إجتماعي

الزوجة والمستشار نفقة أبناء الحاضنة في القانون الليبي

فايزة العجيلي

بداية‭ .. ‬وقبل‭ ‬التطرق‭ ‬لصلب‭ ‬الموضوع‭ ‬نعرض‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬من‭ ‬أروقة‭ ‬دوائر‭ ‬محاكم‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬للقارئ‭ ‬الكريم‭ ‬فهم‭ ‬اشكالية‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح‭ ‬ومنها‭ ‬حالة‭ ‬‭- ‬الأخت‭ )‬م‭ . ‬ع‭(‬‭ ‬أم‭ ‬لابنة‭ ‬وحيدة‭ ‬وقد‭ ‬سأتْ‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬منذو‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬العامين،‭ ‬حيث‭ ‬تركها‭ ‬ببيت‭ ‬والدها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينفق‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬ابنتها‭ ‬دينارًا‭ ‬واحدًا‭ ‬طيلة‭ ‬المدة‭ ‬الماضية،‭ ‬وعند‭ ‬تقديمها‭ ‬لطلب‭ ‬فرض‭ ‬نفقة‭ ‬مستعجلة‭ ‬قضتْ‭ ‬لها‭ ‬المحكمة‭ ‬بمبلغ‭ ‬۲۰۰‭ ‬دينار‭ ‬بواقع‭ ‬۱۰۰‭ ‬دينار‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ! ‬كذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الأخت‭ )‬ح‭ . ‬ب‭(‬‭ ‬مطلقة‭ ‬وحاضنة‭ ‬لابنة‭ ‬وحيدة‭ ‬قضى‭ ‬لها‭ ‬بمبلغ‭ ‬‮٢٥٠‬‭ ‬دينارًا‭ ‬نفقة‭ ‬شاملة‭ ‬لبديل‭ ‬السكن،‭ ‬ونفقة‭ ‬المحضونة‭ ‬وأجرة‭ ‬حضانة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬للقارئ‭ ‬حجم‭ ‬المعاناة‭ ‬المادية‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬الزوجة،‭ ‬أو‭ ‬المطلقة‭ ‬الحاضنة‭ ‬فإضافة‭ ‬لتحملها‭ ‬معاناة‭ ‬تربية‭ ‬أبنائها‭ ‬فهي‭ ‬تتحمل‭ ‬وحدها‭ ‬تكاليف‭ ‬توفير‭ ‬سُبل‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬أنّ‭ ‬تضمنها‭ ‬بمبالغ‭ ‬مالية‭ ‬زهيدة‭ ‬كالتي‭ ‬ذكرناها‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬عملنا،‭ ‬ونرى‭ ‬والله‭ ‬اعلم‭ ‬انه‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬الاشكال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعديل‭ ‬النصوص‭ ‬المذكورة‭ ‬فيلزم،‭ ‬والد‭ ‬الابناء‭ ‬بتوفير‭ ‬القيمة‭ ‬المالية‭ ‬المناسبة‭ ‬لابنائه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬وضعه‭ ‬المادي؛‭ ‬فحالة‭ ‬العُسر‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ترجع‭ ‬لظروف‭ ‬خارجةعن‭ ‬إرداته‭ ‬إنما‭ ‬لتكاسله‭ ‬أو‭ ‬رغبة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬طليقته،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬عمليًا،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬ثبت‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬التكسب،‭ ‬والعمل‭ ‬نتيجة‭ ‬لمرض‭ ‬بدني‭ ‬أو‭ ‬نفسي‭ ‬أو‭ ‬نحوه‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬الدولة‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬وتوفر‭ ‬المال‭ ‬بدلاً‭ ‬عنه‭ ‬ولأن‭ ‬القول‭ ‬بعكس‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬حاليًا‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬التحايل‭ ‬على‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬كترك‭ ‬الملزم‭ ‬بالنفقة‭ ‬لعمله‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬للتملص‭ ‬من‭ ‬واجباته،‭ ‬وخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬العسر‭ ‬المصطنع،‭ ‬والضحية‭ ‬بطبيعة‭ ‬هم‭ ‬الأبناء‭ ‬والحاضنة‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬سلبية‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬العميق‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬الأسرة‭ ‬ككل‭.‬

