ثقافةرتوش

الحصاد: مواسم الطمأنينة

أ‌. فرج غيث

يقول‭ ‬المثل‭ ‬‮«‬اجمع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬راني‭ ‬جاي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مثل‭ ‬فلاحي‭ ‬يعني‭ ‬بداية‭ ‬موسم‭ ‬الحصاد‭ ‬‮«‬الْحَصِيْدة‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬من‭ ‬مواسم‭ ‬الحصاد‭ ‬التقليدي‭ ‬‮«‬للقمح‭ ‬والشعير‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تُنتجه‭ ‬الزراعة‭ ‬التقليدية‭ ‬وذلك‭ ‬بالحرث‭ ‬على‭ ‬الدوابّ،‭ ‬وهي‭ ‬زراعة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المطر،‭ ‬فالحصاد‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬المواسم،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أهمّها،‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬المناطق‭ ‬الجبلية‭ ‬يتأخّر‭ ‬قليلاً‭ ‬بسبب‭ ‬برودة‭ ‬الطقس‭ ‬التي‭ ‬تؤخِّر‭ ‬نُضج‭ ‬الزَّرع،‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الحصاد‭ ‬تبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬دَرْس‭ ‬الحبوب،‭ ‬حيث‭ ‬تشحذ‭ ‬الهمم‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬من‭ ‬يقومون‭ ‬بالحصاد،‭ ‬على‭ ‬صدى‭ ‬الأغاني‭ ‬والأهازيج‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬العزيمة،‭ ‬لأن‭ ‬موسم‭ ‬الحصاد‭ ‬مسؤولية‭ ‬جماعية،‭ ‬يتشاركها‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الفوارق‭ ‬العمرية،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أغاني‭ ‬وأهازيج‭ ‬الحصاد‭ ‬‮«‬الترجيز‮»‬‭ ‬المصاحبة‭ ‬للعمل‭ ‬وفي‭ ‬نسق‭ ‬المناسبة،‭ ‬‮«‬الزرع‭ ‬يريد‭ ‬مناجل‭ ‬ويد‮»‬،‭ ‬‮«‬لها‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬الغوط‭ ‬خيال‮»‬،‭ ‬‮«‬نا‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬حصادة‭ ‬على‭ ‬نحرثه‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬يجيه‭ ‬من‭ ‬برم‭ ‬عضادة‭ ‬عظم‭ ‬الشقاء‭ ‬ما‭ ‬يبالى‮»‬،‭ ‬‮«‬ريت‭ ‬النملة‭ ‬بمحيزمها‭ ‬جت‭ ‬للفار‭ ‬تشاكى‭ ‬فيه‭ ‬قالت‭ ‬يا‭ ‬عويل‭ ‬الهم‭ ‬هال‭ ‬الزرع‭ ‬تماضو‭ ‬فيه‮»‬‭ ‬‮«‬كل‭ ‬عام‭ ‬والزرع‭ ‬داير‭ ‬والسيل‭ ‬فيه‭ ‬حائر‭ ‬ونملو‭ ‬منه‭ ‬الغراير‮»‬،‭ ‬‮«‬تَمَّت‭ ‬تلْتَفّ‭ .. ‬مِن‭ ‬ضَرْب‭ ‬الكَفّ‮»‬،‭ ‬‮«‬صَدْر‭ ‬الْخَرْجة‭ .. ‬مَوْعَر‭ ‬دَرْجه‮»‬‭ ‬‮«‬اضْرِب‭ ‬والْقِط‭ .. ‬في‭ ‬اللي‭ ‬تسْقِط‮»‬،‭ ‬‮«‬يا‭ ‬طَرّادي‭ .. ‬لَك‭ ‬مِن‭ ‬غادي‮»‬،‭ ‬‮«‬يا‭ ‬طَرّادي‭ .. ‬لَك‭ ‬بضْمادي‮»‬،‭ ‬‮«‬جَتْ‭ ‬تسَّنَّدْ‭ .. ‬لامِسّا‭ ‬حَدْ‮»‬،‭ ‬‮«‬تَمَّن‭ ‬الغَمار‭ .. ‬في‭ ‬الغَوْط‭ ‬أَسْطار‮»‬،‭ ‬‮«‬جابَوها‭ ‬جَيْب‭ .. ‬اقْلال‭ ‬العَيْب‮»‬،‭ ‬‮«‬يا‭ ‬زَرْع‭ ‬الشَّوْك‭ .. ‬هَلَك‭ ‬فاتَوْك‮»‬،‭ ‬يا‭ ‬قَشّ‭ ‬اقْشَيْش‭ .. ‬في‭ ‬راسَك‭ ‬عَيْش‮»‬،‭ ‬‮«‬منَّك‭ ‬مْحَتُور‭ .. ‬غَدا‭ ‬وفطُور‮»‬،‭ ‬‮«‬لَوْلاد‭ ‬السّمْر‭ .. ‬قَبْضتِّم‭ ‬غمْر‮»‬،‭ ‬بُو‭ ‬قَبْضة‭ ‬غمْر‭ ,, ‬مخالِب‭ ‬نمر‮»‬،‭ ‬‮«‬سَلم‭ ‬ارْجالِك‭ .. ‬فَضَّوا‭ ‬بالِك‮»‬،‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ظهري‭ ‬واِيْدي‭ .. ‬مِن‭ ‬تهْوِيْدي‮»‬،‭ ‬‮«‬عام‭ ‬دايِر‭ .. ‬يا‭ ‬ابْرك‭ ‬الْمطايِر‮»‬‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬السهول‭ ‬الزراعية،‭ ‬هناك‭ ‬عاشق‭ ‬ومعشوق‭ ‬بارزين‭ ‬لهذه‭ ‬السهول،‭ ‬وهما‭ ‬الفلاح‭ ‬وأرضه،‭ ‬حيث‭ ‬يستغل‭ ‬الفلاح‭ ‬عودة‭ ‬مواسم‭ ‬الخير‭ ‬ونزول‭ ‬قطرات‭ ‬الندى،‭ ‬ليسارع‭ ‬عند‭ ‬نضج‭ ‬الحبوب‭ ‬ويباس‭ ‬سنابله‭ ‬لاقتناص‭ ‬الفرص‭ ‬والبدء‭ ‬بـ‭ ‬الحصيد،‭ ‬وبقيت‭ ‬مواسم‭ ‬الحصاد‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬أصالتها‭ ‬وعاداتها‭ ‬التي‭ ‬توارثها‭ ‬المزارعون‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬المحاصيل‭ ‬ما‭ ‬يُحصد‭ ‬بالأيادي‭ ‬وبعضها‭ ‬بالمناجل،‭ ‬وفور‭ ‬وصول‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬إلى‭ ‬الزرع‭ ‬يصطفون‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬واحد‭ ‬خلف‭ ‬سنابل‭ ‬القمح‭ ‬أو‭ ‬الشعير،‭ ‬ويكون‭ ‬بينهم‭ ‬صاحب‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الحصاد،‭ ‬ويحدد‭ ‬مكان‭ ‬الحصاد‭ ‬والكميات‭ ‬المراد‭ ‬حصادها،‭ ‬ويتميز‭ ‬دائماً‭ ‬بالسرعة‭ ‬التي‭ ‬يحصد‭ ‬فيها،‭ ‬هكذا‭ ‬تبدأ‭ ‬طقوس‭ ‬الحصاد‭ ‬منذ‭ ‬الفجر‭ ‬وتنتهي‭ ‬قبل‭ ‬الظهيرة‭ ‬عند‭ ‬زوال‭ ‬الندى‭ ‬‮«‬الرطوبة‮»‬،‭ ‬ويضل‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬حتى‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الحصاد،‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬استخدام‭ ‬أدوات‭ ‬الحصاد‭ ‬المتعددة‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬المتبقية،‭ ‬وعادة‭ ‬يبدأ‭ ‬تجهيز‭ ‬أدوات‭ ‬الحصاد‭ ‬قبل‭ ‬الموسم،‭ ‬وهي‭: ‬المناجل،‭ ‬الْحَمّادية‭ ‬‮«‬لضمّ‭ ‬السنابل‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬وعاء‭ ‬منسوج،‭ ‬أو‭ ‬تُخاط‭ ‬من‭ ‬عِدّة‭ ‬‮«‬شوالات‮»‬‭ ‬وتُحمَل‭ ‬على‭ ‬الحمار،‭ ‬وقد‭ ‬تُستعمل‭ ‬الشبكة‭ ‬للضمّ‭ ‬وتُحمل‭ ‬على‭ ‬الجمل‭. ‬الوَلاّي‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يلي‭ ‬الزَّرْع‭ ‬ويقتطع‭ ‬منه‭ ‬قِطعاً‭ ‬للحَصّادة‭ ‬كلّ‭ ‬قطعة‭ ‬تُسَمَّى‭ ‬‮«‬خَرْجة‮»‬،‭ ‬الْجَحّاش‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يحصد‭ ‬في‭ ‬الطرف‭ ‬الْمُقابل‭ ‬للوَلاّي،‭ ‬صَدْر‭ ‬الْخَرْجة‭ ‬الْحَصّادة‭ ‬الموجودون‭ ‬بين‭ ‬الوَلاّي‭ ‬والْجَحّاش،‭ ‬الْخَرْجة‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الزَّرع‭ ‬يقطعها‭ ‬الوَلاّي‭ ‬سُمِّيت‭ ‬خَرْجة‭ ‬لأنَّ‭ ‬الحَصّاد‭ ‬يُخرجها‭ ‬عن‭ ‬بقيّة‭ ‬الزَّرْع،‭ ‬القَبْضة‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬قَبْضة‭ ‬اليد‭ ‬من‭ ‬السنابل،‭ ‬الغمْر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬قَبضات‭ ‬السنابل‭ ‬توضع‭ ‬متعاكِسة‭ ‬حتى‭ ‬يسهل‭ ‬حَمْلها،‭ ‬الْحِلّة‭ ‬هي‭ ‬تَجميع‭ ‬السنابل‭ ‬في‭ ‬القَصْلَى‭ ‬بكميّة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الغمْر،‭ ‬القَصْلَى‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تبَقَّى‭ ‬من‭ ‬أُصول‭ ‬السنابل‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬بعد‭ ‬حصدها‭ ‬جَمْعها،‭ ‬التلْقِيط‭ ‬هو‭ ‬لَقْط‭ ‬السنابل‭ ‬التي‭ ‬تسقط‭ ‬منفردة‭ ‬أو‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬الساق‭ ‬الحامل‭ ‬لها،‭ ‬الكَرْكفَة‭ ‬هي‭ ‬الحصاد‭ ‬باليد‭ ‬مباشرة‭ ‬دون‭ ‬استعمال‭ ‬المنجل‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬يشتد‭ ‬الحرّ‭ ‬وتكون‭ ‬السنابل‭ ‬سهلة‭ ‬الكَسْر،‭ ‬الرَّغّاطَة‭ ‬حين‭ ‬يعجز‭ ‬صاحب‭ ‬الزَّرْع‭ ‬عن‭ ‬حصاده‭ ‬يجتمع‭ ‬جيرانه‭ ‬وأقاربه‭ ‬والمحيطون‭ ‬به‭ ‬عموماً‭ ‬ليُعاونوه‭ ‬على‭ ‬الحصاد،‭ ‬الضَّمّام‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بحمل‭ ‬الحَمّادية‭ ‬أو‭ ‬الشبكة‭ ‬المملوءة‭ ‬بالسنابل‭ ‬إلى‭ ‬القاعة،‭ ‬خَرْجة‭ ‬باركْلُو‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬خَرْجة‭ ‬في‭ ‬الزَّرْع‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬انتهاء‭ ‬الحصاد،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنّها‭ ‬‮«‬بارك‭ ‬له‮»‬‭ ‬أي‭ ‬اجعل‭ ‬فيه‭ ‬البَرَكة‭.‬

يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬يوسف‭ ‬عقيلة‭: ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الحصاد‭ ‬تبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬دَرْس‭ ‬الحبوب،‭ ‬الْمَجْرَن‭ ‬وهو‭ ‬كدس‭ ‬أو‭ ‬كَوم‭ ‬السنابل‭ ‬حصيلة‭ ‬الحصاد‭ ‬وتوضَع‭ ‬على‭ ‬صفاة‭ ‬وهي‭ ‬قاع‭ ‬صخري‭ ‬تُسَمَّى‭ ‬‮«‬القاعَة‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬لتسهيل‭ ‬دَرْس‭ ‬السنابل،‭ ‬الدّرِيْخة‭ ‬هي‭ ‬طَرْح‭ ‬الْمَجْرَن‭ ‬على‭ ‬القاعَة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬دائرة‭ ‬بحيث‭ ‬تتمكن‭ ‬الخيل‭ ‬من‭ ‬الدَّوران‭ ‬فوقها،‭ ‬الْمدار‭ ‬مجموعة‭ ‬الخيول‭ ‬التي‭ ‬تدُور‭ ‬فوق‭ ‬الدّرِيْخة‭.‬

الْحَبّاسة‭ ‬هي‭ ‬الفرس‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬أي‭ ‬داخل‭ ‬المدار‭ ‬وسُمّيت‭ ‬حَبّاسة‭ ‬لأنّها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬أضيق‭ ‬دائرة‭ ‬كأنّها‭ ‬مَحبوسة‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحبس‭ ‬الخيل‭ ‬فوق‭ ‬الْمَجرن‭ ‬لأنّ‭ ‬الحبل‭ ‬الموصول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الدَّرّاس‭ ‬وقد‭ ‬يستعملون‭ ‬حماراً‭ ‬لوظيفة‭ ‬الْحَبّاسة‭ ‬بسبب‭ ‬قصره‭ ‬وتناسبه‭ ‬مع‭ ‬الدوران‭ ‬الضَّيِّق،‭ ‬اللَّوّاحَة‭ ‬الفَرَس‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬اليمين‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬طرَف‭ ‬المدار‭ ‬من‭ ‬الخارِج‭ ‬وقالوا‭ ‬في‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬ما‭ ‬يحْبِس‭ ‬يلُوح‮»‬،‭ ‬مدار‭ ‬بُو‭ ‬وَجْهَيْن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الْمَجْرَن‭ ‬كبيراً‭ ‬يُرْبَط‭ ‬فَوقه‭ ‬مداران‭ ‬وتكون‭ ‬بينهما‭ ‬مسافة‭ ‬كافية‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬المداران‭ ‬من‭ ‬الإبل‭ ‬لأنَّ‭ ‬حركتها‭ ‬أبطأ‭ ‬مما‭ ‬يَجعل‭ ‬حركة‭ ‬المدارَين‭ ‬تسير‭ ‬بسلاسة‭ ‬دون‭ ‬اصطدام،‭ ‬الرَّوْنَج‭ ‬هو‭ ‬النَّوْرَج‭ ‬وهو‭ ‬أداة‭ ‬مُفَلْطَحة‭ ‬مُسَنَّنة‭ ‬من‭ ‬الأسفل‭ ‬تجرها‭ ‬الخيل‭ ‬ويقف‭ ‬فوقها‭ ‬الدَّرّاس‭ ‬ومهمتها‭ ‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬الدّرْس،‭ ‬التّذْراي‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬دَّرْس‭ ‬الحبوب‭ ‬تبدأ‭ ‬عملية‭ ‬التذرية‭ ‬وهي‭ ‬التصفية‭ ‬بالمذاري‭ ‬و«المذاري‮»‬‭ ‬جَمْع‭ ‬‮«‬مذْرىَ‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬شَوكة‭ ‬معدنية‭ ‬ثلاثية‭ ‬أو‭ ‬رباعية‭ ‬الأسنان‭ ‬ولها‭ ‬مقبض‭ ‬خشبي‭ ‬يقولون‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬الشعبي‭ ‬‮«‬حِطّ‭ ‬المذاري‭ ‬عَلى‭ ‬التّبْن‮»‬‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬تتدخَّل،‭ ‬العَوْن‭ ‬هي‭ ‬الرِّيْح‭ ‬وسُمِّيت‭ ‬بذلك‭ ‬تفاؤلاً‭ ‬ولأنّها‭ ‬تُعِيْن‭ ‬الذّرّاي‭ ‬على‭ ‬فَرْز‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬التّبْن‭ ‬والتعبِيْر‭ ‬الشعبي‭ ‬‮«‬راقِد‭ ‬رِيْح‮»‬‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فبعد‭ ‬دَرْس‭ ‬الحبوب‭ ‬وعند‭ ‬مرحلة‭ ‬التصفية‭ ‬يحتاج‭ ‬الدارِس‭ ‬إلى‭ ‬الرِّيْح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التَّذْرية‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الرِّيْح‭ ‬‮«‬راقدة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬خامدة‭ ‬فإنّ‭ ‬الدارس‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬التَّذْرية‭ ‬والتصفية‭ ‬فيقال‭ ‬‮«‬فلان‭ ‬راقِد‭ ‬رِيْح‮»‬‭ ‬ثُمَّ‭ ‬توسعت‭ ‬دِلالة‭ ‬التعبير‭ ‬فأصبحت‭ ‬تعني‭ ‬الفَقْر‭ ‬والعَجْز،‭ ‬الغَيْزة‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬التذرية‭ ‬وفصل‭ ‬التّبْن‭ ‬تبْقَى‭ ‬بعض‭ ‬أعواد‭ ‬التبن‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحملها‭ ‬الرِّيْح،‭ ‬كذلك‭ ‬بعض‭ ‬السنابل‭ ‬المتكسِّرة‭ ‬،‭ ‬فيطرحونها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتدور‭ ‬فوقها‭ ‬الخيل‭ ‬مرَّة‭ ‬أخرى‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يُسَمَّى‭ ‬‮«‬الغَيْزة‮»‬،‭ ‬الفرّاحَة‭ ‬هي‭ ‬الغصن‭ ‬الذي‭ ‬يكنسون‭ ‬به‭ ‬القاعة،‭ ‬أو‭ ‬يُنَقُّون‭ ‬به‭ ‬الحبوب‭ ‬وسًمِّيت‭ ‬فرّاحة‭ ‬من‭ ‬الفَرَح‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬التفاؤل‭ ‬كذلك‭ ‬تسمية‭ ‬روث‭ ‬الخَيل‭ ‬الذي‭ ‬يسقط‭ ‬على‭ ‬الدريخة‭ ‬‮«‬تَمْر‮»‬،‭ ‬العرْمَة‭ ‬هي‭ ‬الغَلَّة‭ ‬المُصَفّاة‭ ‬المُكَدّسة‭ ‬بعد‭ ‬الدّرْس‭ ‬و«عَرَّم‮»‬‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬الليبية‭ ‬كَدَّسَ‭ ‬في‭ ‬الصِّحاح‭ ‬واللسان‭ ‬‮«‬عرم‮»‬‭ ‬‮«‬العَرَمُ‭ ‬والعَرَمةُ‭ ‬الكُدْس‭ ‬الذي‭ ‬جُمِعَ‭ ‬بعدما‭ ‬دِيْسَ‮»‬،‭ ‬القِرْفة‭ ‬ما‭ ‬تبَقَّى‭ ‬من‭ ‬السنابل‭ ‬التي‭ ‬لَم‭ ‬تُدْرَس‭ ‬والحبوب‭ ‬التي‭ ‬لَم‭ ‬تنفصل‭ ‬عنها‭ ‬قشورها‭ ‬وهي‭ ‬تُستَعمل‭ ‬عَلَفاً‭ ‬للحيوانات‭ ‬قالوا‭ ‬في‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬‮«‬كِلّ‭ ‬قاعَة‭ ‬لْها‭ ‬قِرْفة‮»‬‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬قبيلة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬العيوب،‭ ‬عَلُوق‭ ‬المدار‭ ‬الخيول‭ ‬التي‭ ‬تُستخدَم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الدّراس‭ ‬‮«‬المدار‮»‬‭ ‬تُسْقَى‭ ‬أوَّلاً‭ ‬ثُم‭ ‬تُمنَح‭ ‬بعض‭ ‬العَلَف‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مَيْزورة‭ ‬شعير‭ ‬بحسب‭ ‬كميّة‭ ‬الغَلَّة،‭ ‬المكاييل‭ ‬تُستعمل‭ ‬عِدَّة‭ ‬مكاييل‭ ‬لكَيْل‭ ‬الغَلَّة‭ ‬من‭ ‬عِدَّة‭ ‬أحجام‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الْمَيْزُورَة‮»‬‭ ‬من‭ ‬المعدن‭ ‬أسطوانيّة‭ ‬الشكل‭ ‬جَمعها‭ ‬‮«‬موازير‮»‬‭ ‬و«القاوِيْطة‮»‬‭ ‬مكيال‭ ‬صغير‭ ‬يُعادل‭ ‬لتراً‭ ‬تقريباً‭ ‬إذا‭ ‬قِيْس‭ ‬بالسوائل‭ ‬‮«‬الكَيْلة‮»‬‭ ‬مقدار‭ ‬ست‭ ‬موازير‭ ‬‮«‬المَكْيَل‮»‬‭ ‬مقدار‭ ‬ثلث‭ ‬كَيْلة‭ ‬أي‭ ‬‮«‬ميزورتان‮»‬،‭ ‬الْمَرْطَة‭ ‬عَصَا‭ ‬رقيقة‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬حوافّ‭ ‬كاللوحة‭ ‬ومهمّتها‭ ‬جعل‭ ‬مكيال‭ ‬الْمَيْزورة‭ ‬أكثر‭ ‬دِقّة‭ ‬وذلك‭ ‬بملء‭ ‬الميزورة‭ ‬بالغَلّة‭ ‬حتَّى‭ ‬تتجاوز‭ ‬حوافَّها‭ ‬ثُمّ‭ ‬يَمْسحونها‭ ‬بالْمَرْطَة‭ ‬فيقولون‭ ‬‮«‬مَيْزورة‭ ‬مَمْروطة‮»‬‭ ‬ثُم‭ ‬استُعمِلت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مَمْروطة‮»‬‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الامتلاء‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وأَصْل‭ ‬الْمَرْط‭ ‬الإزالة‭ ‬كإزالة‭ ‬الرِّيْش‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬الطائر‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬‮«‬‭ ‬فالْمَرْط‭ ‬‮»‬‭ ‬هو‭ ‬إزالة‭ ‬الغلَّة‭ ‬الزائدة‭ ‬عن‭ ‬مقدار‭ ‬الميزورة‭ ‬ويقولون‭ ‬‮«‬مَرّطه‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬ضربه‭ ‬بالعصا‭ ‬وأصلها‭ ‬الضرب‭ ‬بالمرطة‭.‬

خَيْرَك‭ ‬وزدْته‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التفاؤل‭ ‬أيضاً‭ ‬وإحلال‭ ‬البَرَكَة‭ ‬استبدال‭ ‬الأرقام‭ ‬بالكلمات‭ ‬أثناء‭ ‬كَيل‭ ‬الغَلَّة‭ ‬فالشوال‭ ‬يتَّسع‭ ‬عادة‭ ‬لستّ‭ ‬موازير‭ ‬وشوال‭ ‬بوخَطّ‭ ‬يتسع‭ ‬لثمان‭ ‬والغرارة‭ ‬تتسع‭ ‬لتسع‭ ‬فتكون‭ ‬الأعداد‭ ‬من‭ ‬واحد‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭ ‬كالتالي‭ ‬‮«‬1‭ ‬بَرَكة‭ ‬2‭ ‬بَرَكتين‭ ‬3‭ ‬ثلاث‭ ‬بركات‭ ‬4‭ ‬نربحوا‭ ‬5‭ ‬غَمْسة‭ ‬6‭ ‬خَيْرَك‭ ‬وزدْته‭ ‬7‭ ‬شَبعة‭ ‬8‭ ‬تمانِي‭ ‬9‭ ‬نَسْعَدو‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الواحد‭ ‬واحد‭ ‬الله‭ ‬والاثنان‭ ‬لا‭ ‬ثاني‭ ‬معه،‭ ‬ضَمّة‭ ‬القَشّة‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬مرحلة‭ ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬حيث‭ ‬تُنْقَل‭ ‬الغَلَّة‭ ‬والتّبْن‭ ‬لتخزينها‭ ‬في‭ ‬الكاف‭ ‬وقد‭ ‬تُخَزَّن‭ ‬الغَلَّة‭ ‬في‭ ‬المطامِيْر‭ ‬و‭ ‬‮«‬المطامير‮»‬‭ ‬جَمْع‭ ‬مَطْمورة‭ ‬وهي‭ ‬حُفرة‭ ‬كبيرة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬القُمْع‭ ‬تُفْرَش‭ ‬بالتِّبْن‭ ‬وتُبَطَّن‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬توضع‭ ‬فيها‭ ‬الغَلَّة‭ ‬وتُرْدَم‭ ‬بالتُّراب‭ ‬أي‭ ‬‮«‬تُطْمَر‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬سُمِّيت‭ ‬‮«‬ضمّة‭ ‬القَشّة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشِّعر‭ ‬الشعبي‭ ‬بذلك‭ ‬لأنَّها‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ألوان‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬الأخرى‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬غناوي‭ ‬العَلَم‭ ‬فيطلبون‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬الشعراء‭ ‬قائلين‭ ‬‮«‬ضمّ‭ ‬لنا‭ ‬القَشّة‮»‬‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى