
يُعد التعليم الفني أحد العناصر الأساسية في بناء القدرات البشرية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في أي مجتمع؛ فهو أحد الركائز الأساسية لتنمية الاقتصادية واستدامتها.
تأتي أهمية التعليم الفني المتوسط كونه يلعب دوراً مهماً في تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل والدفع بعجلة الاقتصاد المحلي.
وفي ليبيا يواجه التعليم الفني مجموعة من التحديات الجسيمة التي تعرقل تقدمه.
وقد أثرتْ عدة عوامل على جودة الأداء في العملية التعليمية والتدريبية، مما أثر سلباً على جودة التكوين المهني..
كما تتجلى هذه التحديات في ضعف الإقبال على التعليم الفني، مما يُسهم في ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب .. كما أن هناك نقصًا في الوعي المجتمعي بأهمية التعليم الفني مقارنة بالتعليم الأكاديمي التقليدي.
فما هي أبرز التحديات التي تواجه التعليم الفني المتوسط؟
وهل تهتم وزارة التعليم التقني والفني بإقامة معارض لورش الدريب بالمعاهد الفنية المتوسط؟
وكيف تتحقق جودة وتحسين أداء التعليم الفني المتوسط؟
في هذا التحقيق، سنستعرض أبرز المشكلات التي تواجه التعليم الفني في كل المدن الليبية والحلول المقترحة التي من شأنها أنّ تحسن أداء مراكز التدريب الفني المتوسط.
الأستاذة آمال عمر معلم خبير في التعليم الفني المتوسط طرابلس أجابتْ قائلاً :
إن أبرز التحديات التي واجهتْ التعليم الفني المتوسط في ليبيا، والصراعات السياسية، والأمنية أدت إلى تدهور البنية التحتية، وتأخر صيانة ورش التدريب والمباني التعليمية؛ كما سبب نقص الموارد المالية والمادية كـ)المعدات والتجهيزات( اللازمة للتعليم إلى تراجع مستوى الخدمات في حسن أداء التعليم والتدريب.
وأوضحت قائلة :
لقد عانت وزارة التعليم التقني والفني من مشكلة تأخر الميزانية المخصَّصة لها مما أثر سلباً على جودة الأداء، وبالتالي على مخرجات التعليم الفني المتوسط. وأكدت أن نقص التمويل والموارد، و قلة الكوادر المؤهلة ووجود العوامل الاجتماعية والثقافية التي تؤثر أيضاً على اختيار الطلاب لهذا النوع من التعليم.
وأوضحت أن أهم المشكلات تتمثل في ضعف الوعي المجتمعي بأهميته مما يُسهم في نقص الإقبال عليه مقارنة بالتعليم الأكاديمي التقليدي. وأضافت يتوجه أولياء الأمور باللوم على مديري مكاتب وزارة التعليم التقني والفني في مشكلة ضعف وتدهور حال معاهد التعليم الفني المتوسط وعلى إدارة التوجيه والتقويم والقياس إلا إنه رغم مشكلات العمل التي تزدحم عليهم يومياً لكن أغلب المسؤولين يبذلون قصارى جهدهم في حلها قدر المستطاع.
كما شدَّدتْ على ضرورة أن يهتم صانعو القرار بتوفير احتياجات العملية التعليمية والتدريبية في المعاهد المتوسطة لأجل ضمان تحسين جودة التعليم الفني وتوجيهه نحو تلبية احتياجات سوق العمل بكفاءة وفاعلية تامة.
الأستاذ عبد الفتاح الهوني مدرب في قسم الكهرباء في معهد الفني المتوسط سبها قال من وجهة نظري أن أهم مشكلات التعليم الفني المتوسط هي سوء اختيار بعض المديرين الذين لا يتقنون فن الإدارة والقيادة؛ بل إذا أردت أن تحدد الخلل في تدهور حال التعليم الفني في أي معهد في ليبيا فهو يكمن في سوء اختيار المدير، وكذلك سبب ضعف أداء بعض مديري مكاتب وزارة التعليم التقني والفني إلى تدهور العملية التعليمية والتدريبة في أغلب مدن ليبيا خاصة بلديات الجنوب فبسبب تركز موقع الوزارة في طرابلس فقط ظهرت مشكلة صعوبة التنقل لأجل مراقبة ومتابعة سير العمل وجودته في المعاهد الفنية المتوسطة والتي أغلبها تعاني من مبانٍ قديمة وعدم تجديدها بما يلائم التقنية الحديثة، وأيضا أتاح غياب الرقابة والمتابعة الإدارية إلى انتشار الغش والواسطة في التعيينات والمحسوبية، وأيضاً ظلم للمعلمين من الرعيل الأول من حيث حقوقهم المالية وعدم تحصلهم على الفروقات المالية في معاشاتهم التي سعت نقابة التعليم الفني المتوسط إلى تحصيلها عن طريق رفع قضية واللجوء إلى المحاكم لأجل كسبها واسترجاع حقوقهم المالية .
وأضاف كما تعد مشكلة التهميش وعدم تميز ومكافأة المعلم والمدرب المجتهد في إحباط نفسي وحصر عملهم على التعليم والتدريب التقليدي وغياب حافز التشجيع على التطوير الذاتي للمعلم والمدرب في طريقة شرح الدروس للمواد العلمية )اللغة العربية، والإنجليزية والتربية الإسلامية والاتصال والتواصل والإبداع والتفكير وإدارة المشاريع الصغرى(؛ حيث تعتمد على )السبورة والكتاب(، ويركز موجه المواد على إتمام المنهج في الموعد المحدَّد دون مراعاة الظروف البيئة في شهور الشتاء، وحر الصيف بل وإلى ضعف بعض أداء الموجه، أو المفتش المواد وتغيبه عن عمله وقلة زياراته ومتابعته للمعاهد المحدَّدة لمتابعتها مع المحاباة لبعضهم، أو لسماع شكاوى المعلمين والمدربين الذين يعانون من سوء معاملة الموجه أثناء زيارته لبعض المعاهد الفنية المتوسطة إلى جانب مشكلة ضعف بعض المناهج وعدم مرونتها وقابليتها لتطوير وفق متطلبات العصر والتقنية الحديثة.
الأستاذ أسامة مغراوي مدرب بالمعهد المتوسط ومن مؤسسي نقابة معلمي التعليم الفني قال لقد أعلنا عن إشهار نقابتنا حديثاً، ودعونا وزارة التعليم التقني والفني لكن لم يحضر أحد من مديري مكاتبها، وقمنا بمحاولة إرجاع حقوق المعلمين المتقدمين بملفاتهم لأجل الحصول على الفروقات المالية، وكسبنا القضية إضافة إلى سعينا في وضع خطط لنهوض بالتعليم الفني في كل مدن ليبيا، ونحن مع المعلم، والمدرب فهو أساس نجاح التعليم الفني، وحاليا نبدأ في التخطيط في إصلاح منظومة التعليم الفني ووضع البرامج التي من شأنها تدفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال التعليم والتدريب بجودة وكفاءة.
وقال المهندس جمال عليوة تخصص مادة الحساب الفني بمعهد الفني المتوسط طرابلس :
إن أهم المشكلات هي تأخر صيانة ورش التدريب وعدم توفر مواد الخام في بعض الورش مما سببت قفل بعض الأقسام، وبقاء الآلات المستوردة من الخارج عدة سنوات دون تشغيل، وهذا إهدار للمال العام .
وأشار إلى عامل الإحباط النفسي الذي أثّر على أداء سير العملية التعليمية والتدريبية في المعاهد الفنية المتوسطة والتي يرجعها مديرو مكاتب الوزارة ومديرو المعاهد الفنية المتوسطة إلى عدم توفر المال المخصص للأنشطة كإقامة مسابقات بين المعاهد سواء في أحسن وأفضل وسيلة تعليمية وتدريبة، أو منتجات تفيد الطالب المتدرب ويجعل عمله مهم في السوق المحلي خاصة الطلاب الذين اختاروا مهنة في قسم )الكهرباء، أو الرسم المعماري، أو التبريد والتكييف، أو النجارة، والبناء والحاسوب .. وغيرها(.
وأكد على أهمية إقامة معرض في نهاية كل فصل دراسي لمختلف المهن؛ فهي تتيح بعث روح المنافسة والإبداع والتألق في تطوير المهن لتجد مكانتها في السوق المحلي، وتتخلص ليبيا من مشكلة البطالة والاعتماد على العمل الحر بدل مشكلة الزوائد والضغط على ميزانية الدولة لموظفين ومعلمين زوائد في المعاهد، والمكاتب التابعة للوزارة.
وشدَّد عليوه على ضرورة أن تصرف الوزارة المال وتهتم بالبرامج والأنشطة التي يقدمها المعلمون والمدربون التابعين للمعاهد الفنية المتوسطة ولا تهمش مقترحاتهم، وأن تكون برامج التدريب والتطوير مستمر ويشمل جميع العاملين في وزارة التعليم التقني والفني.
وفي سياق متصل قال الأستاذ سمير المحجوبي موظف في المعهد الفني المتوسط طرابلس وأيضاً عضو نقابة معلمين المعاهد الفنية المتوسطة:
لنا خبرة في مجال عملنا بالمعهد الفني المتوسط، ويأسفنا حال المعاهد الفنية المتوسطة التي غابت جلها في المعرض الدولي.
وأوضح قائلاً بخصوص مشاركة وإشراف وزارة التعليم التقني والفني في المعرض الذي أقيم على أرض المعارض في طرابلس في بداية شهر يناير لسنة 2025 م فقد كانت لنا جولة داخل أروقة المعرض فلفت الانتباه حجم المشاركات، وهنا يكمن السؤال مَنْ هم هؤلاء المشاركون في المعرض؟ فقد تم اختيارهم ومشاركتهم تحت إشراف وزارة التعليم التقني والفني، أي وزارتنا نحن المعلمين في المعاهد الفنية المتوسط.
أين هي مؤسسات التعليم الفني؟، أين هي أنشطة ورش المعاهد الفنية المتوسطة من هذا الحدث؟ فأين مشاركة ولو نص المعاهد الفنية المتوسطة التي عددها «400» معهد على مستوي ليبيا ؟ أين هي مخرجاتهم وأين هي مشاركاتهم
وتساءل المحجوبي لماذا يحظى التعليم الخاص بهذه الحفاوة، وهذا الاهتمام؟؛ فأغلب المشاركين قطاع خاص، ومن تونس، وبلد أجنبي .. كما تساءل هل الإمكانات المالية، واللوجستية لوزارتنا نحن معلمو المعاهد الفنية المتوسطة مسخَّرة فقط للقطاع الخاص على حساب القطاع العام أم أنها اعتمد نشاط الوزارة فقط في دعم وتشجيع معرض خاص ويكون أهم من القطاع العام.
موضحًا لمن يبحث عن الإجابة هذا هو أهم أسباب تدني مستوى جودة وأداء المعاهد الفنية المتوسط ليس في طرابلس فقط بل أغلب مدن ليبيا بهذا الشكل.
وقال هذه هي الإجابة عن الأسئلة التي منها لماذا مخرجات التعليم الفني ضعيفة، ولمن يسأل عن العزوف عن الدراسة في المعاهد الفنية المتوسطة؛ فالإجابة واحدة كانت واضحة أرض معرض طرابلس الدولي، وهي اهتمام وزارتنا تركز على القطاع الخاص وتهميش أنشطة ورش التدريب في المعاهد الفنية المتوسطة كقطاع عام.
وأكد إن استمر عمل أصحاب القرار في مكاتب إدارات وزارة التعليم التقني والفني هكذا بالتركيز على إقامة معرض للقطاع الخاص فهذا يشير إلى حقيقة واقع التعليم والتنبؤ بانهياره وفشله كما فشل التعليم العام وتوقفه في بعض مناطق الجنوب.
وختم قائلاً : نحن ينطبق علينا المثل )نسمع جعجعة .. ولا نرى طحينًا(.
وفي السياق ذاته قال أستاذ حسين مرادي موجه في المعهد الفني المتوسط الخمس : لقد زرتُ أروقة معرض طرابلس الدولي للتعليم والتدريب الذي افتتح من أسبوعين، ومن خلال تجوالي فيه لاحظتُ غيابًا كبيرًا لمشاركات المعاهد الفنية المتوسطة وكذلك أغلب المعاهد العليا باستثناء معهد المهن الزراعية القصيعة الذي شارك بحفارة المياه الجوفية لهم مني كل الشكر مع ملاحظة أن أغلب المشاركين هم شركات تدريب خاصة عربية وأجنبية.
مؤكدًا أن هذا المعرض لم يظهر دور التعليم الفني المتوسط في ليبيا بالوجه الفعلي والمطلوب.
وتساءل هل من المعقول من )412( عدد المعاهد الفنية المتوسطة في ليبيا نجد معهدًا، واحدًا مشاركًا فقط ماذا يعني هذا .. اترك لكم التعليق للقراء الأفاضل.
أستاذ محمد إبراهيم ناشط حقوقي قال :
بصفتي ولي أمر أتكلم بكل حرقة على ما وصلنا إليه في قطاع التعليم عامة، وأصبحتْ ليبيا طبقات من يملك المال يتعلم، ومَنْ لا يملك المال عليه أن يدفع الضريبة، وإن اللوم على الرقابة في تطبيق القوانين، وغيب الإدارة الحكيمة، وضعف رسم الخطط أسهم في حالة التردي للمنظومة التعليمية مؤكدًا أن فساد قطاع التعليم عامة يحتاج إلى ثورة للتصحيح، ولا بد من توفير الإمكانات المالية لصيانة المعاهد المتوسطة، وتوفير مواد الخام واختيار المدير الكفء والموجه المثالي، والتركيز على متابعة المفتش التربوي في أداء عمله باحترافية تامة واستمرار برامج التدريب، وإقامة المعارض والمسابقات والأنشطة التي تُسهم في تنمية وتطوير التعليم الفني وتطوير المناهج، والقضاء على الغش وتطبيق القوانين على المتغيبين عن عملهم وإعطاء الحقوق المالية للمعلمين كي لا يبحثون عن عمل يكمل احتياجاتهم البشرية، ولا يكون الطالب بسيارة فخمة والمعلم يعني تعطل سيارتهو، ويستنجد بالطالب الثري بعد أن تعب من دعم وتشجيع وزارته له.