
شكري الميدي
مات «يوسا»، ولم يكتبْ روايةً عظيمةً مثل:
)مئة عام من العزلة( .. )يوسا( هو الكاتبُ الأكثر أهميةً لفهم أساليب الكتابة الروائية، لكنه أقل فهماً لكتَّاب يعتبرهم هو عظماء، فهمه لـ)فوكنر(؛ مثلاً لا يقترب أبداً من فهم «ماركيز»، ربما هو أمرٌ متعلق بنشأته، وخياراته السياسية، هناك ضعفٌ مزعجٌ في طريقة كتابته للروايات، والقصص، لا يمكن معرفة هل هي حيوية مفرطة، أم جمود في حيويته؟ مهما كان الوضع، فإنه لا يسمح له بانتاج عمل ضخم مثل )خريف البطريرك(، أو قصة قصيرة مثل قصة )موتٌ معلنٌ(، مقالاته عن الأدب تظهر هذا الضعف المراوغ، هو كاتبٌ عظيم لم يفهم كتبًا كبيرة مثل: روايات )همنغواي(، واعتبرها فقط أسلوباً جديداً لكاتب بوهيمي، بالنسبة لكاتب مثل التركي «أورهان باموق»، فإن «يوسا» طريق مهم لفهم كيفية كتابة رواية عالمية، من كاتب في بلد عالم ثالثي، قنطرة يمر عليها الكاتب الشاب بحشد من الأدباء من «دوستويفسكي» إلى «تولستوي» إلى «سارتر وكامو»، و«فلوبير» ليصل أخيراً إلى شكل مشابه لِمَ أصبح عليه بـ«اموق»: كاتب عظيم من دون رواية واحدة عظيمة، بل حشد هائل من نصوص سهلة النسيان، «يوسا» يقدم هذا المزيج السحري، الذي يجعلكَ تحسَ أن كتابة عمل كلاسيكي أمر ممكن، بالرغم من المتعة التي تقدمها رواياته فإنها تظل أكثر تواضعًا من الأعمال العظيمة كتب مثل: «حفلة التيس»، «شيطانات الطفلة الخبيثة»، «مديح الخالة»، «حلم السلتي»، وقصة «الجراء»، كلها تبدو كأنها سيناريوهات لمسلسلات رخصية تم إعادة كتابتها في هيئة روايات، أنت تسير معها ببساطة إلى نهايتها المعدة مسبقاً، في مكتبتي عددٌ كبيرٌ من كتبه، أعتقد أحياناً إنني تأخرتُ كثيراً في قرأته، «يوسا» كاتب يجب أن تقرأه، وأنت في العشرين حتى تستفيد منه كثيراً، رواية، أو ثلاث فقط من كتبه لا تمنحك أي فرص لفهمه كاملاً أو جزئياً، هو كاتب متجدَّد، ينتقل عبر مواضيع كثيرة وقارات مختلفة، لكنه يكتب بالطريقة نفسها، وغالباً يصل للنتائج نفسها، لم تترجم سيرته الذاتية بعد للعربية، مشكلاته العائلية لم يتم مناقشتها ابداً، تأثيرها كبير في أدبه، خياراته السياسية هي الأخرى فشلت بشكل مضحك وتعاليقه على الأحداث السياسية الأخيرة تظهر نفس مشكلات رواياته، لا تعرف إن كانتْ حيوية مفرطة أم حيوية تعاني الجمود! لا بد أنه صدم كثيرًا لتبدل موقف أمريكا من الحرب «الروسية-الأوكرانية»، هي حرب دعته لإعادة قراءة روايات «تولستوي وغروسمان»، وكتب عنها في مقالات ممتعة، يمكنها أن تعلمنا أهمية إعادة قراءة الكلاسيكيات لفهم الأحداث السياسية…