رأي

ليبيا لنا من عهد عاد

أمين مازن

أكتب‭ ‬التزامي‭ ‬هذا‭ ‬متزامنا‭ ‬مع‭ ‬الذكرى‭ ‬الخامسة‭ ‬والسبعين‭ ‬لأول‭ ‬دستور‭ ‬عرفه‭ ‬التاربخ‭ ‬الليبي‭ ‬المعاصر،‭ ‬وضعه‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسون‭ ‬لدولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬تنفيذا‭ ‬لقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬نوڤمبر‭ ‬للعام‭ ‬التاسع‭ ‬والأربعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والقاضي‭ ‬بمنح‭ ‬ليبيا‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتشكيل‭ ‬هيئة‭ ‬أُنيطت‭ ‬بها‭ ‬كتابة‭ ‬الدستور‭ ‬الليبي‭ ‬تُمَثَّل‭ ‬بواقع‭ ‬عشرين‭ ‬عضو‭ ‬لكل‭ ‬إقليم‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الثلاثة،‭ ‬برقة،‭ ‬طرابلس،‭ ‬فزان،‭ ‬رؤيَ‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬اختيار‭ ‬ممثلي‭ ‬برقة‭ ‬الأمير‭ ‬إدريس‭ ‬بوصفه‭ ‬محل‭ ‬إجماع‭ ‬ذلك‭ ‬الإقليم،‭ ‬فيما‭ ‬عُهِدَ‭ ‬للسيدين‭ ‬البشير‭ ‬السعداوي‭ ‬والمفتي‭ ‬محمد‭ ‬ابو‭ ‬الاسعاد‭ ‬العالم‭ ‬تسمية‭ ‬ممثلي‭ ‬طرابلس‭ ‬وأُسنِدَ‭ ‬للسيد‭ ‬أحمد‭ ‬سيف‭ ‬النصر،‭ ‬الذي‭ ‬حلَّ‭ ‬بالجنوب‭ ‬من‭ ‬مهجره‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬ليرافق‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المسلحين‭ ‬قوات‭ ‬الجنرال‭ ‬ديغول‭ ‬فيرفع‭ ‬الراية‭ ‬الفرنسية‭ ‬فوق‭ ‬المراكز‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬إيطاليا‭ ‬الفاشية،‭ ‬اختيار‭ ‬ممثلي‭ ‬الجنوب‭ ‬وقد‭ ‬انتهج‭ ‬أسلوب‭ ‬التعيين‭ ‬لاستحالة‭ ‬الانتخاب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوقت‭ ‬والنفقات‭ ‬وذلك‭ ‬بموافقة‭ ‬أغلبية‭ ‬الشركاء‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الزعيم‭ ‬البشير‭ ‬السعداوي‭  ‬ومثله‭ ‬السيد‭ ‬مصطفى‭ ‬ميزران،‭ ‬وآخرين‭ ‬معهما‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬الموقف‭ ‬المشبوه‭ ‬الذي‭ ‬انفرد‭ ‬به‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬عزام‭ ‬المنخرط‭ ‬في‭ ‬خلافات‭ ‬الليبيين‭ ‬منذ‭ ‬سِنِي‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬الإيطاليين‭ ‬عندما‭ ‬حلَّ‭ ‬عزام‭ ‬بطرابلس‭ ‬وصاهر‭ ‬من‭ ‬وجد‭ ‬لديه‭ ‬الاستعداد‭ ‬وجاء‭ ‬به‭ ‬النصيب‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬والمهم‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬تحلُّ‭ ‬ذكراه‭ ‬الخامسة‭ ‬و‭ ‬السبعين‭ ‬وتحديدا‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬وقد‭ ‬وُضِعَ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬واعتُبِرَ‭ ‬يوم‭ ‬إعلانه‭ ‬أحد‭ ‬الأعياد‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تُعطّلُ‭ ‬بها‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية‭ ‬حتى‭ ‬سبتمبر‭ ‬69‭ ‬حيث‭ ‬أُلغِيَت‭ ‬أكثرها‭ ‬أو‭ ‬كلها‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬عندما‭ ‬شاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬يُعلن‭ ‬عن‭ ‬إخراج‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬إيطالي‭ ‬وُصِفوا‭ ‬ببقايا‭ ‬الفاشيست‭ ‬وسُميَ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬بعيد‭ ‬إجلاء‭ ‬الطليان‭ ‬الفاشيست‭ ‬فبقيَ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عطلة‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬غروب‭ ‬شمس‭ ‬نظام‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬ليبقى‭ ‬التاريخ‭ ‬فيتعين‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الاتحادي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نتاج‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬كما‭ ‬يردد‭ ‬البعض،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬الاستعمار‭ ‬له‭ ‬خططه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬أملته‭ ‬اتساع‭ ‬المساحة‭ ‬وقيام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬ليس‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬خروج‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬متنازلة‭ ‬لإيطاليا،‭ ‬وإنما‭ ‬أقدم،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الشريف‭ ‬محمد‭ ‬الفاسي‭ ‬عندما‭ ‬حلَّ‭ ‬بالجنوب‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬مشروع‭ ‬دولة‭ ‬دفعت‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الربوع‭ ‬كالسيد‭ ‬حبيب‭ ‬الله‭ ‬الحسناوي‭ ‬إلى‭ ‬إعداد‭ ‬أطروحة‭ ‬جامعية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬نال‭ ‬بموجبها‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬طرابلس‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬الأحزاب‭ ‬عقب‭ ‬هزيمة‭ ‬الطليان‭ ‬الفاشيست‭ ‬مردُّه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أُطلِقَ‭ ‬عليه‭ ‬الأدوار‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الجهاد،‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬وإن‭ ‬وَزعت‭ ‬الجهود‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬دلّت‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬والذي‭ ‬لو‭ ‬وُجِدَت‭ ‬الدراسة‭ ‬الواعية‭ ‬لحمل‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬إيجابي‭ ‬وليس‭ ‬مجانية‭ ‬الشيطنة‭ ‬التي‭ ‬بدأتها‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬ورسخها‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬وسطحتها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬سُلَط‭ ‬فبراير،‭ ‬ولقد‭ ‬اخترت‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬وأرى‭ ‬جدارتها‭ ‬بالإثارة‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يطور‭ ‬النظرة‭ ‬ويوسع‭ ‬التناول‭ ‬ويقاوم‭ ‬الصمت‭ ‬القتّال،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬أهم‭ ‬الوثائق‭ ‬الأجنبية‭ ‬قد‭ ‬نُقِلَت‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬حواه‭ ‬كتاب‭ ‬الوسط‭ ‬عن‭ ‬برقة‭ ‬وطرابلس‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬حواه‭ ‬كتاب‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬المقريف‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬ومحاضر‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬ومجلس‭ ‬النواب،‭ ‬وأخيرا‭ ‬صدق‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬رفع‭ ‬صوته‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬ليبيا‭ ‬لنا‭ ‬ذات‭ ‬العماد،‭ ‬ليبيا‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬عاد‭.‬

6-10-2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى