رصد

الهجرة:أسباب وآثـار ونتائج

ومن‭ ‬هُنا‭ ‬بدأت‭ ‬القصة‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تضاعفت‭ ‬أعدادهم‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬سريع‭ ‬،‭ ‬كسريان‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬،‭ ‬تراهم‭ ‬في‭ ‬تجمعات‭  ‬،‭ ‬وفرادى‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬،‭ ‬وأي‭ ‬وقت‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬منهم‭ ‬بقعة‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬و‭ ‬الحدائق‭ ‬والساحات‭ ‬،‭ ‬يفترشون‭ ‬الأرصفة‭ ‬طوال‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭ ‬ترقُّباً‭ ‬لفرصة‭ ‬عمل‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬المساء‭ ‬يخلدون‭ ‬إلى‭ ‬مأواهم‭ ‬الذي‭ ‬أمَّنهُ‭ ‬لهم‭ ‬المواطن‭ ‬الليبي‭ ‬،‭ ‬بمقابل‭ ‬زهيد‭ ‬،‭ ‬ليغنم‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بواسطتهم‭ ‬جني‭ ‬إيجارات‭ ‬بأيسر‭ ‬الطرق‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬عين‭ ‬الرقابة‭ ‬،‭ ‬وغياب‭ ‬القانون‭ .‬

وقد‭ ‬عزى‭ ‬البعض‭ ‬سبب‭ ‬انتشارهم‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬الغربية‭ ‬حول‭ ‬خطة‭ ‬توطين‭ ‬الأفارقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬،الغنية‭ ‬بالثروات‭ ‬،‭  ‬والخالية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬،‭ ‬تلك‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬محادثاتها‭ ‬الرسمية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭   ‬وحكومة‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ .‬

بينما‭ ‬صبَّ‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬جَامَّ‭ ‬غضبهِ‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬،‭ ‬واتهامها‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬،‭ ‬ورفع‭ ‬يد‭ ‬القانون‭ ‬عنهم‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬تَسَنَّى‭ ‬لهم‭ ‬المكوث‭ ‬والاستقرار‭ ‬،‭ ‬دونما‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬قلق‭ ‬على‭ ‬مصيرهم‭ ‬المجهول‭ .‬

من‭ ‬هذا‭ ‬،‭ ‬وذاك‭ ‬قمنا‭ ‬بجمع‭ ‬إفادات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬انتابهم‭ ‬الحنق‭ ‬والغضب‭ ‬العارم‭ ‬حيال‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬،‭ ‬نستعرضها‭ ‬للقاريء‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الأسطر‭ ‬التالية‭.‬

المواطن‭ ‬محمد‭ ‬خليفة‭  / ‬من‭ ‬سكان‭ ‬منطقة‭ ‬البيفي،‭ ‬يعمل‭  ‬موظف‭ ‬،‭ ‬قال‭ : ‬

الأفارقة‭ ‬لم‭ ‬يتواجدوا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬وليلة‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬زحفوا‭ ‬للبلاد‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬،‭ ‬والناس‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تستهجن‭ ‬وجودهم‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬عددهم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بهذه‭ ‬الكثرة‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬17فبراير‭ ‬سجلت‭ ‬حالات‭ ‬سرقة‭ ‬وقتل‭   ‬واعتداء‭ ‬بطرق‭ ‬وحشية‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬مُلَّاك‭ ‬المزارع‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬المطار‭  ‬،‭ ‬وخلّة‭ ‬الفرجان‭ ‬،‭ ‬والكريمية‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬عمال‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬فيهم‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬تمادوا‭ ‬في‭ ‬بسط‭ ‬أقدامهم‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضمنوا‭ ‬الأمان‭ ‬،‭ ‬وعرفوا‭ ‬أننا‭ ‬شعب‭ ‬مسالم‭ ‬،‭ ‬وطيب«نشفق‭ ‬على‭ ‬الغريب‮»‬‭ ‬وبصراحة‭ ‬اليوم‭ ‬نحن‭ ‬نحصد‭ ‬نتيجة‭ ‬مازرعناه‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬الدولة‭ ‬لمتابعتهم‭ ‬،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬أوراقهم‭ ‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬تعاطف‭ ‬المواطنين‭ ‬،‭ ‬وفتحهم‭ ‬لأبواب‭ ‬رزقهم‭ ‬لأولئك‭ ‬الغرباء‭ ‬،‭ ‬وتأمينهم‭ ‬على‭ ‬تجارتهم‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬كبير‭.‬

ويضيف‭ : ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سكناي‭ ‬اشتكى‭ ‬الكثيرون‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬اختفاء‭ ‬إسطوانات‭ ‬الغاز‭ ‬،‭ ‬المركونة‭ ‬في‭ ‬مخازنهم‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أفنية‭ ‬المنزل‭ ‬،‭ ‬وكلهم‭ ‬يعرفون‭ ‬السارق‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬كاميرات‭ ‬منازلهم‭ ‬وثَّقت‭ ‬الحادثة‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تذهب‭ ‬لتقديم‭ ‬شكوى‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬،‭ ‬يعلنون‭ ‬عجزهم‭ ‬عن‭ ‬مطاردة‭ ‬الفاعل‭ ‬،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المهاجرين‭ ‬المتمركزين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنهم‭ ‬التعرف‭ ‬عليه،‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬سجل‭ ‬الكاميرا‭.‬

هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تحدث‭ ‬لنا‭ ‬باستمرار‭ ‬،‭ ‬لأنهم‭ ‬عندما‭ ‬يجوعون‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يتحصلون‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬أمامهم‭ ‬إلا‭ ‬السرقة‭ ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬صرنا‭ ‬نخشى‭ ‬على‭ ‬بيوتنا‭ ‬وعائلاتنا‭ ‬منهم‭ . ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬السكوت‭ ‬عنه‭ ‬،‭ ‬هؤلاء‭ ‬غُزاة‭ ‬انتهكوا‭ ‬حُرمة‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬،‭ ‬والكل‭ ‬متضايق‭ ‬وساكت‭ ! ‬بل‭ ‬ومستمر‭ ‬في‭ ‬تشغيل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المواطن‭ ‬الليبي‭ ‬أشدّ‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬أمنهِ‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والوطني‭ ‬،‭ ‬بأن‭ ‬يتوخى‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنوبه‭ ‬نتيجة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬الإقتصادية‭ ‬والإجتماعية‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ .‬

وأفادنا‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬منطقة‭ ‬عرادة‭ ‬،‭ ‬رفض‭ ‬ذكر‭ ‬إسمه‭ ‬،‭ ‬ومهنته‭ ‬عمل‭ ‬حر‭ ‬،‭ ‬بالقول‭ : ‬‭ ‬بعد‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬مخاتير‭ ‬محلات‭ ‬بلدية‭ ‬سوق‭ ‬الجمعة‭ ‬،‭ ‬كمحلة‭ ‬الفتح‭ ‬ورأس‭ ‬حين‭ ‬وعقبة‭ ‬بن‭ ‬نافع‭ ‬والغرارات‭ ‬،‭ ‬بخصوص‭ ‬تطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬تنظيم‭ ‬تواجد‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬داخل‭ ‬البلديات‭ ‬،‭ ‬وشن‭ ‬حملات‭ ‬مداهمة‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين‭ ‬غير‭ ‬النظاميين‭ ‬،‭ ‬خاصةً‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬الأفريقية‭ ‬،‭ ‬وفرض‭ ‬شروط‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬أعمالهم‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يمارسونها‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬إقامتهم‭ ‬،‭ ‬لاحظنا‭ ‬تقلص‭ ‬تواجدهم‭ ‬،‭ ‬وإختفاء‭ ‬بعض‭ ‬المظاهر‭ ‬الغريبة‭ ‬كالمحال‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الهاني‭ ‬وعرادة‭ ‬،يبيعون‭ ‬فيها‭ ‬منتجات‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬ممنوعات‭ !‬

وأضاف‭ : ‬بصراحة‭ ‬مختار‭ ‬المحلة‭ ‬لايستطيع‭ ‬العمل‭ ‬لوحده‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬يعتبر‭ ‬أقرب‭ ‬مسؤول‭ ‬يصل‭ ‬المواطن‭ ‬بكل‭ ‬مكونات‭ ‬الدولة‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬الدراية‭ ‬الكافية‭ ‬بتفاصيل‭ ‬مايجري‭ ‬داخل‭ ‬محلته‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬بحاجة‭ ‬لتعاون‭ ‬المواطنين‭ ‬سكان‭ ‬المحلة‭ ‬أنفسهم‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الإيجارات‭ ‬التي‭ ‬يستغلها‭ ‬السكان‭ ‬لمصلحتهم‭ ‬،‭ ‬بيوت‭ ‬عربية‭ ‬لاتتجاوز‭ ‬مساحتها‭ ‬120متر‭ ‬،يؤجرونها‭ ‬لعشرة‭ ‬أشخاص‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬نساء‭ ‬وأطفال‭ ‬،‭ ‬ورجال‭ ‬أعمار‭ ‬مختلفة‭ ‬،‭  ‬ومؤخراً‭ ‬أحضروا‭ ‬عائلاتهم‭ ‬،‭ ‬والليبي‭ ‬استغل‭ ‬حتى‭  ‬‮«‬القاراجات‮»‬‭ ‬وأجرها‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يحترم‭ ‬خصوصية‭ ‬جيرانه‭ ‬،‭ ‬الذين‭ ‬يكونون‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬متحاشين‭ ‬الإصطدام‭ ‬معه‭ ‬بسبب‭ ‬العشرة‭ .‬

أ‭. ‬سالم‭ ‬عطية‭ / ‬عضو‭ ‬هيئة‭ ‬تدريس‭ ‬بجامعة‭ ‬طرابلس‭ ‬،‭  ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غوط‭ ‬الشعال‭ ‬،‭ ‬استهل‭ ‬رأيه‭ ‬بالقول‭:  ‬لابد‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الضرائب‭ ‬لمن‭ ‬اختار‭ ‬البقاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬والكسب‭ ‬،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬إجراءات‭ ‬الأوراق‭ ‬التبوثية‭ ‬المطلوبة‭ ‬منهم‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬يُفعل‭ ‬معنا‭ ‬عند‭ ‬إقامتتا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬،‭ ‬لايكفي‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عبر‭ ‬القنوات‭ ‬الإعلامية،الموضوع‭ ‬يتطلب‭ ‬إتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حازمة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬سواء‭ ‬الأفارقة‭ ‬أو‭ ‬المصريين‭ ‬،‭ ‬لأنهم‭ ‬أكثر‭ ‬فئة‭ ‬بلغت‭ ‬أعداداً‭ ‬كبيرة‭ ‬جداً‭.‬

على‭ ‬الحكومة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬،والجهات‭ ‬المختصة‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬صلاحيات‭ ‬تقويض‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬،‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية‭ ‬،‭ ‬ويُحال‭ ‬المخالفين‭ ‬إلى‭ ‬جهاز‭ ‬مكافحة‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭.‬

وأردفَ‭ ‬قائلاً‭ :‬‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬فترة‭ ‬الثمانينات‭ ‬،كانت‭ ‬تتواجد‭ ‬عمالة‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬،‭ ‬والهند‭ ‬وبنغلاديش‭ ‬،‭ ‬وتركيا‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬،‭ ‬استجلبتهم‭ ‬الدولة‭ ‬بعقود‭ ‬عمل‭ ‬لفترات‭ ‬مُحدَّدة‭ ‬،‭ ‬وبكلفة‭ ‬رخيصة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أطقم‭ ‬طبية‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬مجالها‭ ‬،‭   ‬وكذلك‭ ‬عمال‭ ‬بناء‭ ‬وأشغال‭ ‬عامة‭  ‬ومهندسون‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬بمجرد‭ ‬إنقضاء‭ ‬مدة‭ ‬العقد‭.‬

لماذا‭ ‬لا‭ ‬نكرر‭ ‬التجربة‭ ‬،‭ ‬بوضع‭ ‬خطة‭ ‬تنموية‭ ‬تنهض‭ ‬بالبلاد‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الإستنزاف‭ ‬العشوائي‭ ‬لمقدَّراتها؟‭!‬

المواطن‭ ‬محمد‭ ‬الشكشوكي‭ ‬،‭ ‬شاب‭ ‬مهنته‭ ‬عمل‭ ‬حر‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬منطقة‭ ‬السوالم‭ – ‬سوق‭ ‬الجمعة‭ .‬

أفادنا‭ ‬قائلاً‭ : ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الزحام‭  ‬،‭  ‬وتكدُّس‭ ‬العمالة‭  ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬مؤخراً‭ ‬،‭ ‬لكني‭ ‬لستُ‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬إخراجهم‭  ‬،‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭  ‬الأعمال‭ ‬والمشاريع‭ ‬التجارية‭ ‬ستقف‭ ‬عجلتها‭ ‬،‭ ‬ولن‭ ‬نجد‭ ‬بديلاً‭ ‬عنهم‭ ‬يؤديها‭ .‬

