ثقافة

الحقيقة في الميزان

هند التواتي

تبدأ‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬اروقة‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬والصحفي‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الاستكشاف‭ ‬الحذر‭. ‬الصحفي،‭ ‬بحدسه‭ ‬المهني‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القصة،‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬معلومة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفتاحًا‭ ‬لكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬حدث‭ ‬ما‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يستقبل‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬هذا‭ ‬الصحفي‭ ‬الجديد‭ ‬بترحاب‭ ‬حذر،‭ ‬هدفه‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬المعلومات‭ ‬وتوجيه‭ ‬الضوء‭ ‬نحو‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭.‬

لكن،‭ ‬بمجرد‭ ‬ظهور‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭ ‬أو‭ ‬وقوع‭ ‬أزمة‭ ‬ما،‭ ‬يتغير‭ ‬مسار‭ ‬العلاقة‭ ‬يتحول‭ ‬الصحفي‭ ‬إلى‭ ‬محقق‭ ‬دقيق‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬ويسعى‭ ‬لسماع‭ ‬مختلف‭ ‬الأصوات‭ ‬محاولًا‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تناقض‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية،‭ ‬بالمقابل‭ ‬يجد‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الدفاع‭ ‬حيث‭ ‬يسعى‭ ‬لتقديم‭ ‬تفسيرات‭ ‬مقنعة‭ ‬للأحداث‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متحفظة‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬تظهر‭ ‬قيمة‭ ‬الثقة‭ ‬المتبادلة‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصحفي‭ ‬والمكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬العادية‭ ‬فقد‭ ‬يجد‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬مصدرًا‭ ‬موثوقًا‭ ‬للمعلومات‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬شاب‭ ‬الماضي‭ ‬تجميل‭ ‬للحقائق‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬معلومة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬ستواجه‭ ‬بالشك‭ ‬والريبة‭.‬

العلاقة‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬دائمًا‭ ‬صراعًا‭ ‬هناك‭ ‬صحفيون‭ ‬يقدرون‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬وتوفير‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد،‭ ‬وهناك‭ ‬مسؤولون‭ ‬إعلاميون‭ ‬يدركون‭ ‬أهمية‭ ‬الصحافة‭ ‬الحرة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الحقائق‭ ‬للمجتمع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬علاقة‭ ‬تعاون‭ ‬وشراكة‭ ‬حقيقية‭ ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬الطرفان‭ ‬معًا‭ ‬لكشف‭ ‬الحقائق‭ ‬وخدمة‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬موقعه‭… ‬

لكن‭.. ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬تظل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصحفي‭ ‬والمكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الحكومي‭ ‬علاقة‭ ‬حذرة،‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬التعاون‭ ‬والتحفظ،‭ ‬بين‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الوضوح‭ ‬والضرورة‭ ‬في‭ ‬التكتم‭. ‬إنها‭ ‬علاقة‭ ‬معقدة‭ ‬تعكس‭ ‬طبيعة‭ ‬السلطة‭ ‬والإعلام،‭ ‬وتتطلب‭ ‬فهمًا‭ ‬وتقديرًا‭ ‬لدوافع‭ ‬كل‭ ‬طرف،‭ ‬بهدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬وهو‭ ‬إخبار‭ ‬الناس‭ ‬بالحقائق‭ ‬بصدق‭ ‬وأمانة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى