حاول الفلاسفة منذ فجر الحضارات معرفة ماهية الكائن البشري، وما علاقة الجسد بالنفس، أو ما هي طبيعة القوة المحركة لهذه)العربة( التي تسمى جسدًا.
جاء «افلاطون» بتفسير لطيف لطبيعة النفس البشرية، حيث إعتبر الجسد البشري عبارةً عن عربة متحركة يجرها حصانان جامحان حصان أسود يمثل القوة الشهوانية ومقرها )البطن(، وحصان أبيض يمثل القوة الغضبية ومقرها )القلب(، يقودهما قائد يمثل القوة العاقلة ومقرها «الرأس».
بنى أفلاطون مجتمع الجمهورية الفاضلة على غرار بنائه للنفس البشرية، وجعل للدولة جسدًا مثل جسد البشر تديره ثلاث قوى متصارعة قوة شهوانية، وقوة غضبية، وقوى عاقلة، وطالب بسيطرت القوة العاقلة لتكبح جموح الأحصنة العنيدة، وترويضها حتى لا تنقلب العربة وتسير بآمن وسلام.
هذه الخيول الغشيمة كل منها يريد جر العربة لهواه وهي خيول شرسة متنازعة فيما بينها، وعلى قائد القوى العاقلة الحد من شراسة الخيول.
يقول «إفلاطون» كلما سيطرتْ القوة العاقلة على الخيول الجامحة إقتربت النفس البشرية من الحياة المثالية وتحقيق السعادة الأبدية.
السعادة عند «إفلاطون» يأتي من العدالة التي هي ليست أكثر من تحقيق توزان بين قوى النفس الشهوانية، والغضبية تحت سيطرة وتوجيه القوى العاقلة.
في كتاب )الجمهورية الفاضلة( ربط «أفلاطون» بين قوى النفس البشرية، وطبقات المجتمع وناظر بينها؛ حيث جعل طبقات المجتمع في الجمهورية على غرار قوى النفس البشرية ثلاث طبقات متقابلة.
طبقة التجار، والحرفيين، وهي تقابل القوى الشهوانية في النفس وفضيلتها )العفة(.
وطبقة الجند، والحراس مرتبطة بالقوة الغضبية في النفس وفضيلتها )الشجاعة(.
وطبقة الملوك الفلاسفة مرتبطة بالقوة العاقلة في النفس وفضيلتها )الحكمة(.
استبعد الكهنة ورجال الدين من تولي الحكم، وقال عندما يتولى الفلاسفة والحكماء مقاليد الحكم تتحقق جميع الفضائل عندها تقوم «الجمهورية الفاضلة».
يوسف الغزال