الهجرة:أسباب وآثـار ونتائج
ومن هُنا بدأت القصة ، حيث تضاعفت أعدادهم على نحوٍ سريع ، كسريان النار في الهشيم ، تراهم في تجمعات ، وفرادى ، في كل مكان ، وأي وقت تكاد لا تخلو منهم بقعة في الشوارع، و الحدائق والساحات ، يفترشون الأرصفة طوال ساعات النهار ترقُّباً لفرصة عمل ، وفي المساء يخلدون إلى مأواهم الذي أمَّنهُ لهم المواطن الليبي ، بمقابل زهيد ، ليغنم هو الآخر بواسطتهم جني إيجارات بأيسر الطرق ، في غفلة عين الرقابة ، وغياب القانون .
وقد عزى البعض سبب انتشارهم بهذه الصورة ، إلى نظرية المؤامرة الغربية حول خطة توطين الأفارقة في هذه المساحة الممتدة من بوابة شمال أفريقيا ،الغنية بالثروات ، والخالية من السكان ، تلك النظرية التي جرت محادثاتها الرسمية مع الدول الغربية وحكومة النظام السابق ، في منتصف تسعينات القرن الماضي .
بينما صبَّ البعض الآخر جَامَّ غضبهِ على الحكومة الحالية ، واتهامها بالتواطؤ في هذا الملف ، مما ساهم بشكل غير مباشر في تمكين المهاجرين من الدخول ، ورفع يد القانون عنهم ، حتى تَسَنَّى لهم المكوث والاستقرار ، دونما خوف أو قلق على مصيرهم المجهول .
من هذا ، وذاك قمنا بجمع إفادات عديدة من مواطنين انتابهم الحنق والغضب العارم حيال هذه المشكلة ، نستعرضها للقاريء الكريم في الأسطر التالية.
المواطن محمد خليفة / من سكان منطقة البيفي، يعمل موظف ، قال :
الأفارقة لم يتواجدوا في يوم وليلة ، بل زحفوا للبلاد عبر سنوات طويلة ، والناس لم تكن تستهجن وجودهم ، لأن عددهم لم يكن بهذه الكثرة ، ولكن قبل 17فبراير سجلت حالات سرقة وقتل واعتداء بطرق وحشية ، على مُلَّاك المزارع في طريق المطار ، وخلّة الفرجان ، والكريمية ، من قِبل عمال لم يتخذ فيهم أي إجراء ، وبطبيعة الحال تمادوا في بسط أقدامهم ، بعد أن ضمنوا الأمان ، وعرفوا أننا شعب مسالم ، وطيب«نشفق على الغريب» وبصراحة اليوم نحن نحصد نتيجة مازرعناه ، من إهمال الدولة لمتابعتهم ، والتأكد من إجراءات أوراقهم ، وكذلك تعاطف المواطنين ، وفتحهم لأبواب رزقهم لأولئك الغرباء ، وتأمينهم على تجارتهم ، وهذا خطأ كبير.
ويضيف : في منطقة سكناي اشتكى الكثيرون الفترة الأخيرة من اختفاء إسطوانات الغاز ، المركونة في مخازنهم الخارجية أو في أفنية المنزل ، وكلهم يعرفون السارق ، لأن كاميرات منازلهم وثَّقت الحادثة ، ولكن عندما تذهب لتقديم شكوى في المركز ، يعلنون عجزهم عن مطاردة الفاعل ، بحجة أن أعداد المهاجرين المتمركزين في المنطقة كبير جداً ، ولا يمكنهم التعرف عليه، بالاعتماد على سجل الكاميرا.
هذه المواقف تحدث لنا باستمرار ، لأنهم عندما يجوعون ، ولا يتحصلون على عمل ، لا يبقى أمامهم إلا السرقة ، لذلك صرنا نخشى على بيوتنا وعائلاتنا منهم . هذا الوضع لا يجب السكوت عنه ، هؤلاء غُزاة انتهكوا حُرمة المجتمع الليبي ، والكل متضايق وساكت ! بل ومستمر في تشغيل هذه العناصر ، بدل أن يكون المواطن الليبي أشدّ حرصاً على أمنهِ الإجتماعي والوطني ، بأن يتوخى الحيطة والحذر من كل التهديدات التي قد تنوبه نتيجة للمتغيرات الإقتصادية والإجتماعية الحاصلة في بلادنا .
وأفادنا مواطن من سكان منطقة عرادة ، رفض ذكر إسمه ، ومهنته عمل حر ، بالقول : بعد المبادرة التي أبداها مخاتير محلات بلدية سوق الجمعة ، كمحلة الفتح ورأس حين وعقبة بن نافع والغرارات ، بخصوص تطبيق قرارات تنظيم تواجد العمالة الأجنبية داخل البلديات ، وشن حملات مداهمة ضد المهاجرين غير النظاميين ، خاصةً من الجنسية الأفريقية ، وفرض شروط صارمة على أعمالهم التي كانوا يمارسونها ، وعلى إقامتهم ، لاحظنا تقلص تواجدهم ، وإختفاء بعض المظاهر الغريبة كالمحال التجارية التي كانت منتشرة في منطقة الهاني وعرادة ،يبيعون فيها منتجات خاصة بهم ، وقد تكون فيها ممنوعات !
وأضاف : بصراحة مختار المحلة لايستطيع العمل لوحده ، هو صحيح يعتبر أقرب مسؤول يصل المواطن بكل مكونات الدولة ، وهو من يملك الدراية الكافية بتفاصيل مايجري داخل محلته ، لكنه بحاجة لتعاون المواطنين سكان المحلة أنفسهم ، كما في موضوع الإيجارات التي يستغلها السكان لمصلحتهم ، بيوت عربية لاتتجاوز مساحتها 120متر ،يؤجرونها لعشرة أشخاص وربما أكثر ، مع نساء وأطفال ، ورجال أعمار مختلفة ، ومؤخراً أحضروا عائلاتهم ، والليبي استغل حتى «القاراجات» وأجرها بدون أن يحترم خصوصية جيرانه ، الذين يكونون على الأغلب متحاشين الإصطدام معه بسبب العشرة .
أ. سالم عطية / عضو هيئة تدريس بجامعة طرابلس ، من سكان غوط الشعال ، استهل رأيه بالقول: لابد من دفع الضرائب لمن اختار البقاء من أجل العمل والكسب ، ولابد من فرض إجراءات الأوراق التبوثية المطلوبة منهم ، كما يُفعل معنا عند إقامتتا في الدول الغربية ، لايكفي أن نتحدث عبر القنوات الإعلامية،الموضوع يتطلب إتخاذ إجراءات حازمة في ضبط العمالة الوافدة سواء الأفارقة أو المصريين ، لأنهم أكثر فئة بلغت أعداداً كبيرة جداً.
على الحكومة المتمثلة في وزارة الداخلية ،والجهات المختصة وكل من له صلاحيات تقويض هؤلاء في كل مكان ، وفق القوانين واللوائح المعمول بها داخل الدولة الليبية ، ويُحال المخالفين إلى جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأردفَ قائلاً : في السابق فترة الثمانينات ،كانت تتواجد عمالة من أوروبا الشرقية ، والهند وبنغلاديش ، وتركيا ، وحتى كوريا الشمالية ، استجلبتهم الدولة بعقود عمل لفترات مُحدَّدة ، وبكلفة رخيصة ، وكان من بينهم أطقم طبية فاعلة في مجالها ، وكذلك عمال بناء وأشغال عامة ومهندسون ، وقد عادوا إلى بلادهم بمجرد إنقضاء مدة العقد.
لماذا لا نكرر التجربة ، بوضع خطة تنموية تنهض بالبلاد بدلاً من الإستنزاف العشوائي لمقدَّراتها؟!
المواطن محمد الشكشوكي ، شاب مهنته عمل حر ، من سكان منطقة السوالم – سوق الجمعة .
أفادنا قائلاً : أنا ضد هذا الزحام ، وتكدُّس العمالة الذي انتشر مؤخراً ، لكني لستُ مع قرار إخراجهم ، لأن معظم الأعمال والمشاريع التجارية ستقف عجلتها ، ولن نجد بديلاً عنهم يؤديها .
أنا كتاجر على سبيل المثال لديّ عمال مسلمين من دولة النيجر ، ومن بينهم عامل مرافق لي منذ 14سنة ، وهو أمين وخلوق ، ويسافر لموطنه لزيارة أهله بين الفترة والأخرى ، وقد سمَّى إبنه بإسمي ، بسبب ترابطنا كأخوة في الإسلام متحابّين في الله ، وليس من مصلحتي تهجير أمثاله .
على الدولة أن تعمل على تقنين دخول الوافدين ، وتنظيم إقامتهم بتوفير السكن بشروط وضوابط معينة ، وبالنسبة للمشاكل والجرائم فهي تحدث حتى بين المواطنين الليبيين ، وداخل مربع منطقة سوق الجمعة ، لا يمكن لعامل إفريقي أن يُقدم على عمل مخالف ،لأنه يعرف أين يُقيم ، ويعرف أن حدوده محاصرة أمنياً .
وأضاف : الوضع الاقتصادي المزري في بلادنا دفع بالكثيرين لاسثتمار بيوتهم في الإيجار ، وهذا جائز قانونياً، وللعلم في الجنوب سمعت بأن الكثير من العمالة استقرت بشكل كامل ، وتزوجوا من ليبيات ، وكوَّنوا عائلات، وهذا الكلام كان ضرب من المستحيلات في الماضي .
وكل المسؤولية تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى، لأنها تعلم بعصابات تجارة البشر ،وتعلم بوجود الكثير من المستفيدين في مناطق القره بوللي وزوارة ، وحتى في بني وليد ،حيث يتم تقسيم الوافدين إلى صنفين بحسب طلب الدول الغربية ، فمن يتمتع بِبُنية قوية يتم الاحتفاظ به عندهم لحين موعد تهريبه لأوروبا ، حيث يتم تجنيده هناك ، وتوظيف إمكاناته الجسدية ، أما الباقي ، فيتم توزيعهم على مهن أخرى.
وفي شارع العيدودي أو مايسمونه بشارع الغاز ، بمنطقة الهاني ، أستوقفنا محل خياطة، وحال دخولنا ، وجدنا إمرأة من ذوات البشرة السمراء ، وعند توجيه بعض الأسئلة لها ، بدا عليها علامات الإرتباك والتوتر ، ورفضت التعاطي معنا بالحديث ،رغم إجادتها للهجة الليبية .
عرفت منها أنها من النيجر ، مسلمة تُدعى مريم ، وهي متزوجة ولديها طفلان، وتقيم هي وزوجها بنفس المنطقة ، مستأجرة منزل صغير ب 750دينار ، وتدفع إيجار لمحل الخياطة ب 700دينار أيضاً ، وهي مقيمة بليبيا منذ 3سنوات ، وتحفظت على بقية المعلومات التي حاولنا إستنطاقها إياها، كما رفضت أن نلتقط لها صورة .
وفي شارع 10بغوط الشعال ، كان للمواطنة صفاء ميلود رأي حول الموضوع ، وهي معلّمة ، ومن سكان الدريبي ، قالت : أكثر مايشغلني في قضية العمالة الأفريقية ،هي ظاهرة إنتشار المُعينة المنزلية المُقيمة ، أو المدبِّرة ، أو عاملة النظافة.. إلخ من التسميات.
هذه دخيلة على مجتمعنا ، وقد كثر الطلب عليهن ، حتى صار هناك مكاتب متخصصة في توفيرهم ، وبأسعار مختلفة .
وجلبوا منهن أعداد كبيرة في السنتين الأخيرتين ، ومنهم من تأتي رفقة زوجها ، وتقيم ببيت العائلة ، هو يهتم بأعمال الحراسة والبقالة ، وتنسيق الحديقة ، وهي لتدبير شؤون البيت والطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال ، وغيره.
أَدخلوها في أدق تفاصيل حياتهم العائلية ، دون النظر في عواقب تشغيلهن كمقيمات ، ومايترتب عليه من نتائج على المدى البعيد ، ولنا في تجربة مجتمعات دول الخليج أكبر درس.
تقول صفاء : مكاتب إستجلاب العمالة يضعون شرط غريب على أساس من حق الخادمة الخروج 3أيام من كل شهر ، لزيارة أصدقائها ، أو للذهاب لأي مكان تختاره ، وتبيت طبعاً خارج المنزل ، وبعد العودة تضطر صاحبة البيت لإجراء تحاليل لها ، لأنها لاتعلم أين قضت الأيام، وصحبة من ؟
كما أن أغلبهن مسيحيات، وقد توغلّن في علاقات قريبة مع الأطفال ، وهذا له أبعاد خطيرة على السلوك الإجتماعي ، والعقائدي .
وتضيف : تلك العاملات كنّ سبب في إنتشار أعمال السحر والشعوذة ، وقد أضرُّوا بعائلات معروفة .
وتختم قائلة : أن ظاهرة تمكين خادمات المنازل من الإقامة أراه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت ، وتدمر كل قيمنا الإسلامية ، وإستقرارنا الأسري.