مع الزوج.
واقترحت دراسات حول الطلاق بعض التوصيات، منها:-
–عقد الندوات والحوارات واللقاءات للمقبلين على الزواج لتعريفهم بأهمية لحياة الزوجية ودور الأسرة في تربية الأولاد.
–تضمين المناهج الدراسية مواد تتعلق بالأسرة بتكوينها وواجباتها ورسالتها بما يتناسب مع كل مرحلة دراسية، أو عمرية خصوصاً للطلبة الجامعيين..
–إطلاع الخاطبين على الحقوق والواجبات الزوجية..
–إنشاء جمعيات لتقديم النصح والإرشاد للأهالي في حال وقوع مشكلات..
–إجراء البحوث والدراسات في هذا المجال.
–تعاون مختلف القطاعات الرسمية والخاصة لدراسة ظاهرة الطلاق لوضع سبل علاجها..
–وضع برامج للتعليم تُدرس فيها مواد تعالج جوانب معينة في العلاقات الزوجية، وتقوم بتدريس المقبلين على الزواج على كيفية تربية الأطفال..