تعد العادات والتقاليد التي تميز المجتمع الليبي ذات طابع ديني، وقد جد فيها الليبيين خاصة في العقود الماضية قبل التحول الى الحياة الحديثة نوع من الترفيه البريء، وفي الوقت نفسه يتقربون فيها إلى الله، منها الاحتفال بــ (يوم عاشوراء) أي اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، وكلمة عاشوراء تعني العاشر في اللغة العربية، ومن هنا أتت التسمية، وعلى الرغم من أن بعض علماء المسلمين لديهم عرض مختلف لسبب تسمية هذا اليوم بعاشوراء إلا انهم يتفقون في أهمية هذا اليوم، حيث يصوم الناس أيام تسعة وعشرة من هذا الشهر في مخالفة لليهود، ويأخذون بما ورد من أحاديث كثيرة في فضل يوم عاشوراء، منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم)، فصامه وأمر بصيامه (رواه البخاري)،وصيامه سُنّة مؤكدة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(وصيامُ يومِ عاشوراءَ، إنِّي أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه. (صحيح مسلم).
وعاشوراء من بين أهم المناسبات الدينية التي يحتفل بها المسلمون، كما وقعت العديد من الأحداث التاريخية في هذا اليوم، فقد ورد أن سيدنا آدم عليه السلام تاب في هذا اليوم، وفيه استوت سفينة سيدنا نوح على الجودي، وهو اليوم الذي خرج فيه يوسف من السجن، ورد فيه بصر يعقوب، ورد فيه يوسف على يعقوب، وهو اليوم الذي كانت فيه النار برداً وسلاماً على إبراهيم ونجا فيه الله إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي نزلت فيه على عيسى مائدة من السماء، وهو اليوم الذي غفر الله به لداوود، و وهو اليوم الذي وهب فيه سليمان الملك.
يوم له أبعاد روحية لارتباطه بقصة نبينا موسى عليه السلام وسعيه لتخليص بني إسرائيل من طغيان فرعون لقوله تعالى: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنود فغشيهم من اليم ما غشيهم وأظل فرعون قومه وما تعدى)، بعد ما أوحى الله إلى سيدنا موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه فضربه فتفرق أثنا عشر طريقا وصار الماء كالجبال العالية عن يمين الطرق ويسارها وأيبس الله طريقهم التي انفرت عنها الماء، وعندما تجبر فرعون أمر الله البحر فالتطم عليهم ليغرقوا كلهم.
ويذكر المؤرخون أن اليهود هم أول من اعتبر هذا اليوم يوماً ذا خصوصية لديهم في بداية عامهم، ويسمى (يوم كيپبور) أو (عيد الغفران)، وهو اليوم العاشر من الشهر الأول في التقويم اليهودي، والسنة اليهودية غير ثابتة فقد تكون في تشرين الأول (أكتوبر) أو أيلول (سبتمبر)، وهو يوم مقدس عند اليهود مخصص للصلاة والصيام فقط، ويوم كيپبور» هو اليوم المتمم لأيام التوبة العشرة، التي تبدأ بيومي رأس السنة، أو كما يطلق عليه بالعبرية (روش هاشناه)، وبحسب التراث اليهودي فإن هذا اليوم هو (الفرصة الأخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية). وهو اليوم الوحيد في السنة الذي يصومه اليهود، ومن هنا ظهر صيامه بحسب الشريعة الإسلامية.
وأخذ يوم عاشوراء طابعاً آخر منذ مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء، إذ وافق مقتله العاشر من محرم عام 61هـ، وبدأ من يومها الصراع السياسي بين حزن وفرح، وظل هذا اليوم يأخذ الطابع السياسي، ففي مصر كان عاشوراء يوم حزن حين حكمها الفاطميون، وتتعطّل فيه الأسواق، وعندما قضى صلاح الدين الأيوبي على الفاطميين وأعاد مصر إلى السٌنّة اتخذ الأيّوبيون هذا اليوم يوم سرور وانبساط في المطاعم ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام جرياً على عادة أهل الشام، التي سنها لهم الحجاج في أيام عبدالملك بن مروان، مخالفة للشيعة الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الإمام الحسين بن علي، وهناك حلوى مصريّة معروفة تسمى حلاوة عاشورا لا تزال تقدّم في هذه المناسبة باسم طبق عاشوراء.
وتعتمد مجتمعاتنا العربية في مناسباتها بشكل عام، وحتى الدينية منها على الطعام، وتحرص الأمهات وربات البيوت على تعليم البنات كافة اصناف الطعام الحديث والتقليدي،
ومن خلال البحث في الأدب العربي وتاريخ المجتمعات العربية، لم يكن لديهم ولائم تقام في يوم معين من الايام، حتى في العصر الجاهلي، لكن كانت تقام مآدب لمناسبات وتسمى بأسماء معينة.
مثلا كانوا يكرمون الضَّيْفِ ويسمون الطعام الذي يقدم له بــ (القِرَى).
وطعام الدَعْوَةِ يسمى بـ (المَأْدُبَةُ)، والطعام الذي يقدم للزَّائِرِ يسمى بـ (التُّحْفَةُ)، والطعام الذي يقدم في الأعرْاس يسمى بـ (الوَليمة)، والطعام الذي يقدم عند وِلادَةِ الطفل يسمى بــ (الخُرْسُ)، والطعام الذي يقدم عندَ حَلْقِ شَعْرِ المولود يسمى بـ (العقيقةُ)، والطعام الذي يقدم في الخِتَانِ يسمى بـ (العَذِيرَةُ)، والطعام الذي يقدم في المَأْتَم يسمى بـ (الوَضِيمَةُ)، والطعام الذي يقدم للقَادِم مِنْ سَفَرٍ يسمى بـ (النَّقِيعَةُ).
واغلب أَطْعِمَةِ العَرَبِ على الفعيلَةِ، ومنها:
(السَّخِينَةُ) مِنَ الدَّقِيقِ دُونَ العَصِيدَةِ في الرِّقَةِ وفَوقَ الحَسَاءِ وَإِنَّمَا يأكُلُونَهَا فِي شِدَّةِ الدَّهْر وَغَلاءِ السِّعْرِ وَعَجَفِ المَالِ.
(الحَرِيقةُ) أنْ يُذَرَّ الدَّقِيقُ عَلَى مَاء أوْ لَبَنٍ حَلِيبِ فيُحْسَى (وَهيَ أغْلَظُ مِنَ السَّخِينَةِ يُبْقِي بِهَا صَاحِبُ العِيَالِ عَلَى عِيَالِهِ إذا عَضَهُ اَلدَّهْرُ).
(الصَّحِيرَةُ) اللَّبَنُ يُغْلَى ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ الدَقِيقُ.
(العَذِيرَةُ) دَقِيقٌ يُحْلَبُ عَلَيْهِ لَبَن ثُمَّ يُحْمَى بالرَّضْفِ.
(العَكِيسَةُ) لَبَن تُصَبُّ عَلَيْهِ الإهَالَةُ (وهِيَ الشَّحْمُ المُذَابُ).
(الفَرِيقَةُ) حُلْبَة تُضَمُّ إلى اللَبَنِ والتَّمْرِ وتُقَدَّمُ إلى المَرِيض والنَّفَسَاءِ.
(الرَّغِيدَةُ) اللَّبَنُ الحَلِيبُ يُغْلَى ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ الدَّقِيقُ حتّى يَخْتَلِطَ فَيُلعَقُ.
(التَّلْبِينَةُ) حَسَاء يتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ أو نُخَالَةٍ وُيجْعَلُ فيه عَسَلٌ (وسُمِّيَتْ تَلْبِينَةً تَشْبيها باللَّبَنِ لِبَيَاضِهَا وَرِقَتِهَا، وفي الحَدِيثِ: (عليكمُ بالتَّلْبِينَةِ).
وكَانَ إذا اشْتَكَى أحدُهُمْ في مَنْزِلِهِ لم تُنْزَلِ البُرْمَةُ حتّى يأتيَ عَلَى أحَدِ طَرَفَيْهِ وَمَعْنَاهُ حتى يُبِلَّ مِنْ عِلَّتِهِ أو يَمُوتَ وإنّما جُعِلَ هَذَانِ طَرَفَيْهِ لأَنَهُمَا مُنْتَهَى أمْر العَلِيلِ في عِلَّتِهِ.
(البَسِيسَةُ) السَّوِيقُ بالأَقِطِ والسَّمْنِ والزَّيتِ ، وهِيَ أيضاً الشَعِيرُ بالنَوَى.
اما الضوقة فقد حث عليها ديننا الحنيف نشرا للتكافل، لكن لا تكون بطلب، وقد حفل الأدب العربي بالكثير من القصص التي تروي لنا طمع وبخل البعض، ومنها ما جاء في كتاب الحصري القيرواني المعروف (جمع الجواهر في الملح والنوادر).
قال ابن أبي عتيق لامرأته: تمنيت أن يهدى إلينا مسلوخ، أي (شاة سلخ جلدها) فنتخذ من الطعام لون كذا، ولون كذا، فسمعته جارةٌ له، فظنت أنه أمر بعمل ما سمعته، فانتظرت إلى وقت الطعام ثم جاءت فقرعت الباب وقالت: شممت رائحة قدوركم فجئت لتطعموني منها، فقال ابن أبي عتيق لامرأته: أنت طالق إذا أقمنا في هذه الدار التي جيرانها يتشممون الأماني.
وقيل لرجل نهم: ما تسمُّون المرق؟.
قال: (السخين)، فقال السائل: فإذا برد ماذا تسمونه؟.
قال: نحن لا ندعه يبرد.
وحفلت كتب التراث العربي ومعاجم السير بالعديد من الطفيليين و(الأكولين) ايضا وكان على رأس (الأكولين) سليمان بن عبد الملك.
ولأننا مجتمع مسلم ومحافظ على تعاليمه الدينية فقد اتخذ الناس في ليبيا في العقود الماضية من يوم عاشوراء من كل عام موعد لأداء الزكاة، ربما لأنها تتوافق مع بداية العام الهجري الجديد حيث يقوم المزارعين ورعاة الماشية والتجار بمراجعة حساباتهم والتدقيق في حصاد عامهم من الخسائر والارباح وفقا للتقويم الهجري.
ولابأس على اسبار الناس فما إن ينقضي سبر حتى يلحقه أخر.