أوتار
كان المرحوم فاضل المسعودي كلما خالطه الإحباط والتذمر أيام سنوات القلق، والتربص في الخارج، وهو المعارض العنيد الذي كان من أوائل من قالوا لا في وجه من قالوا نعم أيام حقبة الاستبداد .. كان يلفه الصمت والتجهم .. ويلجأ إلى العزلة والمفارقة .. كنتُ أحد الذين يتمتعون لديه بمكانة خاصة تسمح ليَّ بمشاكسته و(منابشته) وهو مغمورٌ بتلك اللحظات النفسية التي تميل إلى القتامة .. بكلمات اعرف انها تشكل وخزًا، وتذكيرًا بأن المناضل الحق لا يصدّه عن سبيله (وحشة الطريق وقلة الزاد..)، وغير ذلك من المواعظ والحكم المنبرية الخشنة .. كانت ابتسامة ساخرة تقفز إلى شفتيه فيغمض عينيه ويهمُّ بالكلام.. وهي عادة صاحبته وصاحبها، ليقول ((والله يا جمعة ما نادم على شيء في هذه الدنيا إلّا على «كتاب» شغلتني الدنيا عن قراءته واشعر أنني خسرتُ شيئاً لا يعوض)) إنها قولة حكيمة من شخص خبر الحياة وخبرته، عاركها وعاركته؛ فكانت استخلاصاته حكمًا مسبوكة بالذهب والرجاحة.. وكلما مضت بنا دواليب الحياة وخضنا في تعاريجها نزداد قناعة بأن أي لحظة ولو خاطفة تمر في حياة الإنسان دون أن نستزيد ونستفيد من نبع المعرفة هي خسارة لا تعادلها أي خسارات عابرة مهما خلفت من جروح غائرة، إن خسارة وقتك في غير معانقة (الكتاب) وهدهدة حروفه وفي أي حقل معرفي، أو مجال هو الخراب المبين، أما ما عداه من خسارات حتى وإن بدت فادحة؛ فالحياة كفيلة بجبر ضرَّرها ولملمة شظاياها..
رحم الله فاضل المسعودي، ذلك (الكتاب) الوطني بأوراقه المصقولة وحروفه المضيئة الذي عمّد ورسخ وشيّد بنياناً كتب عليه بخيوط الشمس الذهبية ((الإنسان موقف