الرأي‭ ‬القانوني

إنّ‭ ‬النفقة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الليبي‭ ‬لها‭ ‬عدة‭ ‬أوجه‭ ‬تختلف‭ ‬بحسب‭ ‬من‭ ‬فرضت‭ ‬له،‭ ‬ولمن‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭.‬

ففي‭ ‬القانون‭ ‬نفقة‭ ‬للزوجة‭ ‬على‭ ‬زوجها،‭ ‬ونفقة‭ ‬للأبناء‭ ‬على‭ ‬والدهم‭ ‬ونفقة‭ ‬للوالدين‭ ‬على‭ ‬أبنائهم‭ ‬وما‭ ‬يهمنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدَّد‭ )‬نفقة‭ ‬الأبناء‭( ‬على‭ ‬والدهم‭ ‬وهنا‭ ‬المشَّع‭ ‬الليبي‭ ‬ووفقًا‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭  )‬‮٧١‬‭( ‬من‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭)‬‮١٠‬‭( ‬لسنة‭ ‬۱۹‮٨٤‬‭ ‬تجبُ‭ ‬نفقة‭ ‬الصغير‭ ‬على‭ ‬والده‭ ‬‮«‬الموسر‮»‬‭ .. ‬ونصتْ‭ ‬المادة‭ )‬‮٢٤‬‭( ‬من‭ ‬القانون‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬طلب‭ ‬زيادة‭ ‬النفقة‭ ‬إذا‭ ‬ظهر‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ظاهرًا‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬الملزم‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬تغيرتْ‭ ‬ظروف‭ ‬المعيشة‭ ‬ونحوه‭ .. ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النفقة‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بحسب‭ ‬حاجة‭ ‬الأبناء‭ ‬أو‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الفعلية‭ ‬إنما‭ ‬تقدر‭ ‬بحال‭ ‬الملزم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كونه‭ ‬مقتدرًا‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬السالف‭ ‬الذكر‭ ‬القى‭ ‬بمهمة‭ ‬الاثبات‭ ‬على‭ ‬الزوجة‭ ‬أو‭ ‬الحاضنة‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬اصعب‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المتقاضين‭ ‬هي‭ ‬مسالة‭ ‬الاثبات‭ .‬

فالنصوصُ‭ ‬المذكورة‭ ‬جعلت‭ ‬الزوجة‭ ‬أو‭ ‬الحاضنة‭ ‬تلهث‭ ‬وراء‭ ‬مسألة‭ ‬اثبات‭ ‬وضع‭ ‬طليقها‭ ‬المادي‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬لها‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬يقضى‭ ‬لها‭ ‬بزيادة‭ ‬النفقة‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬وحاجة‭ ‬أبنائها‭ ‬وما‭ ‬يتخلله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬عملية‭ ‬شبه

تعجيزية‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للمعنى‭ ‬أعمالٌ‭ ‬حرة‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المطلقة‭ ‬لا‭ ‬مصلحة‭ ‬مباشرة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬النفقة‭ ‬من‭ ‬عدمها؛‭ ‬فالنفقة‭ ‬لأبنائها‭ ‬وليستْ‭ ‬لها؛‭ ‬فلماذا‭ ‬يلقى‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬مهمة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الصعوبة‭ ‬وهي‭ ‬اثبات‭ ‬حالة‭ ‬يسر‭ ‬زوجها‭ ‬أو‭ ‬طليقها‭ ‬؟‭!!‬

وما‭ ‬يزيد‭ ‬الطينُ‭ ‬بلة‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الحاضنة،‭ ‬وإن‭ ‬حاولتْ‭ ‬العمل‭ ‬بنفسها‭ ‬لتحسين‭ ‬وضع‭ ‬أبنائها‭ ‬المعيشي‭ ‬تكون‭ ‬عرضةً‭ ‬لاسقاط‭ ‬الحضانة‭ ‬عنها‭ ‬لاختلال‭ ‬أحد‭ ‬شروط‭ ‬الحضانة‭ ‬ألا‭ ‬وهوا‭ ‬الأمانة‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬‮«‬المحضون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تستلزم‭ ‬رعايتهم‭!!.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬جليًا‭ ‬العيب‭ ‬التشريعي‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬المشرَّع‭ ‬الليبي‭ ‬والذي‭ ‬يستلزم‭ ‬تداركه‭.‬

                     

                        ‬المحامي‭/‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬نعمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى