
سرد بصري لتجارب عقود …
من قلب المدينة القديمة النابض بالحياة والأسرار، دعانا الفنان التشكيلي بشير أبو جناح لدخول عالمه الخاص حيث تتجسد الألوان في أبهى صورها وتتحول معها اللوحة إلى حديقة ساحرة ذات ألوان اخاذة..
كانت دعوة للتأمل في سيمفونية بصرية فريدة حيث تتناغم الخطوط والألوان في لحن بديع يلامس شغاف القلب..
من داخل أروقة عبدالمنعم بن ناجي تجلت براعة الفنان و رؤيته في تطويع الألوان لتعبر بكل حرفية عن خلجات النفس الإنسانية وأحاسيسها المتنوعة، تتراقص الدرجات اللونية بتناغم بديع تأخذنا في رحلة استكشافية لأبعاد جديدة من الجمال والتعبير…
”أبعاد لونية” لم يكن مجرد عرض لأعمال فنية و لوحات تشكيلية ، بل هو حوار صامت بين الفنان ولوحاته وبين المتلقي والقصص التي ترويها الألوان في رحلة ممتدة لعقود زمنية، أبعاد لونية فتح أفق جديدة للتذوق البصري.
برعاية كريمة من الجمعية الليبية للفنون التشكيلية ودعم من جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس، فتح هذا المعرض أبوابه لاستقبال عشاق الفن والجمال، ليشاركوهم هذه اللحظات الساحرة التي جسدها إبداع الفنان بشير أبو جناح من خلال أربعون لوحة تراوحت أعمارها من الخمسينات إلى عمر الشهرين و هي آخر لوحاته التي شارك بها في المعرض…
زيارتنا كانت في الفترة الصباحية مبتعدين عن زحام الإفتتاح ليتسنى لنا مشاهدة اللوحات بروية وليكون لنا متسع من الوقت للحديث مع الفنان أبو جناح وكان حسن الحظ حليفنا في هذه الزيارة حيث ألتقينا بالفنان التشكيلي محمد الغرياني رئيس الجمعية الليبية للفنون التشكيلية إلى جانب الفنان بشير أبو جناح اللذي بدأ بنا رحلة في عوالم الريشة واللون والبعد الثالث البصري للوحة وما تحويه من أفكار وجماليات متحدثا بشغف عن كل لوحة وقصتها وما تحمله من أفكار ومعاني عميقة إضافة للبعد الجمالي واللوني في تناسق هندسي دقيق و الفترة الزمنية التي استغرقها العمل على كل لوحة..
حدثنا أبو جناح عن معرضه الأول اللذي أقامه في فندق الشاطيء شهر مايو 1976 ليقرر بعده التوقف عن إقامة المعارض و المشاركة فيها لقناعته بأن تلك الفترة لم تكن ذات بيئة خصبة و ملائمة لممارسة أنواع الفنون و الثقافة لكنه لم يتوقف عن ممارسة شغفه الفني بالرسم والتطوير من أسلوبه حتى صنع لنفسه لونا فنياًّ متفردا لاحظه وشهد به كل من شاهد لوحاته لذلك سألته
هل تتبع لوحاتك الفنية مدرسة محددة كالمدرسة التكعيبية مثلا..؟
فكان جوابه بالنفي وأن لوحاته تتبع مدرسته الفن الحديث والبعد الثالث وهي نتاج خبرة سنوات ممتدة قاربت السبعين عاما وهي ما لا يمكن أن نشاهده في أي معرض آخر محلي أو عالمي حتى..
هل ترى أن الوضع الفني اليوم أفضل مما كان عليه وهو ما شجعك على العودة بمعرض متميز؟
رغبتي الكبيرة كانت وراء عودتي بالإضافة لتشجيع و دعم عدد من الأصدقاء كالفنان محمد الغرياني وفناني الجمعية الليبية للفنون التشكيلية كان له دور مهم أما الوضع حاليا متذبذب وغير مستقر ولا يمكن الحكم عليه بالأفضلية او عدمها..
توجهنا بعدها للفنان التشكيلي محمد الغرياني رئيس الجمعية الليبية للفنون التشكيلية
الذي بدت ملامحه منشرحة ولم تخفي كلماته ذلك وعبر عن سعادته بشكل شخصي وبصفته الرسمية لعودة الفنان بشير أبو جناح بمعرضه الثاني بعد غياب و توقف دام 49 سنة متحدثا عن الافتتاح الذي تم بحضور عميد بلدية طرابلس إبراهيم خليفة ولفيف من الفنانين والصحفيين والمهتمين بالشأن الفني.. وأشاد الغرياني بجماليات ورقي اللوحات المعروضة وعمق أفكارها وتداخلاتها اللونية القوية، وعبر عن دعم الجمعية الليبية للفنون التشكيلية للفنان أبو جناح وكل الفنانين بشكل دائم للنهوض بالحركة التشكيلية وايصال الصورة الحقيقية للفن والفنان الليبي في عموم ليبيا وخارجها إن سنحت الفرص والظروف لذلك وطالب الغرياني أبو جناح بالإستمرار مهما كانت التحديات لرفع الذائقة العامة والبصرية ونشرها لتصبح ثقافة مجتمعية سائدة.