
اتخذ المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية من نشره كتاب العالم الإيطالي فابريتسو موري عن آثار أكاكوس وإقامته غير القصيرة بين مُكوِّن الطوارق ونقله إلى العربية من الاختصاصي الأكاديمي الليبي نور الدين بن سعيد وتقديم الروائي الكبير إبراهيم الكوني، ليصير مناسبة للاحتفاء بمُكوِّن الطوارق وقدرتهم على كسب كبار مثقفي العالم عندما يَحِلّونَ بينهم ومشاهدة آثارهم والإنصات إليهم والكتابة عنهم بما يلقي المزيد من الضوء على ما يزخر به جنوبنا الحبيب من الآثار والخصائص الإنسانية التي ساعدت على هذا الانجاز في لغة المؤلف ومثل ذلك مقدرة المترجم، ليتحشد في الثامن عشر من سبتمبر بقاعة المجاهد هذا التجمع النوعي من المهتمين وحضور هذه الاحتفالية بالغة الدلالة بما أسبغه عدد من كبار رموز الطوارق تقدَّمَهم رئيس المجلس الأعلى للمُكوِّن، جامعين بين غات وأوباري إلى جانب تواصل الروائي الكبير الكوني من مقر إقامته الأوروبية عبر تقنية «الزوم» والمشاركة بما ارتآه حول الشأن الثقافي ورموزه ممن رأى جدارتهم بشهادته وعظيم وزنه جامعا بين الانسان والمكان، فكان بصنيعه مِثَالَ ذي الفضل الذي لا يتذوق السعادة إلا بما يسبغ من كريم النعوت والإشادة التي لا ترتقي إليها جميع أُعطيات ذوي السلطة وصفاتهم ما دام المتحدث إبراهيم الكوني.
لقد استحضرت وأنا أنتشي بما استمعت إليه مما تفضل به الكوني عن ذلك المشوار الطويل الذي يعود إلى العام الثامن والستين من القرن الماضي عندما حلَّ الشاب إبراهيم بالمدينة بادياً من ذلك الدرب الذي وصفه السابقون «بالالتزام» واعتبره سيئو المنافسة بالهدام، فانغمس فيه الكوني غير عابئ بالتحسس والذي لم تزده الفترات اللاحقة وتحديدا في السبعينيات غير المصاعب ليلقى الكثيرون ما لقوا مما لم يكن الكوني خارجه، إلا أنه استمر في الرهان على انتاج النص النظري والسردي معولا على ما زخر به محيطه، للمضي والتطور ليتحقق له ذلك الرصيد الذي لا يضاهى كمّا وكيفا إن جازت التفرقة من حيث المؤلفات التي لا تخلو منها واجهة من واجهات أشهر مكتبات العالم، بعضها ممهور باسمه وبعضها الآخر مُكرَّس لنصوص وإجازات العالم لمن تَجَسّموا الكتابة عنه، ومن هنا لم أجد حرجا في عدم إقراره في العتب عن عدم الاهتمام بما يكتب، إذ مع الإيمان بأن المنجز الكوني ما يزال يتسع للمزيد من البحث ويتوفر على المزيد من الشواهد، فإن ذلك لا ينفي أهمية الكثير مما قدم بدليل أن المُحاضر نور الدين قد حضّرَ أُطروحته الجامعية عن الفنون السينمائية في أدب الكوني وغير ذلك كثير مما لا يتسع المجال لذكره الآن دون أن ننسى ما انتظم من الندوات في أكثر من جامعة ومدينة وتجمع من تجمعات الثقافة ولن نذكر التكريمات، فهي مهما كثرت أقل من المنجز مهما بدت كثيرة، وإذا كنا نعتز بما أفاض فيه أديبنا الكوني حول المركز ودوره والجراري وحسن إدارته، فإننا ننتظر وكما ذكرنا في أول تعقيب افتتحت به التعليقات أن يحض الكوني الأديب أخاه الكوني السياسي «موسى» المُناط به تمثيل الجنوب في المجلس الرئاسي ذي الرؤوس الثلاثة، حيث يجمع الكوني بين تمثيل الجنوب والمُكوِّن «التارقي» فيشمل بدوره المركز تسييرا ودورا والجنوب ورجاله مستفيدا مما يقوم به شركاؤه في المجلس المذكور تجاه أهلهم وأقليمهم، عسى أن يرد ما أضاعه من سبقه في مجلس الدولة ورئاسته حسب الاتفاق، فضاعت «لقاء سفارة» وهيئات أخرى كثيرة نُصَّ عليها وبقت على الورق مع أن الكفاءات أكثر من أن تُعد، علما بأن الحديث لا يعني الجهوية وإنما يعني الحرص على الوحدة والتي لن تدوم إلا بالعدل في الفرص والاستشارة الحقيقية، تلك التي طالما كان أمثال العربي عبد القادر والنور بن طاهر ومنصور بن خليفة وزيدان بدر ومحمد بن عثمان وأبو بكر أحمد ومحمد بلقاسم «مع حفظ ألقاب الجميع»، ممن كانوا دوما في مستوى المسؤولية عند تقدم الصفوف باسم الجنوب، رحم الله من رحل منهم وأمد في عمر من بقى