ثقافة

وداعًا‭ ‬أيها‭ ‬المفكر‭ ‬الحر‭ ‬نجيب‭ ‬يحلق‭ ‬بعيداً

سميرة البوزيدي

عمر‭ ‬الكدي

وداعًا‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭ .. ‬وداعًا‭ ‬أيها‭ ‬المفكر‭ ‬الحر‭ .. ‬اليوم‭ ‬يرثيكَ‭ ‬العقلُ‭. ‬وترثيك‭ ‬الحرية،‭ ‬ويبكي‭ ‬من‭ ‬أجلكَ‭ ‬الجمالُ‭ ‬والضمير‭.‬

رحل‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭… ‬

أحمد‭ ‬يوسف‭ ‬عقيلة‭ ‬

إذا‭ ‬وصلني‭ ‬وقت‭ ‬الظهر‭ ‬فأول‭ ‬ما‭ ‬يبدأ‭ ‬بالصلاة‭ ‬قصرًا‭.. ‬وفي‭ ‬برد‭ ‬الجبل‭ ‬الأخضر‭ ‬يمسح‭ ‬على‭ ‬جورب‭ ‬سميك‭.. ‬ويقول‭ ‬باسماً‭: )‬طيبك‭ ‬سُنّة‭(.. ‬وفي‭ ‬المساءات‭ ‬نمشي‭ ‬سويًا‭ ‬في‭ ‬الغابة‭ ‬المجاورة‭.. ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬الطبخ‭.. ‬وجهاز‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭.. ‬يؤلف‭ ‬أو‭ ‬يترجم‭.. ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يسألني‭ ‬عن‭ ‬صياغات‭ ‬جُملة‭.. ‬أيها‭ ‬أفضل؟‭ ‬يستدل‭ ‬‮«‬بهيجل‮»‬‭ ‬و«اسبينوزا‮»‬‭ ‬وابن‭ ‬تيمية‭ ‬والإمام‭ ‬الشافعي‭.. ‬وبشعر‭ ‬المتنبي‭.. ‬وأحياناً‭ ‬تعجبه‭ ‬غناوة،‭ ‬أو‭ ‬شتاوة‭ ‬فيشرع‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬بلاغتها‭.. ‬وحين‭ ‬يقفز‭ ‬كالملدوغ‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬وقت‭ ‬الصلاة‭ ‬قد‭ ‬حان‭.. ‬يؤمّني‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬لأنه‭ ‬يُقصر‭ ‬وأنا‭ ‬مقيم‭.. ‬وفي‭ ‬سجوده‭ ‬يهمس‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬استرني‭ ‬واغفر‭ ‬لي‮»‬‭ .. ‬شمله‭ ‬الله‭ ‬برحمته‭ ‬الواسعة

رثاء‭ ‬محب‭ ‬للفلسفة

يوسف‭ ‬الغزال‭:‬

اكتبوا‭ ‬على‭ ‬قبر‭ ‬المرحوم‭ ‬‮«‬نجيب‭ ‬الحصادي‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬النص‮ ‬‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬بوست‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬وتفكيره‭ ‬وعلى‭ ‬لسانه‭ ‬وتعبيره،‭ ‬أستاذ‭ ‬المنهج نجيب‭ ‬الحصادي‭ ‬يضع‭ ‬دستورًا‭ ‬لتعريف‭ ‬الشخصية‭ ‬العلمية‭ ‬المدركة‭ ‬لضآلة‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬أمام‭ ‬معارف‭ ‬الكون،‭ ‬فهو‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭:‬

‭)‬مَنْ‭ ‬يدرك‭ ‬قدر‭ ‬سعة‭ ‬مجاله،‭ ‬ويعرف‭ ‬موضعه‭ ‬فيه،‭ ‬لن‭ ‬يمسّ‭ ‬نفسَه‭ ‬شيءٌ‭ ‬من‭ ‬كبر،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬يغترّ‭ ‬بنفسه‭ ‬إما‭ ‬جاهل‭ ‬بمجاله،‭ ‬بما‭ ‬يعميه‭ ‬عن‭ ‬الدراية‭ ‬بضآلة‭ ‬ما‭ ‬أنجز‭ ‬فيه؛‭ ‬أو‭ ‬جاهل‭ ‬بحقيقة‭ ‬نفسه،‭ ‬بما‭ ‬يجعله‭ ‬يتكلف‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحسن،‭ ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬أجدر‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بصغر‭ ‬لا‭ ‬بكبر‭(.‬

نجيب‭ .. ‬وُلِدَ‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬واغرته‭ ‬رائحة‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬كهوف‭ ‬الجبل‭ ‬الأخضر‭ ‬زمن‭ ‬مرقص،‭ ‬وتتبع‭ ‬آثار‭ ‬أقدام«أريتا‭ ‬أرستبوس»بنت‭ ‬قورينا‭ ‬الفيلسوفة‭ ‬الليبية‭ ‬ولدت،‭ ‬وعاشت‭ ‬في‭ ‬سفوح‭ ‬الجبل‭ ‬الأخضر‭ ‬عام‭ ‬400‭ ‬ق‭.‬م‭.‬

كانت‭ ‬السيدة‭ ‬‮«‬ريتا‮»‬‭ ‬أشهر‮ ‬‭ ‬مرأة‭ ‬فيلسوفة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القديم‮ ‬‭ ‬وقضت‭ ‬33‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬الفلسفة‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬تحلم‭ ‬بتحقيق‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الاحرار‭ ‬حيث‭ ‬لاسادة‭ ‬ولاعبيد‮ ‬‭ ‬وعند‭ ‬وفاتها‭ ‬كتبوا‭ ‬رثاء‭ ‬على‭ ‬قبرها‭ ‬يصف‮ ‬‭ ‬جمال‭ ‬وجهها‭ ‬ونبل‭ ‬طبعها‭  )‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬جمال‭ ‬إلهة‭ ‬الجمال‭ ‬‮«‬هيلين‮»‬،‭ ‬فضيلة‭ ‬ثيمرا،‭ ‬وروح‭ ‬من‭ ‬سقراط،‭ ‬ولسان‭ ‬هوميروس‭(.‬

تعد‭ ‬اشهر‭ ‬فيلسوفة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتلميذة‭ ‬والدها‭ ‬ارستبوس‭ ‬القوريني،‭ ‬ولدت‭ ‬وترعرت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬شحات‭ ‬وعاشت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ )‬400‭ – ‬340‭( ‬ق‭ . ‬م،‭ ‬وأمضت‭ ‬33‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬الفلسفة‭.‬

حدثٌ‭ ‬جلل‭ ‬يدفع‭ ‬لتوارد‭ ‬الأفكار‭ ‬والخواطر،‭ ‬هيا‭ ‬ندفن‭ ‬نجيب‮ ‬‭ ‬بإعتباره‭ ‬فيلسوفًا‭ ‬معاصرًا‭ ‬لمدرسة‭ ‬قورينا‭ ‬القديمة،‭ ‬ونكتب‭ ‬على‭ ‬قبره‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬صفاته،‭ ‬أو‭ ‬قبسًا‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬كلماته‭.‬

عائشة‭ ‬الأصفر‭ : ‬

عصافير‭ ‬الحكمة‭ ‬لا‭ ‬تموت‭.. ‬

إنها‭ ‬تطير‭ ‬حيث‭ ‬سرّ‭ ‬اليقين‭.. ‬

ألف‭ ‬رحمة‭ ‬ونور‭.. ‬العظيم‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭.‬

يمشي‭ ‬ولا‭ ‬يشبهه‭ ‬أحدًا‭ ‬

مفتاح‭ ‬العلواني‭: ‬

اليوم‭ ‬وحين‭ ‬وصلني‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬نجيب‭ ‬ابتعلتُ‭ ‬لعابي‭ ‬بمرارةٍ‭ ‬بالغة‭.. ‬بعدها‭ ‬بخمس‭ ‬دقائق‭ ‬رفعتُ‭ ‬الهاتف،‭ ‬وأخبرتُ‭ ‬أحمد‭ ‬يوسف‭ .. ‬ثم‭ ‬وجدتُ‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬حضر‭ ‬لحظتها‭ .. ‬سكت‭ ‬أحمد‭ ‬لثوان‭ ‬ثم‭ ‬طأطأ‭ ‬رأسه‭ ‬وبكى‭ ‬بحرقة‭ .. ‬كنتُ‭ ‬سأبكي‭ ‬برفقته‭.. ‬لكنني‭ ‬شعرتُ‭ ‬بأن‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬أحتضن‭ ‬أحمد‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬حين‭ ‬أبكي‭ .. ‬ثم‭ ‬انتباتني‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬كلمة‭ ‬لا‭ ‬أعرفها‭ .. ‬كلمة‭ ‬ذات‭ ‬صوت‭ ‬عالٍ‭.. ‬كبيرة‭.. ‬لا‭ ‬يسعها‭ ‬فمي‭ .. ‬ولا‭ ‬تكفي‭ ‬ربما‭ ‬لتخبر‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الغصة‭.‬

‭)‬مرحبًا‭ ‬مفتاح‭.. ‬طمني‭ ‬عنك‭(. ‬

هكذا‭ ‬كان‭ ‬يسألني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اتصال‭ ‬بصوتٍ‭ ‬بعيد،‭ ‬وقريب‭ ‬جداً‭.. ‬وبمحبةٍ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يبوح‭ ‬بها‭ ‬كعادته‭ ‬مع‭ ‬أحبته‭ .. ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تفيض‭ ‬منه‭ ‬عليهم‭.‬

هل‭ ‬تعرف‭ ‬نجيب؟‭ ‬

لا‭ ‬يمكنّني‭ ‬أن‭ ‬أحدثك‭ ‬عنه‭ ‬هكذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أبتسم‭.. ‬أن‭ ‬تتزاحم‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬رأسي‭.. ‬أن‭ ‬تتراكم‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭.. ‬وتتدافع‭ ‬الأفكار‭ ‬على‭ ‬لساني‭.‬‭. ‬كان‭ ‬نجيب‭ ‬فكرةً‭ ‬عظيمة‭ ‬تتدحرج‭ ‬وتتناثر‭ ‬منها‭ ‬الحكمة‭ ‬علينا‭.. ‬كان‭ ‬حين‭ ‬نتحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬بجانبه‭ ‬قليلاً‭ ‬ما‭ ‬يتكلم‭ .. ‬لكنه‭ ‬حاضر‭ ‬الذهن‭ ‬معنا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يكتب،‭ ‬أو‭ ‬يقرأ‭.. ‬ثم‭ ‬يلتفت‭ ‬فجأة‭ ‬ليخبرنا‭ ‬بفكرة،‭ ‬أو‭ ‬معلومة،‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬عما‭ ‬نتحدث‭ ‬عنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لأحد‭ ‬معرفتها‭ .. ‬كان‭ ‬يختصر‭ ‬لنا‭ ‬كتباً‭ ‬لم‭ ‬نقرأها‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬واحدة‭ .. ‬وكان‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬مفتاح‭ ‬العماري‭ :‬

‭)‬رجل‭ ‬بأسره‭ ‬يمشي‭ ‬وحيدًا‭( .. ‬نعم‭ ‬رجل‭ ‬بأسره‭ .. ‬بفخامته‭ ‬وفلسفته‭ ‬وحكمته‭ .. ‬يمشي‭ ‬ولا‭ ‬يشبهه‭ ‬أحدًا‭. ‬

نجيب‭ ‬كان‭ ‬ولياً‭ ‬صالحاً‭ .. ‬لا‭ ‬أذى‭ ‬يصل‭ ‬منه‭ ‬للآخرين،‭ ‬ولو‭ ‬بكلمة‭ ‬عابرة‭ .. ‬لا‭ ‬التفاتة‭ ‬تجرح‭ ‬الملتفت‭ ‬إليه‭.. )‬يمشي‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬ويسبقنا‭( ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سيره‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ .. ‬يطبخ‭ ‬لنا‭ ‬الطعام‭ ‬بنفس‭ ‬محبٍ‭ ‬عظيم‭ .. ‬ونأكله‭ ‬ونحن‭ ‬نمدح‭ ‬قلبه‭ ‬المكتظ‭ ‬بن‭ .. ‬يعمل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعمل‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬عشرينياته‭ .. ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬يفتش‭ ‬عن‭ ‬الإجابات‭.. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرةٍ‭ ‬يسقط‭ ‬فيها‭ ‬حجر‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬روحه‭.. ‬تطير‭ ‬أسرابٌ‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬بعيدًا‭ .. ‬هكذا‭ ‬هو‭ .. ‬متنٌ‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الأيام‭.. ‬والبقية‭ ‬هامش‭ ‬له‭. ‬

لقد‭ ‬غادرتنا‭ ‬بشكل‭ ‬فاجع‭ ‬يا‭ ‬رجل‭ .. ‬كان‭ ‬الأمرُ‭ ‬كمن‭ ‬خرق‭ ‬أحدهم‭ ‬أيامنا‭ ‬فانسكبتْ‭ ‬منها‭ ‬الطمأنينة‭.‬

يا‭ ‬رب‭ ..‬‮ ‬‭ ‬أعنّي‭ ‬على‭ ‬يدي‭ .. ‬يدي‭ ‬التي‭ ‬صارتْ‭ ‬ثقيلة‭ ‬جدًا‭.. ‬وأنا‭ ‬لازلتُ‭ ‬أدّخرها‭ ‬لوداعات‭ ‬كثيرة‭.‬

مربوحة‭ ‬يا‭ ‬نجيب‭.. ‬

مربوحة‭ ‬طريقك‭ ‬وزينة‭.‬

سيبقى‭ ‬اسمك‭ ‬

عبدالحميد‭ ‬بطاو‭: ‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يموت‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬

من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يموت

وبعضهم‭ ‬يحس‭ ‬ألف‭ ‬غصة‭ ‬قاتلة‭ ‬فى‭ ‬حلقه

لأنـه‭ ‬فى‭ ‬لحظـة‭ ‬الكـلام

والمواجهات

اختار‭ ‬ان‭ ‬يلتزم‭ ‬الســكوت

وأنت‭ ‬ياسيدنا

كنت‭ ‬مواجهًا‭ ‬وصـادقـًاوتبتسم

وتكـتم‭ ‬الألــم

ولا‭ ‬تقـول‭ ‬للذين‭ ‬اتخذوك‭ ‬رائـدًا

إنـى‭ ‬أخــاف‭ ‬المــوت

وهكذا‭ ‬سيبقى‭ ‬اسمك‭ ‬الحبيب

أنسـًا‭ ‬دائمــًا

وملهـمـًا‭ ‬للذكــر

لحـظة‭ ‬الصلاة‭ ‬والقـنوت‭ 

كتاب‭ ‬مفتوح‭ ‬

سالم‭ ‬العبار‭ : ‬

البذرة‮ ‬‭ ‬الصالحة‭ ‬يدفنوها‭ ‬فتنمو،‭ ‬إنها‭ ‬جدلية‭ ‬البذرة‭ ‬والتراب‭ ‬مستهل‭ ‬التخلق‭ ‬والبقاء‭ ‬والنماء؛‭ ‬فالتراب‭ ‬أصل‭ ‬التخلق‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬الشجر‭ ‬فكلنا‭ ‬بذور‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬الثمر‭ ‬والجماد،‭ ‬والبشر‭ ‬يظل‭ ‬أسمى‭ ‬استحقاق‭ ‬أن‭ ‬تلتقي‭ ‬الأرض‭ ‬بالسماء‭. ‬انه‭ ‬الاشتياق‭ ‬للقاء‭ ‬منذ‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬كان‭ ‬الالتقاء‭ ‬بين‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء‭ ‬في‭ ‬حبات‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬البخر‭ ‬في‭ ‬تنفس‭ ‬الشجر،‭ ‬وفى‭ ‬فعل‭ ‬الخيرين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬فمنا‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬يموت‭ ‬نقول‭ )‬إننا‭ ‬دفناه‭( ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬نقول‭  )‬لم‭ ‬ندفنه‭ ‬ولكنّنا‭ ‬زرعناه‭ ‬واسألوا‭ ‬عن‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬كانوا‭ ‬بذورًا‭ ‬فبلغوا‭ ‬السماء،‭ ‬فالمساحة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬هي‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الاكتمال‭ ‬بلقاء‭ ‬الخالق‭ ‬هو‭ ‬توق‭ ‬وجداني‭ ‬لا‭ ‬إرادي‭ ‬تذكيه‭ ‬وقدة‭ ‬ربانية‭ ‬بما‭ ‬نفخه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬توق‭ ‬للبقاء‭ ‬لذا‭ ‬فان‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشجر‭ ‬والخيرين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬كتاب‭ ‬مفتوح‭ ‬للتفاني‭ ‬والإيثار‭ ‬والعطاء‭ ‬فكلاهما‭ ‬يموت‭ ‬واقفًا‭ ‬ويصد‭ ‬العواصف‭ ‬ويمنح‭ ‬الدفء‭ ‬والظل‭ ‬ومن‭ ‬هنا‮ ‬‭ ‬طالعنا‭ ‬وجوه‭ ‬الخيرين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬وأنتَ‭ ‬منهم‭ ‬دكتور‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬وداعًا‭ ‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭.‬

عقل‭ ‬ليبي‭ ‬جميل‭ ‬

نورالدين‭ ‬الورفلي‭: ‬

رحل‭ ‬عنقودُ‭ ‬البهجة،‭ ‬رحل‭ ‬صديقنا‭ ‬الوفي‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭ ‬النبيل،‭ ‬ولا‭ ‬أظنني‭ ‬سأسمع‭ ‬بعده‭ ‬من‭ ‬يناديني‭ ‬باللقب‭ ‬المحبب‭ ‬لدي‭: )‬نويرة‭( ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يناديني‭ ‬حين‭ ‬يهاتفني،‭ ‬وحين‭ ‬يراسلني،‭ ‬وحين‭ ‬نلتقي،‭ ‬ونويرة‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬رحمها‭ ‬الله،‭ ‬قبل‭ ‬نجيب‭ ‬من‭ ‬يناديني‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬تحبباً‭. ‬

عقل‭ ‬ليبي‭ ‬جميل‭ ‬طرح‭ ‬مشروعات‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية،‭ ‬وترك‭ ‬مؤلفات‭ ‬كثيرة‭ ‬وتراجم‭ ‬كثيرة‭ ‬أيضاً،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬عطائه،‭ ‬ولديه‭ ‬مشروعات‭ ‬أخرى‭ ‬لم‭ ‬يأذن‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬تتم،‭ ‬ستحزن‭ ‬جامعاتنا‭ ‬الليبية‭ ‬والعربية‭ ‬على‭ ‬فقده‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬جهدًا‭ ‬في‭ ‬دعمها‭ ‬بالدروس،‭ ‬والكتب،‭ ‬والمحاضرات،‭ ‬والندوات،‭ ‬والمؤتمرات‭.‬

كان‭ ‬محبًا‭ ‬ومؤديًا‭ ‬لوجباته‭ ‬الدينية‭ ‬والروحية‭ ‬والدنيوية‭.‬

اللهم‭ ‬اغفر‭ ‬له‭ ‬وارحمه‭ ‬واكرم‭ ‬نزله،‭ ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭ ‬العلي‭ ‬العظيم‭. ‬

الراحلون‭ ‬يتركون‭ ‬فراغًا‭ ‬كبيرًا

عبدالله‭ ‬علي‭ ‬عمران‭: ‬

مشكلة‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬ليبيا‭ ‬أنه‭ ‬بلد‭ ‬عقيم،‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬تعويض‭ ‬خسائره‭ ‬الصغيرة‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بالخسائر‭ ‬الكبرى‭.‬

الراحلون‭ ‬يتركون‭ ‬فراغًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬ويتركون‭ ‬حسرة‭ ‬أكبر‭ ‬لعلمنا‭ ‬يقينا‭ ‬أن‭ ‬الزمانَ‭ ‬لا‭ ‬يجود‭ ‬بمثلهم‭ .. ‬إن‭ ‬الزمانَ‭ ‬بمثلهم‭ ‬لبخيل‭.‬

مشكلة‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬ليبيا‭ ‬ليس‭ ‬أنه‭ ‬بلد‭ ‬عقيم‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬بلد‭ ‬جاحد‭ ‬وفاشل،‭ ‬يتنكر‭ ‬لمبدعيه‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاحاتهم،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النجاحات‭.‬

بلد‭ ‬فيه‭ ‬الهامش‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المتن،‭ ‬لأنه‭ ‬يضع‭ ‬الأفذاذ‭ ‬والمبدعين‭ ‬في‭ ‬الهامش،‭ ‬ويضع‭ ‬السفهاء‭ ‬في‭ ‬المتن‭.‬

رحل‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬مشروعًا‭ ‬فكريًا،‭ ‬أو‭ ‬فلسفيًا‭ ‬واضحًا‭ ‬متكامًلا،‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬النيهوم،‭ ‬ليس‭ ‬لعيب‭ ‬فيه،‭ ‬بل‭ ‬لسوء‭ ‬طالعه‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالمشاريع،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬مشاريع‭ ‬يمكن‭ ‬للمفكر‭ ‬أن‭ ‬ينخرط‭ ‬فيها،‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬المفكر‭ ‬أن‭ ‬ينجز‭ ‬مشروعه‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬وهو‭ ‬أمرٌ‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينجزه‭ ‬مفكر‭ ‬بمفرده،‭ ‬وحسب‭ ‬نجيب‭ ‬أنه‭ ‬غادر‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لذلك‭ ‬المشروع‭ ‬ويحدّد‭ ‬ملامحه‭.‬

رحل‭ ‬نجيب‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يتقلد‭ ‬منصبًا‭ ‬ولا‭ ‬يحمل‭ ‬أي‭ ‬صفة‭ ‬رسمية،‭ ‬ولكنه‭ ‬ترك‭ ‬مكتبة‭ ‬فلسفية،‭ ‬ونموذجًا‭ ‬فكريًا،‭ ‬بينما‭ ‬يتقلد‭ ‬المناصب‭ ‬ويحمل‭ ‬الصفات‭ ‬السفهاء‭. ‬

قنديلٌ‭ ‬آخر‭ ‬يُطفأ

نجاح‭ ‬مصدق‭: ‬

يا‭ ‬لهذه‭ ‬البلاد‭ ‬الحزينة‮…‬

يُطفأ‭ ‬قنديلٌ‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬لياليها‭ ‬المعتمة‭.‬

يفارقها‭ ‬الحصادي،‭ ‬بصمت‭ ‬الفلاسفة،ووجع‭ ‬العارفين‭.‬

أي‭ ‬يتمٍ‭ ‬هذا‭ ‬يصيبكِ‭ ‬أيتها‭ ‬البلاد؟‭ 

أبكي‭ ‬سؤالًا‭ ‬غادر

عبد‭ ‬الرسول‭ ‬محمد‭ ‬

قرأتُ‭ ‬له‭ )‬معيار‭ ‬المعيار،‭ ‬وتقريظ‭ ‬العلم‭(‬،‭ ‬وقضايا‭ ‬فلسفية‭ ‬وشاهدتُ‭ ‬بعض‭ ‬الحوارات،‭ ‬واللقاءات،‭ ‬وتبادلتُ‭ ‬معه‭ ‬محادثات‭ ‬تُعدّ‭ ‬على‭ ‬الأصابع‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬الماسنجر‮»‬‭.‬

سألتُه‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭: ‬هل‭ ‬للصدفة‭ ‬قانونٌ؟‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الصدفة،‭ ‬والمعجزة،‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬اللغة،‭ ‬والهوية،‭ ‬وعن‭ ‬من‭ ‬يفقد‭ ‬هويته‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحدّث‭ ‬بلغةٍ‭ ‬أخرى‭.‬

قليلٌ‭ ‬ما‭ ‬قرأتُه،‭ ‬ولم‭ ‬ألتقِ‭ ‬به‭ ‬يومًا،‭ ‬لكنّني‭ ‬أحببته‭.‬

وكل‭ ‬ما‭ ‬أستطيع‭ ‬قوله‭ ‬الآن‭: ‬إننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬أكثر‭ ‬عُريًا‭ ‬أمام‭ ‬الجهل،‭ ‬والخوف،‭ ‬والتقليد،‭ ‬وإنني‭ ‬لا‭ ‬أبكي‭ ‬رجلًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أبكي‭ ‬سؤالًا‭ ‬غادر،‭ ‬سؤالًا‭ ‬لن‭ ‬يُطرح‭ ‬بعده‭ ‬أيُّ‭ ‬سؤالٍ‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬الفاسدة‭.‬

نعم‭ .. ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬عُريًا،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يُحاجج‭ ‬الجهل‭ ‬بالحُجّة،‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬هنا‭.. ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬يُربّت‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬الحيارى،‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬يُجيب‭.‬

ومن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يخجل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ )‬لا‭ ‬أعرف‭( ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الادّعاء،‭ ‬قد‭ ‬صمتَ‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

إلا‭ ‬أنني‭ ‬أقول‭:‬

من‭ ‬كان‭ ‬يُحبّ‭ ‬نجيب،‭ ‬فليقرأ‭.‬

فليحمل‭ ‬مصباح‭ ‬السؤال،‭ ‬ويمضي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى