2 – 3
هناك قصور واضح في التشريع عندما حصر تقرير سياسة سعر الصرف بمجلس إدارة المصرف المركزي، والاصرار على أن يقوم المركزي الآن مع كل هذه التعقيدات السياسية حصرا بتحمل مسئولية سعر الصرف مسألة لا تدخل في نطاق البراغماتية. ومن هنا فإنني أجد أنه من الصعوبة أن يتملص مجلس النواب من هذا الاستحقاق الوطني بإعلان عدم الاختصاص وعليه أما أن يعلن رفض صريح ومنع المصرف من القدوم على هذا الفعل أو أن يعلن قبولا مشروطا لمقترح المصرف المركزي.
لا أظن أن هناك جدل اليوم بأن سعر الصرف الحالي هو الأرضية التي لن يتراجع الدولار عنها وفقا للمعطيات الحالية، بمعنى أن ما كان يهرطق به البعض من داخل المصرف المركزي نفسه باحتمال عودة الدينار إلى مستوياته السابقة هو أمر غير وارد احتماليا. وقياسا على ذلك وهو الأمر المحسوس كنية من مذكرة أساتذة الاقتصاد في جامعة بنغازي بأنه في حال القبول بالتكلفة الجديدة فأننا نضع طوعا السعر الحالي ولن يمكن العودة عنه.
وبالرغم من فداحة الوضع الحالي الذي قاد إليه أساسا الانفاق الحكومي الخارج عن السيطرة فأننا لا يمكن تشبيه وضعنا بالوضع المصري على الاطلاق. وعلي هنا أو أوضح أنني لن أطلق على الانفاق الحكومي (إنفاق عام) لأنه في الحقيقة لا يتصل بالعمومية بشيء. التعويم المصري أتى بعد محاولات مستميتة للدفاع عن سعر صرف غير مستدام لفترة طويلة أوضحتها الحقائق الاقتصادية والمالية على الأرض، بالرغم من تحسن الرشد في الانفاق العام هناك. أما وضعنا فأنه مازال بعيدا عن التعويم بالرغم من مناداة بعض رجال الاعمال بذلك، ولازال أمامنا طريق طويل جدا لترشيد الانفاق الحكومي بدءا من توحيده ومن ثم وضع الخطط المالية المتوازنة تشغيليا وتنمويا في ظل استقرار ثابت لسعر الصرف المحلي خصوصا أننا ندفع جزءا هاما من ثروتنا النفطية في شكل نفط خام كحصة للشركاء بدون أن تمر على الدينار الليبي.
وبالتدقيق في الحلول المقترحة التي عرضتها مذكرة أساتذة الاقتصاد فأنها تنقصها العملية وتنحو نوعا ما إلى المعالجات النظرية. أن الاستمرار في الدفاع عن المستوى الرسمي الحالي لسعر الصرف قد لا يكون ممكنا لأن العملية الحالية لا تخضع لحقائق اقتصادية مثبتة فكل ما يتحدث عنه المركزي هو توقعات قد تحدث بإيجابية مثلا يرتفع سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل أو بسلبية مثلا أن تزيد الحكومات إسنفاقها للضعف. المثبت هو أن هذه العملية في أجمالها عملية مضاربة على قيمة الدينار الزمنية التي تساوي صفر بينما العملات الأخرى تساوي من 5% للدولار إلى 40% لليرة التركية. ضخ العملة الأجنبية في السوق لن يوقف على الأرجح الفرق بين السعر الرسمي والسعر الموازي وسيكون حجم الفرق مرتبطا بالنواحي الفنية للمضاربة وقيمة عملات الدول المجاورة. لذا فأن التوصية الأولى في المذكرة تحتاج إلى مراجعة. حتى تقدير المصرف المركزي بأن الطلب على العملة الأجنبية في سنة 2024 سيصل إلى 36 مليار دولار هو مجرد طلقة في الظلام ولا يوجد أي دليل علمي أو عملي عليها، فالطلب يمكن أن يصل حتى إلى 50 مليار دولار في ظل وجود حجم عملة كبير لدى الجمهور (خارج النظام المصرفي)، خصوصا إذا ما أضفنا العملة التي تتداول في المنطقة الشرقية ويرفض المركزي في طرابلس ادراجها في إحصاءاته.
أما موضوع ضبط الاعتمادات المستندية فهو أيضا غير عملي في ظل عدم وجود قدرات تجارية أو سياسة تجارية واضحة، وواقعا فأن هذا خارج مسئولية المصرف المركزي، السياسة التجارية التي تعتمد كليا على آليات السوق بدون التدخل الحكومي فيها لتعديل حالات فشل السوق سياسة متهورة وهي متبعة لفترة طويلة من الزمن، الخشية أن عودة العمل بالتدخل الجزئي للحكومة في السياسة التجارية لن يكون مفيدا بسبب انتشار الفساد والتهريب.
وبخصوص موضوع زيادة انتاج النفط يجب على الجميع الاقتناع بأن ما يتم إنفاقه اليوم على الإنتاج النفطي لن يقود إلى زيادة محسوسة في الإنتاج لعلها فقط تثبت الإنتاج عند مستوياته الحالية. وحتى أن تم فان هذه الزيادة لن تأتي قبل ثلاث سنوات على الأرجح وهو احتمال استبعده نوعا ما اليوم، لذا فأن التوصية بهذا الحل غير متناسق مع الازمة من على الحافة.