
)وال( – انطلق مساء أول أمس بطرابلس مهرجان طرابلس الدولي للمألوف في دورته الثانية عشرة دورة الشيخ مصطفى أبو جراد» بعد غياب امتد عدة سنوات، المهرجان يسلط الضوء على أهمية القيم الأدبية والتاريخية التي يمثلها هذا الفن المتجذر في التراث الليبي لتكريس الثقافة الوطنية.
وعبّر رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، «عبد الباسط ابوقندة»، في افتتاح المهرجان الذي تستمر فاعلياته من 5 إلى 10 يوليو الجاري، عن سعادته بعودة مهرجان طرابلس الدولي للمألوف، هذا الحدث الفني العريق الذي يعود بعد غياب دام عشر سنوات، ليجدّد روح الاعتزاز بتراثنا وهويتنا الليبية الأصيلة.
وأوضح «أبوقندة» أن المألوف ليس مجرد لون موسيقي، بل هو جزءٌ من الذاكرة والثقافة الليبية، داعيًا إلى المحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة، باعتباره رمزًا من رموز حضارتنا وتاريخنا الفني.
وتابع أبوقندة أن عودة هذا المهرجان ليس مجرد مناسبة فنية، بل هي رسالة واضحة بأن طرابلس ستبقى منارة للفن والثقافة مهما اشتدت التحديات.
وأكد مدير المركز القومي للبحوث ودراسات الموسيقى العربية، المدير التنفيذي لمهرجان طرابلس، «أحمد دعوب»، من جهته، أن مهرجان طرابلس الدولي للمألوف اعتمد في دورته الثانية عشرة بمبادرة من المركز القومي لبحوث ودراسات الموسيقى العربية فكرة إطلاق اسم أحد رواد هذا الفن على كل دورة وفاءً لهؤلاء الرواد الذين أثروا المالوف الليبي.
وأضاف «دعوب» أن 11 فرقة ليبية، من درنة ومصراته وسبها وزليطن وكعام وطرابلس وتاجوراء، وفرقة من الشقيقة تونس تشارك في هذه الدورة إلى جانب إقامة معرض صور يوثق رموز فن المالوف في ليبيا وتنظيم محاضرات خاصة بفن المالوف يلقيها باحثون في هذا الفن التراثي من تونس.
وأوضح أن مثل هذه المهرجانات تسهم في تفعيل المشهد الفني والثقافي في ليبيا، وخلق التنافس بين الفرق المشاركة وإدخال نوع من الترفيه والتعريف بفن المالوف لدى الجمهور الليبي من فئة الشباب.
وقال رئيس فرقة «حسن عريبي» للمألوف «يوسف حسن عريبي»، إن مشاركة فرقته في هذا المهرجان ستكون في العرض الختامي يوم الخميس القادم من خلال عرض للفرقة مع مجموعة من البرامج والفنون وقصيدة )المنفرجة( الشهيرة.
وأضاف «عريبي» أن هذا المهرجان يعود اليوم بعد غياب عدة سنوات في حُلة جديدة تحت إشراف ورعاية الهيئة العامة للسينما والمسرح.
وأضاف أن فن المالوف يمثل جزءًا من الهوية والثقافة والعادات الليبية وهو من الفنون التي تجتمع عليه العائلة، يخاطب الذوق الرفيع ويخاطب النَّاس بثقافتهم وعاداتهم، ويرتقي بالذوق العام.
معربًا عن الأمل في أن تمثل هذه الدورة نقطة انطلاق نحو تكريس هذا الفن التراثي الأصيل.
من جانبه، أوضح عضو اللجنة العليا لمهرجان المألوف، «الصادق النايلي»، أن هذه الدورة تمثل خطوة استراتيجية ضمن خارطة المهرجانات التي وضعتها الهيئة هذا العام بهدف إحياء المألوف الليبي والحفاظ عليه كجزء أصيل من الهوية الثقافية لبلادنا.
وأضاف «النايلي» أن القائمين على المهرجان حرصوا على أن تكون هذه الدورة مختلفة، بعيدة عن الطابع النمطي، وتؤسس لرؤية جديدة لفن المألوف، تعتمد على الأداء الجماعي والمرافقة بالآلات الموسيقية الأصيلة التي لحّن بها هذا الفن عبر تاريخه.
واشار «النايلي» إلى أنه تم فتح باب التقديم للفرق للمشاركة في هذه الدورة عبر رابط إلكتروني على صفحة المهرجان الرسمية، حيث تقدّمت 17 فرقة للمشاركة، وتم تمديد فترة التسجيل ليصل العدد إلى 19 فرقة، وطُلب من كل فرقة تقديم المادة التي ستشارك بها، واطلعتْ اللجنة على النصوص بعناية، حرصًا على توافقها مع ما أقرّه السلف في حفظ هذا التراث، واستنادًا إلى ما ورد في المصادر والكتب ذات الطابع المحلي الليبي، وبعد المراجعة الدقيقة تم اختيار 11 فرقة إلى جانب فرقة من الشقيقة تونس تمكنت من التسجيل للمشاركة في العروض الرسمية.
وأكد «النائلي» أن هذه الدورة تمثّل جهدًا في تأصيل المألوف الليبي وتوثيقه، وهو من صميم الأمن القومي الثقافي، لأن ليبيا، يضيف «النائلي»، تمتلك كنوزًا من النصوص والألحان والتركيبات الإيقاعية النادرة التي تتعرّض أحيانًا للسرقة، أو الطمس.
موضحًا أن هذا المهرجان ليس فقط فعالية فنية، بل هو مشروع وطني لحماية التراث الليبي وأداة للتوثيق والتأريخ والأرشفة لصالح ذاكرة الوطن، من أجل الأجيال القادمة.
ويهدف المهرجان بحسب القائمين عليه إلى إظهار الحس الوطني وإبراز معالم ما جدّده المبدعون الليبيون في هذا الفن الأصيل بالإضافة إلى توثيق الفنون التراثية والموسيقية من حيث النص واللحن والايقاع ورصدها وتسجيلها، والمحافظة على الموروث الثقافي الليبي لتناقله عبر الاجيال وإظهار جوانب التطور والابداع في فنون نوبة المالوف وما صاحبه من نماذج شعرية.
يشكل المالوف جزءًا من التراث العريق في ليبيا، وهو فن ليبي أصيل قدم من الأندلس عن طريق «الموريسكيين» في القرن الثاني عشر الميلادي، لا تزال تصدح به حناجر المنشدين، ويحظى بمكانة خاصة في قلوب الليبيين رغم مواجهته بعض التحديات خلال السنوات الـ 15 الماضية.
استوطن المالوف في المغرب، والجزائر، وتونس وازدهر في ليبيا بشكل كبير رفعته إلى درجة العالمية.
استقر المالوف في ليبيا، وأصبح جزءًا من التراث الثقافي لبلادنا وتطور مع مرور الوقت، وأصبح يقدم في المناسبات الدينية والاجتماعية، مثل المولد النبوي الشريف، والأعياد والأفراح.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الفنون التراثية في العالم عموما، لا يزال المالوف الليبي، وهو إحداها، صامدًا ويحظى بالاهتمام على المستويين الرسمي، والشعبي.
يعتمد المالوف على مجموعة متنوعة من الآلات الموسيقية، بما في ذلك العود والكمان والناي، وآلات الإيقاع، ويشارك فيه مجموعة من العازفين والمنشدين.
يُذكر أن من بين أبرز أعلام المالوف الليبي في العصر الحديث، الفنان حسن عريبي، الذي أسهم في تطويره وإدخال المزيد من الآلات الموسيقية عليه، الشيخ محمد قنيص، الذي اشتهر بأدائه المتميز لنوبات المالوف الششترية.