
شغب !!
1970-1990: شهدت الملاعب الليبية عصرًا ذهبيًا نسبيًا
تقرير / عبير على أبو عافية خاص بصحيفة فبراير
هل الملاعب الليبية تُجهّز للموت أكثر من الكرة؟
في الوقت الذي تُجهّز فيه المنتخبات ملاعبها للفرح والانتصارات، تُجهّز الجماهير الليبية للأسوأ: الاشتباك، الاعتقال، وربما الموت.
الملاعب عندنا، لم تعد ساحات تنافس، بل “فخاخًا نفسية” ينفجر فيها الغضب المكبوت، والاحتقان اليومي، والولاء المفرط.
والسؤال الذي ينهض من تحت الركام هو: هل يمكن أن تُربى الجماهير؟ أم أن التوحش أصبح جزءًا من ثقافة الكرة الليبية؟
من الذهب إلى الانهيار
1970-1990: “
شهدت الملاعب الليبية عصرًا ذهبيًا نسبيًا، حيث كان جمهور فرق مثل الاتحاد، الأهلي طرابلس، النصر، والأهلي بنغازي، يحضر بعشرات الآلاف في مباريات الدوري الليبي الممتاز.
ولم تسجل في هذه الفترة أحداث شغب كبرى، سوى مناوشات محدودة تُعالج أمنيًا. كان التشجيع منظمًا، وهتافات الفرق تنتقل بين المدن كشعر شعبي.
2007 – حادثة ملعب بنغازي
في مارس 2007، شهد ملعب 28 مارس في بنغازي واحدة من أخطر الحوادث، عندما انهار جزء من مدرج المشجعين أثناء مباراة الأهلي بنغازي والنصر، وأسفر ذلك عن وفاة مشجع وإصابة أكثر من 30 آخرين.
كان ذلك أول إنذار صريح بأن البنية التحتية للملاعب خطرة، وأن الجماهير لم تعد آمنة حتى وهي تجلس على مقعدها.
2009 – شغب نهائي الكأس «الاتحاد × الأهلي»
شهدت نهائيات كأس ليبيا 2009 مشاحنات حادة بين جمهور الفريقين في ملعب طرابلس الدولي، وقُطعت المباراة أكثر من مرة بسبب رشق الملعب بالحجارة، واشتعال النيران في مدرجات معينة.
رغم ذلك، لم تصدر عقوبات صارمة، بل تم “لفلفة” الملف إعلاميًا.
ما بعد 2011 شغب بلا سقف
عقب الثورة، عاشت الملاعب حالة فراغ أمني، جعلت بعض المباريات تتحول إلى حروب مصغّرة.
في 2013 و2014، شهدت بعض المباريات حالات اقتحام جماعي للملعب، وضرب حكام، وإيقاف الدوريات لفترات.
ومن أبرز الحوادث:
2016: إيقاف مباراة النصر والأهلي بنغازي بسبب اشتباكات جماهيرية استخدمت فيها الأسلحة البيضاء.
2019: تعليق الدوري الليبي مؤقتًا بعد تحذيرات من “صعوبة السيطرة على الجمهور”.
2023: شغب جماهيري في مباراة “الاتحاد × المحلة” تسبب في تكسير مرافق عامة وجرح رجال أمن.
2025: الواقعة الأخيرة… ما حدث في طرابلس
في 27 يونيو 2025، خلال مباراة قمة جمعت بين فريق الاتحاد وأحد الفرق الصاعدة في ملعب طرابلس الدولي، اندلع شغب عنيف في المدرجات الجنوبية.
تم تسجيل إصابة 17 مشجعًا بينهم 3 حالات حرجة
خروج اللاعبين تحت الحماية الأمنية
تكسير 82 مقعدًا، واشتعال النيران في زاوية الملعب
الاعتداء اللفظي والجسدي على طاقم التحكيم
ولم تُصدر وزارة الرياضة حتى اللحظة بيانًا رسميًا، بينما اكتفى الاتحاد الليبي بإدانة “العنف غير المبرر”.
ثقافة التشجيع أم ثقافة التجييش!!؟
في دراسة ميدانية أعدّها مركز “الرصد الرياضي الليبي” عام 2022، تبيّن أن:
72% من المشجعين يأتون للملعب بدون وعي بقواعد التشجيع
64% يعتبرون “فوز الفريق هو انتصار شخصي”
48% لا يفرقون بين الانتماء الرياضي والانتماء القبلي/الجهوي
أي أن الأمر تعدّى الرياضة ليصبح مسألة هوية ضاغطة.
القوانين موجودة… ولكن!
في لائحة العقوبات التابعة للاتحاد الليبي لكرة القدم:
المادة 14: في حال الشغب يُمنع الجمهور لمدة 3 مباريات
المادة 21: في حال الاعتداء على الحكم تُخصم نقاط
المادة 29: يُمنع استخدام الألعاب النارية أو الشعارات السياسية
لكن للأسف، ورغم التكرار، لا تُفعّل العقوبات إلا في حالات نادرة.
في المقابل، في قوانين الفيفا والاتحاد الأوروبي «UEFA»:
تُفرض غرامات تصل إلى 100 ألف دولار على الأندية
يتم إغلاق المدرجات أو الملاعب
في حال التكرار، يُقصى الفريق من البطولات
الملاعب العالمية: هكذا يُربّى الجمهور
في إنجلترا، بعد فاجعة هيلزبره 1989 التي أسفرت عن وفاة 97 مشجعًا، فرضت الدولة إجراءات صارمة:
تركيب كاميرات مراقبة بـ 360 درجة
تحويل الملاعب إلى أماكن “جلوس فقط”
منع دخول من ليس له تذكرة مسجلة
تطبيق نظام “Fan ID”
وبهذا، أصبح جمهور الكرة أكثر تهذيبًا، وتم فصل الرياضة عن العنف.
وسؤال يطرح نفسه وبقوة
إلى متى نُصفق للخطر؟
إذا لم نراجع أنفسنا، ستظل مدرجاتنا ساحات انتظار للموت.
الكرة تحتاج إلى قوانين تُنفّذ لا تُجمّد، وإلى وزارة رياضة تتعامل بجدية، لا بيانات تبريرية.
ولعل أبسط سؤال يجب أن يُطرح اليوم هو:
من سيربي الجمهور؟ ومن سيحمي أطفالنا حين تتحول المدرجات إلى جبهات؟