سرقتنا السوشيل ميديا أو الفضاء الإلكتروني من حياتنا الواقعية حتي أدخلتنا دهاليز لها بداية وليس لها قرار.
فبعد أنّ كانت الشاشة الصغيرة هي التي تضم العائلة في غرفة المعيشة وسط أجواء المتعة البصرية والترفية أخذت لمتنا شكلاً انفراديًا منعزلاً عن المحيط صارت المنصات الإلكترونية هي النَّواة التي تدور حولها العقول وترنو إليها الأبصار مشدوهة نحو كل ما هو مبهرٌ وجديدٌ !
حتى أصبحنا كركبي الأمواج في عرض البحر الهائج نطالع الترند ونتاج الآخر ونصرف ساعات طوال من النهار ركضًا خلف أسماء تتكاثر بسرعة مأهولة داخل صفحات التواصل، وقنواته ومنصاته الكثيرة والتي أخذت تتطور مع اتسع الهوة التقنية فمن منصات التدوين إلى محطات صُنّاع المحتوى.
ولعلنا نقف هنا لايضاح فارق بسيط قد لا يفطن إليه الكثيرون وهو أنّ مجال صناعة المحتوي يعد فنًا قائمًا على أُسس علمية، وإمكانات إبداعية لا حدود لها؛ فهو نشاط يضم بين طياته عدة صور من المحتوي سواء أكان مرئيًا، أم مقروءً، أم مسموعًا.
أما أولئك المدونون أو ما تطلق عليهم اسم «بلوقرز» فهم متخصصون في مجال التدوين، وكتابة المقالات والتقارير وما إلى ذلك، وهم يختلفون عن الشخصيات التي نراها تملأ البراح منهم من يقيم خارج البلاد، ومنهم بداخلها، ولكن جميعهم ليبيون درجوا على صُنع محتواهم وفق منظورهم الخاص، ورؤيتهم وباعتبار أن مصطلح صناعة المحتوي يتضمن معني اعم، وأشمل من التدوين؛ فذلك يتيح لهؤلاء اعداد مواد بوسائط متعدَّدة منها المسموع والمرئي، والفديوات الوثائقية، والرسومات الكرتونية، والرسومات البيانية، والبودكاسيت والكتب اإالكتروني وغيرها.
هذه البرامج الإبداعية يتم استخدامها من قبل أصحاب العلامات التجارية في كل المجالات لاستغلال وربط شخصية صانع المحتوي مع جمهور متابعيه؛ فمن خلال هذه العلاقة يضمن المروجون نمو معروضاتهم من خلال اهتمام المتابعين وإقبالهم السريع.
وفي خضم كل ما سلف ذكره.. !
ماذا يُقدم صُنَّاع المحتوي للمجتمع الليبي؟، وهل نستطيع أنّ نقول إنّ لدينا محتوى هادفًا، ويقف وراءه صُنَّاع محترفون سؤالنا توجهنا به لعدد من المواطنين وتلقينا منهم الإجابة التالية :
هدير المصري قالتْ في إفادتها : «الانترنت» ملىء بأشكال وألوان من صُنَّاع المحتوى؛ )أطبا،ء واختصاصيون، وتربويون وشيفات طبخ ومكياج(، منهم مَنْ يستحق المتابعة، وجديرين بأن يكونوا تريند الموسم، ومنهم من لا يستحق حتى أنّ تفتح عليه نهائيًا، وعن نفسي أعتبر هؤلاء وسيلة الإجابة عن تساؤلات فيها فيما يتعلق باحتياجات كل شؤون حياتي وحياة أسرتي، ولم أعد أسال أحدًا، مجرد أضغط على الصفحة، وأخذ ما يناسبني من معلومات كأنني أتجول في مكتب عملاقة لا يمكن الخروج منها بسهولة.
هاجر رجوبة تقول: في السابق كانت ثقافتنا مستمدة من الكتب، والمجلات والتلفزيون، أما اليوم في عصر التكنولوجيا والإعلام الإلكتروني هذا ما يُعبر عنه جيلهم، هم سيطروا على ثقافة مجتمع بأكمله ودائمًا أفكر في وضع الأجيال القادمة، كيف ستكون عقليتهم، وتكوينهم الأخلاقي مع هذال التوهان الذي يعيشونه بين تعاليم الأسرة، والدين، وبين الهيجان والفلتان الحاصل في قنوات «الإنترنت».
وتضيف: أنا أُؤمن بأنّ كل شيء في الدنيا له مزايا، وعيوب، وكذلك المحتوى بمواقع التواصل يوجد فيه شخصيات مؤثرة تقدم في رسالة رائعة من خلال ما تطرحه، وهناك من يقدم في «هبال» بصراحة، ويعتقدوا أنفسهم فاعلين، ومنهم من استغل الموضوع بعد وصول متابعيهم أعداد كبيرة، وأدخل مجالات الإعلانات في عمله، فمن صفحة لتعليم الطبخ أصبحوا يستضيفوا فيهم لتدشين افتتاح كل المشاريع التجارية الكبرى مثل بنات معتوق «مروة ومنى» الشهيرات، وطبعًا مع استفادتهم بمكسب مادي كبير مقابل ما يروجونه عن تلك المشاريع.
أيضًا مثال آخر «يوسا» التي أحدثتْ ضجة كبيرة مؤخرًا ونالت شهرة واسعة بين فئة المراهقات والشباب الصغير بعد أنّ كانت فتاة بسيطة تقدم أفكارًا عن مشغولات يدوية من غرفتها ثم دخلتْ في )البراندات، والماركات العالمية(.
وفي الحقيقة هم دخلوا حياتنا بقوة وصاروا جزءًا منها نتفرج عليهم يوميًا ونتابع مستجداتهم مثلما كنا نقلب القنوات الفضائية، ففي البداية كانت شاشة صغيرة وقناة واحدة ثم صحن الفضاء، وعدة قنوات ثم حدث انفتاحٌ تدريجي واكتمل بـ«الانترنت» ومازال الحبلُ على الجرار من مفاجآت التقنية وكله سيؤثر علينا وعلى نمط حياتنا.
ياسين محمد يقول : في رأيه من الخطأ أنّ نعطي جهازًا ذكيًا لطفل هذه الأيام ونتركه دون متابعة؛ فالأهل لا يعلمون حجم المأساة الموجودة في هذه التقنية بناتنا افسدتهن صانعات المحتوى، ومشاهير «التيك توك، والفيس» الذين يتناسلون بأعداد كبيرة من الفارغات يقدمن الاسفاف، ومحتوى هابط، وليس فيه شيء نافع فيديوات تخدش الحياء العام ومع ذلك تجدي لديهن جمهورًا عريضًا من الفتيات..!.هذا الشئ محيرني ..!
ويضيف أنا اتابع «أحمد المجذوب» يتكلم على جغرافيا، الأماكن، وأسامي مدن ليبية، أول مرة نعرفها من خلاله، و«رحاليستا»محتواه نظيف، وممتاز، «وطه حسين الجواشي»، «يوتيوبر» ناجح جدًا، و«أيوب مطاعم طرابلس»، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماءهم.
وبصفة عامة المحتوى الخاص بالليبيين يحتاج لتصفية، وضرورة غربلته من رموز الفساد الأخلاقي.
إبتسام الكامل اختصاصية اجتماعية قالت: أرى أنّ الهدف الأول من إنشاء المحتويات مادي صرف، مادة هزلية لا تقدم نفعًا للمجتمع بل سبَّبت في تمزق النسيج الاجتماعي، ففي الماضي لم نعرف فتيات يخرجن على الشاشات سافرات، بوجوه مصبوغة ولباس خليع، ويتكلمن بلغة شوارعية.
مع الأسف تأثير هؤلاء قبيح، وسيء ونتائجه سلبية على المدى البعيد فقد صارت أغلب الفتيات يقلدهن ويفتحن «لايف» من بيوت أهاليهن، إما بعلم الأهل أو دونه، المهم كسب جمهور متابعين كي تحصل على المال وعلامة )الأسد، أو السمكة، أو الوردة( فيما يخص لعب الجولات الرائج بكثرة بين شبان، وفتيات هذا الشىء له تداعيات خطيرة جدًا.
هئية رصد المحتوى أين دورها؟ لم نرَ، أو نسمع بتحركها حيال ما يحصل في الفضاء الإلكتروني، وقد شاهدنا الضجة التي أحدثتها البلوجر «يوسا» عندما أعلنتْ عن رغبتها في كشف وجهها هي فتاة محظوظة، يركض خلفها آلاف الفتيات المراهقات بمساعدة أمهاتهن، ويعتبرنها مُلهمة وفنانة في كل شىء .
وأنا أعتبر موضوعها، أنهم قد أعطوها أكبر من حجمها كانت القيم الاجتماعية عندنا هي الأساسية اليوم بسبب هذه النماذج لم يعد هناك من يتمسك بقيم، أو يحافظ على اسم، ولقب العائلة كله صار مكشوفًا، وواضحًا للجميع..
عبدالفتاح الكردالي/ مدرب تنمية ذاتية وإدارية وإعلامي مقدم برامج سابق يقول في رأيه:«السوشيل ميديا» سلاح ذو حدين فيه جانبٌ خير، وآخر سلب، والموجود في الواقع حالياً للأسف غالبيتهم هدفهم مادي لتحقيق الربح، وزيادة الدخل، وهذا حق مشروع لا بأس به إذا ما كان المحتوى هادفًا، ولكن عندما يكون سلبيًا؛ فسيؤثر على نفسه، وعلى مجتمعه ومنهم من سبب مشكلات، وفتنة بين دولتين، أوصلته للسجن، وهناك من شوه صورة بلاده بسبب محتواه، وأذكر موقفًا قبل سنتين قدمت برنامجًا على «الميديا» مع قناة «مغربية»، ولم يكن لدي الدعم، فقد اشترطوا ضرورة الحصول على موافقة أمنية، وكان هناك قسم لحقوق الملكية بمراقبة مضمون المحتوى، إذا خرج عن السياق المنصوص عليه يتم مراقبته من قبل جهات ضبطية على مستوى الدولة، بينما عندنا نجد أي شخص ممكن يصبح صانع محتوى المهم أن يحققَّ الشهرة، محتويات دون قيمة وتحصل على معجبين، ومتابعين بـ)١٠٠٠( ألف شخص في اليوم، وكلهم يقف وراءهم شركات تسويقية لجعله مؤثرًا على فئة الشباب ونسأل الله الهداية للجميع.
أمة الله حسن قالت : هؤلاء صُنَّاع التفاهة – سامحيني- وصُنَّاع مضيعة الوقت، عشرات ومئات من الأسماء ظهرتْ لنا خاصة «العنصر النسائي» وأكثرهم استفزازًا شخصية « يوسا» التي عرفتْ كيف تستدرج الجمهور الذي يحب الغموض، ويفتش عن حقيقتها المخفية.
ومؤخراً ظهرتْ بنقاب كشف عن عيونها دون باقي وجهها وأجروا معها لقاءً في إحدى القنوات، وأنا اعتبرها فتاة ذكية، وناجحة جعلت من نفسها نجمة مشهورة بسبب غباء وسذاجة متابعيها.
سمية القذافي : أنا أعرف عدة أسماء مشهورة في الطبخ مثل )تسنيم المهلهل، وزينب ناصيف، ومنى معتوق، وفتافيت «مدام ماجدة»( وكلهن يقدمن محتوى تعليميًا في أصول الطبخ الليبي، وحتى العالمي؛ وكذاك الشيف محمود النجار، ومحمد دوفان، وهيثم قرقواش(.
وأتبع في المصور سند الاحلافي ودكتور زياد عبدالله المتخصص في الأطفال، نستفيد منه كثيرًا، وعنده شعبية لدى كل الأعمار لأن أسلوبه ناجح، والدكتورةآية كعبار طبيبة تقدم معلومات تربوية بأسلوب علمي مبسط محتوها اعتبره ممتازًا جداً، والسيدة المحترمة رقية دومة حتى هي رسالتها رائعة التي تبثها للأجيال.
والمجالات الفنية مليئة بأسماء ما شاء الله مبدعون مثل: عبدالحميد البحباح في التصميم الداخلي والديكور رغم صغر سنه استطاع تقديم أفكار مبتكرة وعنده متابعين بعدد كبير و«ميكاب ارتست» أو فنيات التجميل عدة أسامي أذكر منها منال شواط و«جود العرب» رائعات ومحترمات، وفاطمة الطيب حتى هي تقدم «ريفيو»، أو تغطية على محال وماركات معينة في العطور،أو الملابس هي والإعلامية غالية بوزعكوك التي تملك محل عطور وملابس في وسعاية بديري من تنفيد مصمم عالمي أعتقد فهي عرفتْ كيف تطور من نفسها حتى أنها أصبحت محط اختبار في مناسبات عدة مثل استقبال الضيوف من الفنانين العرب عندما يزورون ليبيا لأنها صارت وجهًا إعلاميًا مشرفًات وليست مجرد صانعة محتوى.
أفنان حمزة : أكثر من يعجبني من صُنَّاع المحتوى في البنات هي «يوسا» وأختها «تزيكوري» أي معناها سكر بالإيطالي، وهديل فهمي، وأتابعهن حتى حساباتهن الشخصيبة، ولو رأينا في مجتمعات أخرى لوجدنا أنَّ صناعة المحتوى أصبحت مهنة رسمية مثلها مثل المدرس، أو الدكتور، فمنهم المعلم الفاشل، أو المعلم الناجح والترويج للدعايات يعد جزءًا من شغل صانع المحتوى، فهو يقوم بتجربة المنتج أولاً ولو رضى عليه واستحسن نتائجة ينصح به متابعيه وبما أنه شخص مشهور ومحبوب من متابعيه فبالتأكيد معظم الشركات ستستغل هذه الميزة لصالح تمرير مبيعاتها.
والمؤثرون من الرجال على «التيك» مثل ثبوث الفضل، والكيندر وإيهاب الشعراوي هم الأشهر حالياً وبصراحة نقاشاتهم لا تمت لعقيدتنا ولا أخلاقنا بصلة يختاروا في مواضيع حساسة ويطرحونها بلغة مخلة بعيداً عن الأسلوب العلمي غير مقبولة والتي يشاهدوها الصغار والكبار.
وأكثر ما يستفزني في فـئة البنات التي تخرج بصوتها فقط وتخفى جزءًا من وجهها، أو تظهر بـ«الفلتر» مثل «يوسا»، أو تعطى بالظهر وتصور يومياتها بكل تفاصيلها لتجني المال.
والغريب أنّ فيه منهن من قامت بممارسات خارجة عن القانون، وتم إيقافها وسجنها، وبعد فترة يفرجوا عنها وتخرج لتستأنف نشاطها وتزداد شهرةًعن قبل.