أنا‭ ‬كتاجر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لديّ‭ ‬عمال‭ ‬مسلمين‭  ‬من‭ ‬دولة‭ ‬النيجر‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬عامل‭ ‬مرافق‭ ‬لي‭ ‬منذ‭ ‬14سنة‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬أمين‭ ‬وخلوق‭ ‬،‭ ‬ويسافر‭ ‬لموطنه‭ ‬لزيارة‭ ‬أهله‭ ‬بين‭ ‬الفترة‭ ‬والأخرى‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬سمَّى‭ ‬إبنه‭ ‬بإسمي‭ ‬،‭ ‬بسبب‭ ‬ترابطنا‭ ‬كأخوة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬متحابّين‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬مصلحتي‭ ‬تهجير‭ ‬أمثاله‭ .‬

‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تقنين‭ ‬دخول‭ ‬الوافدين‭ ‬،‭ ‬وتنظيم‭ ‬إقامتهم‭ ‬بتوفير‭ ‬السكن‭  ‬بشروط‭ ‬وضوابط‭ ‬معينة‭ ‬،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬للمشاكل‭ ‬والجرائم‭ ‬فهي‭ ‬تحدث‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬الليبيين‭ ‬،‭ ‬وداخل‭ ‬مربع‭ ‬منطقة‭ ‬سوق‭ ‬الجمعة‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لعامل‭ ‬إفريقي‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬مخالف‭ ‬،لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أين‭ ‬يُقيم‭ ‬،‭ ‬ويعرف‭ ‬أن‭ ‬حدوده‭ ‬محاصرة‭ ‬أمنياً‭ .‬

وأضاف‭ : ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المزري‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬دفع‭ ‬بالكثيرين‭ ‬لاسثتمار‭ ‬بيوتهم‭ ‬في‭ ‬الإيجار‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬جائز‭ ‬قانونياً،‭ ‬وللعلم‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬سمعت‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬استقرت‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬،‭ ‬وتزوجوا‭ ‬من‭ ‬ليبيات‭ ‬،‭ ‬وكوَّنوا‭ ‬عائلات،‭ ‬وهذا‭ ‬الكلام‭ ‬كان‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬المستحيلات‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ .‬

وكل‭ ‬المسؤولية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدولة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬لأنها‭ ‬تعلم‭ ‬بعصابات‭ ‬تجارة‭ ‬البشر‭ ‬،وتعلم‭ ‬بوجود‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المستفيدين‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬القره‭ ‬بوللي‭ ‬وزوارة‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬بني‭ ‬وليد‭ ‬،حيث‭ ‬يتم‭ ‬تقسيم‭ ‬الوافدين‭ ‬إلى‭ ‬صنفين‭ ‬بحسب‭ ‬طلب‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬،‭ ‬فمن‭ ‬يتمتع‭ ‬بِبُنية‭ ‬قوية‭ ‬يتم‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬به‭ ‬عندهم‭ ‬لحين‭ ‬موعد‭ ‬تهريبه‭ ‬لأوروبا‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تجنيده‭ ‬هناك‭ ‬،‭ ‬وتوظيف‭ ‬إمكاناته‭ ‬الجسدية‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬الباقي‭ ‬،‭ ‬فيتم‭ ‬توزيعهم‭ ‬على‭ ‬مهن‭ ‬أخرى‭.‬

وفي‭ ‬شارع‭ ‬العيدودي‭  ‬أو‭ ‬مايسمونه‭ ‬بشارع‭ ‬الغاز‭ ‬،‭ ‬بمنطقة‭ ‬الهاني‭  ‬،‭ ‬أستوقفنا‭ ‬محل‭ ‬خياطة،‭ ‬وحال‭ ‬دخولنا‭ ‬،‭ ‬وجدنا‭ ‬إمرأة‭ ‬من‭ ‬ذوات‭ ‬البشرة‭ ‬السمراء‭ ‬،‭ ‬وعند‭ ‬توجيه‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬بدا‭ ‬عليها‭ ‬علامات‭ ‬الإرتباك‭ ‬والتوتر‭ ‬،‭ ‬ورفضت‭ ‬التعاطي‭ ‬معنا‭ ‬بالحديث‭ ‬،رغم‭ ‬إجادتها‭ ‬للهجة‭ ‬الليبية‭ .‬

عرفت‭ ‬منها‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬النيجر‭ ‬،‭ ‬مسلمة‭ ‬تُدعى‭ ‬مريم‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬متزوجة‭ ‬ولديها‭ ‬طفلان،‭ ‬وتقيم‭ ‬هي‭ ‬وزوجها‭ ‬بنفس‭ ‬المنطقة‭ ‬،‭ ‬مستأجرة‭ ‬منزل‭  ‬صغير‭ ‬ب‭ ‬750دينار‭   ‬،‭ ‬وتدفع‭ ‬إيجار‭ ‬لمحل‭ ‬الخياطة‭ ‬ب‭ ‬700دينار‭ ‬أيضاً‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬مقيمة‭ ‬بليبيا‭ ‬منذ‭ ‬3سنوات‭ ‬،‭ ‬وتحفظت‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬حاولنا‭ ‬إستنطاقها‭ ‬إياها،‭ ‬كما‭ ‬رفضت‭ ‬أن‭ ‬نلتقط‭ ‬لها‭ ‬صورة‭ .‬

وفي‭ ‬شارع‭ ‬10بغوط‭ ‬الشعال‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬للمواطنة‭ ‬صفاء‭ ‬ميلود‭  ‬رأي‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬معلّمة‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬سكان‭ ‬الدريبي‭ ‬،‭ ‬قالت‭ : ‬أكثر‭ ‬مايشغلني‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬العمالة‭ ‬الأفريقية‭ ‬،هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬إنتشار‭ ‬المُعينة‭ ‬المنزلية‭ ‬المُقيمة‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬المدبِّرة‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬عاملة‭ ‬النظافة‭..  ‬إلخ‭ ‬من‭ ‬التسميات‭.‬

هذه‭ ‬دخيلة‭ ‬على‭ ‬مجتمعنا‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬كثر‭ ‬الطلب‭ ‬عليهن‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬مكاتب‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬توفيرهم‭ ‬،‭ ‬وبأسعار‭ ‬مختلفة‭ .‬

وجلبوا‭ ‬منهن‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السنتين‭ ‬الأخيرتين‭ ‬،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬تأتي‭ ‬رفقة‭ ‬زوجها‭ ‬،‭ ‬وتقيم‭ ‬ببيت‭ ‬العائلة‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬يهتم‭ ‬بأعمال‭ ‬الحراسة‭ ‬والبقالة‭ ‬،‭ ‬وتنسيق‭ ‬الحديقة‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬لتدبير‭ ‬شؤون‭ ‬البيت‭ ‬والطبخ‭ ‬والتنظيف‭ ‬ورعاية‭ ‬الأطفال‭  ‬،‭ ‬وغيره‭.‬

أَدخلوها‭ ‬في‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬العائلية‭ ‬،‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬عواقب‭ ‬تشغيلهن‭ ‬كمقيمات‭ ‬،‭ ‬ومايترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬مجتمعات‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬أكبر‭ ‬درس‭.‬

تقول‭ ‬صفاء‭ : ‬مكاتب‭ ‬إستجلاب‭ ‬العمالة‭ ‬يضعون‭ ‬شرط‭ ‬غريب‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الخادمة‭ ‬الخروج‭ ‬3أيام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬،‭ ‬لزيارة‭ ‬أصدقائها‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬للذهاب‭ ‬لأي‭ ‬مكان‭ ‬تختاره‭ ‬،‭ ‬وتبيت‭ ‬طبعاً‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬العودة‭ ‬تضطر‭ ‬صاحبة‭ ‬البيت‭ ‬لإجراء‭ ‬تحاليل‭ ‬لها‭ ‬،‭ ‬لأنها‭ ‬لاتعلم‭ ‬أين‭ ‬قضت‭ ‬الأيام،‭ ‬وصحبة‭ ‬من‭ ‬؟

كما‭ ‬أن‭ ‬أغلبهن‭ ‬مسيحيات،‭ ‬وقد‭ ‬توغلّن‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬قريبة‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬الإجتماعي‭ ‬،‭ ‬والعقائدي‭ .‬

وتضيف‭ : ‬تلك‭ ‬العاملات‭ ‬كنّ‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬إنتشار‭ ‬أعمال‭ ‬السحر‭ ‬والشعوذة‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬أضرُّوا‭ ‬بعائلات‭ ‬معروفة‭ .‬

وتختم‭ ‬قائلة‭ : ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬تمكين‭ ‬خادمات‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬الإقامة‭ ‬أراه‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة‭ ‬قد‭ ‬تنفجر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬،‭  ‬وتدمر‭ ‬كل‭ ‬قيمنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬،‭ ‬وإستقرارنا‭ ‬الأسري‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى